«نقاش» في الإصلاح * عريب الرنتاوي

«نقاش» في الإصلاح * عريب الرنتاوي
الرابط المختصر

يغلب القلق على الطمأنينة في حديث المتحدثين عن مآلات عملية الإصلاح السياسي والمستقبل الأردني، فمن تقابلهم من صحفيين ودبلوماسيين وباحثين، وهم كثرُ ، تراوح تقديراتهم بين حدي التفاؤل والتشاؤم، وبينهما مروحة واسعة من التقديرات “المُتشائلة”.

المتفائلون يحدثونك عن إرث أردني في احتواء الأزمات وخبرة متراكمة في فن الخروج منها بأقل قدر من الخسائر، وغالباً من دون عنف مفرط أو فيض من الدماء المراقة...وهذا صحيح تماماً، وهو رصيدٌ يمكن البناء عليه وتعظيمه...بيد أنه وحده لا يكفي للنوم على “حرير الأوهام”، لاسيما وأننا نعيش مرحلة التحولات الكبرى والعنيفة في المنطقة برمتها، وثمة دول ومجتمعات شقيقة ومجاورة، لم نكن نتخيل يوماً، أنها تختزن كل هذه الاستعدادات للعنف والفوضى والتدمير الذاتي، ولقد مررنا نحن أنفسنا، في خلال العامين الفائتين بتجربة “الرقص على حافة الهاوية” أكثر من مناسبة و”دوّار”، لولا رعاية الله ولطف أقداره.

ويحدثك آخرون عن “عبقرية الجيوبوليتك”، و”ديكتاتورية الجغرافيا” التي وضعت الأردن بين أهم مصلحتين حيوتين للغرب، كل الغرب: النفط واستتباعاً الغاز المُكتشف بوفرة، وإسرائيل...الأمر الذي سيفضي بحسب هؤلاء إلى “التجديد التلقائي” للالتزام الإقليمي/الدولي بأمن الأردن واستقراره سياسياً واقتصادياً...لكن ينقص هذه النظرية البرهنة على أن الدول التي ضربها زلزال التغيير، كانت أقل أهمية للغرب ومصالحه، ولإسرائيل وحسابات “نظريتها للأمن القومي” كمصر على سبيل المثال لا الحصر....ينقص هذه النظرية البرهنة على أن الغرب كان بمقدوره منع انزلاق دول ومجتمعات عديدة في أتون عدم الاستقرار وتبعاته.

كما ينقص هذه النظرية لكي تثبت جديتها وجدواها، الإجابة على أسئلة من نوع: لماذا يجوّع الأردن في هذه المرحلة، وأية تداعيات سياسية ستترتب على قرارات اقتصادية ومالية تبدو وشيكة، وهي بالقطع غير شعبية، وإلى متى سيستمر الأشقاء بالتعامل مع الأردن من على قاعدة عدم جواز أن “نشبع” وعدم السماح بموتنا جوعاً؟، وما مغزى هذه القاعدة ودلالاتها، برغم وجاهة وصوابية كل ما قيل، ويمكن أن يقال، عن موقع الأردن ومكانته للغرب ومصالحه والخليج واستقراره وإسرائيل وأمنها.

يحدثك بعضهم عن نظرية “ملء البطون” بوصفها البديل المقبول جماهيرياً عن “الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي”...لكن تجربة الشعب “المُتخم” في الكويت تعطي دروساً مغايرة لهذه النظرية، وتؤكد أن الإصلاح والحرية والديمقراطية، هي قيم مطلوبة بذاتها، للذين يتضورون جوعاً أو يتلوون تخمةً، وإن تفاوتت الأولويات من بلد لآخر أو من مرحلة لأخرى...كما أن على أصحاب هذه النظرية، أن يقنعونا بأن “البطون الممتلئة” سوف تكون عنوان المرحلة المقبلة وشعارها، وليس المزيد من ضنك العيش وانفلات “غول” الأسعار من عقاله، الذي تبشر به، أو بالأحرى “تنذر به” موجة القرارات المالية والاقتصادية المنتظرة للحكومة.

صحيح أن معظم استطلاعات الرأي العام الموثوقة، وضعت الإصلاح السياسي في مرتبة متدنية في سلم أولويات الأردنيين، تتقدم عليها قضايا الفقر والبطالة والغلاء وتدني المداخيل وضعف القدرة الشرائية ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية، ولكن من قال أنه في ظل عدم تحقيق تقدم ملموس في معالجة هذه الملفات، لن تتقدم قضية الإصلاح السياسي على ما عداها، ويقفز المواطن العادي من الشعار الاقتصادي/الاجتماعي إلى الشعار السياسي...أليس هذا هو الدرس الأول لـ”ربيع العرب” بعامة، وللحراك الشعبي الأردني على نحو خاص؟!

الإصلاح السياسي، ليس وصفة سحرية لمعالجة جميع مشاكل الأردن، من سياسية واقتصادية واجتماعية، بيد أنه على صعوبته ومصاعبه، يظل الخيار الأقل كلفة للتعامل مع هذه الاستحقاقات، فلا يراهن أحدٌ لا على “الجغرافيا” و”التحالفات” القريبة منها والبعيدة..ولا يعمدن أحدٌ إلى “تجريب المُجرب” في غير دولة ومجتمع، أو إلى اجترار ما كنا فعلناه من قبل، ولم يُعط أكله...هذا ممر إلزامي، يتعين أن نجتازه، وليس لنا في الأمر سوى واحد من خيارين اثنين: إما أن نفعله نحن بشروطنا ووفق مصالحنا وبهدي من توافقاتنا الوطنية في الأساس، أو أن يُملى علينا بشروط الآخرين، وفي ربع الساعة الأخيرة، وبكلفة باهظة لا سمح الله.

الدستور