أوضاع المعلمين في المدارس الخاصة: انتهاكات متعددة لحقوقهم الأساسية

الرابط المختصر

عمان - كشف تقرير عمالي أن غالبية المعلمين والمعلمات العاملين في المدارس الخاصة ورياض الأطفال يتعرضون للعديد من الانتهاكات والتعديات على حقوقهم العمالية والإنسانية الأساسية في ضوء التشريعات العمالية الأردنية والاتفاقيات ذات العلاقة. وخاصة فيما يتعلق بانخفاض أجورهم وحرمانهم من الإجازات السنوية والمرضية وإجازات الأمومة للمعلمات المتزوجات وتمتعهم بالحماية الاجتماعية من خلال الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.

ويأتي إصدار هذا التقرير في ضمن سلسلة التقارير الشهرية التي يعدها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش ايبرت" الألمانية ويحمل عنوان "أوضاع المعلمين في المدارس الخاصة: انتهاكات متعددة لحقوقهم الأساسية"،  بمناسبة ذكرى "يوم المعلم العالمي" التي تصادف يوم الخامس من تشرين الأول من كل عام.

وأشار التقرير إلى أن تراجع دور المعلمين والمعلمات في العملية التعليمية والتحولات الاجتماعية والسياسية، إلى جانب عوامل أخرى، أدت إلى إهمال مضامين المناسبة، فلم يعد يتذكرها غالبية المواطنين بمن فيهم أعداد كبيرة من المعلمين أنفسهم.

وبين التقرير أن هنالك تفاوت في المؤشرات الرقمية ذات العلاقة بأعداد المعلمين والمعلمات العاملين في المدارس الخاصة ورياض الأطفال، إذ أن أرقام وزارة التربية والتعليم تشير إلى أن أعدادهم تبلغ (23484) معلما ومعلمة. نسبة الإناث منهم تبلغ (87%) والباقي من الذكور. يتوزعون على (2140 ) مدرسة ورياض أطفال في مختلف أنحاء المملكة.

بينما أرقام نقابة أصحاب المدارس الخاصة تشير إلى وجود ما يقارب (35) ألف معلم ومعلمة، يتوزعون على 2100 مدرسة، نسبة الإناث منهم تقارب (70%)، إلى جانب (21) من الإداريين والسائقين والحراس.

مستويات متدنية من الأجور:

وبين التقرير أن من ابرز التحديات التي تواجه المعلمات والمعلمين في التعليم الخاص، المستوى المتدني لمعدلات أجور غالبيتهم، وعلى الرغم من تفاوت أجور المعلمين والمعلمات بين مدرسة وأخرى، كما في مدارس الفئة الأولى أو ما تسمى بـ "المدارس الكبيرة"  التي تتجاوز رواتب عدد من معلميها الألف دينار، فإن غالبية المدارس لا تتجاوز رواتب معلميها ومعلماتها ما بين الحد الأدنى للأجور البالغ (150) دينار شهريا، و (250) دينارا شهريا، وأعداد قليلة منها تتراوح أجورها الشهرية ما بين (250 و 400) دينار، مع ملاحظة أن قطاعات واسعة تحصل على أجور شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور.

وبين التقرير في هذا السياق، أن العديد من المعلمات والمعلمين يتم إجبارهم على توقيع عقود عمل سنوية براتب 150 ديناراً، إلا أنهم يتقاضون رواتب أقل من ذلك. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب فغالبية معلمي ومعلمات هذا القطاع يتقاضون أجورا عن (10) أشهر في السنة فقط، الأمر الذي يعد مخالفة صريحة للعقد الموحد الخاص بعمل معلمي ومعلمات المدارس الخاصة، والذي يعطي المعلمين والمعلمات الحق في أجور  السنة كاملة بدءاً من سنة العمل الثانية.

وهنالك عدد من المدارس تقوم بفسخ عقود المعلمين والمعلمات في نهاية الفصل الدراسي الثاني، ومن ثم تعود لتجديد عقودهم في بداية الفصل الدراسي الأول، للحيلولة دون دفع رواتبهم في العطلة الصيفية. ومن الجدير بالذكر، أن هناك بعض المدارس لا تقوم بتوقيع عقود مع المعلمات والمعلمين لديها.

وقد اشتكت عدد من المعلمات أن رواتبهن لا تتجاوز 80 دينارا شهريا، بالإضافة إلى تأخير استلامها لأكثر من شهر وأحياناً شهرين، في مخالفة صريحة للحد الأقصى الذي نصت عليه المادة (46) من قانون العمل التي تنص على دفع الأجر خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ استحقاقه.

وأكد التقرير أن العديد من ادارات المدارس الخاصة تقوم بعمليات خصم من رواتبهم بسبب بعض العقوبات التي يمكن أن تقع على عدد من المعلمات والمعلمين خاصة إذا تأخروا عن دوامهم الصباحي، فجزء كبير من إدارات المدارس تقوم بخصم يوم أجور عمل أو يومين إذا تأخر المعلم أو المعلمة 10 دقائق عن الدوام. وهذا يعد مخالفة صريحة لنص المادة (47) من قانون العمل الأردني، والتي تنص على الحالات التي يحق لصاحب العمل إيقاع الخصم على راتب الموظف والتي ليس من بينها التأخير عن الدوام.

وأشتكى العديد من المعلمات والمعلمين أنهم لا يحصلون على بدل عمل إضافي عندما يمتد دوامهم لأكثر من ساعات العمل الرسمي، مخالفين بذلك نص المادة (59) من قانون العمل الأردني.

وقد أوضح "أحمد عوض" مدير مركز الفينيق للدراسات أن منهجية إعداد التقرير اعتمدت على جمع البيانات الإحصائية حول أعداد المدارس الخاصة والعاملين فيها والمعلمين منهم من خلال وزارة التربية والتعليم، والنقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية ونقابة أصحاب المدارس الخاصة، إلى جانب العشرات من المقابلات الشخصية مع العديد من المعلمات والمعلمين العاملين في المدارس الخاصة المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة للوقوف على الظروف التي يعملون فيها.

الضمان الاجتماعي

وأشار التقرير أن العديد من إدارات المدارس الخاصة تؤجل إشراك المعلمات والمعلمين العاملين فيها بالضمان الاجتماعي من سنة إلى ثلاث سنوات بعد مباشرتهم العمل، وهذا يعد مخالفة لنص الفقرة (ج) من المادة  (20)  من قانون الضمان الاجتماعي، التي تطالب بإلزامية إشراكهم في الضمان الاجتماعي وقت مباشرتهم العمل.

وبعض إدارات المدارس تقتطع اشتراكات الضمان الاجتماعي كاملة من راتب المعلمة أو المعلم، مخالفة بذلك العديد من نصوص قانون الضمان الاجتماعي التي تحدد الاقتطاعات الواجب دفعها من قبل العامل ومن قبل المؤسسة والتي تصل في الوقت الحالي إلى (5.5%) من مجمل الأجر الشهري تخصم من أجر العامل، و (11%) من أجر العامل تدفعه المؤسسة.

أما فيما يتعلق بالتأمين الصحي، فأعداد محدودة جداً من المدارس الخاصة توفر لمعلميها تأمينا صحيا، والغالبية الكبرى من المعلمات والمعلمين في قطاع التعليم الخاص لا يتمتعون بالتأمين الصحي.

الإجازات والعطل الرسمية

وكشف التقرير كذلك أن غالبية المعلمات والمعلمين العاملين في المدارس الخاصة محرومين من حقوقهم المنصوص عليها في "عقد العمل الموحد"، إذ يستلمون رواتب (10) أشهر في السنة فقط. وبين التقرير أن المعلمات والمعلمين في المدارس الخاصة لديهم ترتيب خاص بموجب نصوص "العقد الموحد" الموقع بين عدد من الأطراف ذات العلاقة ( وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل ونقابة العاملين في التعليم الخاص ونقابة أصحاب المدارس الخاصة) والذي يمنح المعلمات والمعلمين أجورا عن 12 شهر.

وأكد التقرير أن غالبية المدارس الخاصة تقوم بحرمان المعلمين والمعلمات من حق الإجازة المرضية، والتي تصل إلى (14) يوماً، سنويا وفي ظروف مرضية خاصة تصل إلى (28) يوما، الأمر الذي يعد انتهاكاً صريحا لنص المادة (65) من قانون العمل الذي يشير إلى أن "لكل عامل الحق في إجازة مرضية مدتها أربعة عشر يوماً خلال السنة الواحدة بأجر كامل بناء على تقرير من الطبيب المعتمد من قبل المؤسسة، ويجوز تجديدها لمدة أربعة عشر يوما أخرى بأجر كامل إذا كان نزيل أحد المستشفيات أو بناء على تقرير لجنة طبية تعتمدها المؤسسة". وإذا ما اضطرت المعلمة أو المعلم للغياب لأسباب مرضية، تقوم إدارات غالبية المدارس الخاصة باقتطاع أجور أيام الغياب من راتبه الشهري، وأحيانا بقيمة تزيد عن القيمة المالية لأيام الغياب.

وكذلك الحال فيما يتعلق بالإجازات الطارئة الناجمة عن حدوث أمر طارئ للمعلمة أو المعلم ولأي سبب كان، فتقوم إدارات غالبية المدارس الخاصة باقتطاع أجور أيام الغياب من راتبه الشهري، وأحيانا بقيمة تزيد عن القيمة المالية لأيام الغياب.

وبين التقرير أيضاً، أن من النادر أن تحصل النساء المتزوجات على إجازة الأمومة البالغة (10) أسابيع قبل الولادة وبعدها على أن تشمل عطلة ما بعد الولادة 6 أسابيع على الأقل، إذ تقوم غالبية إدارات المدارس الخاصة بوقف راتب العاملة خلال إجازتها. وقد تم رصد حالات تقوم فيها إدارات المدارس بفصل المعلمة من عملها عندما تعلم بحملها والبعض الأخر يحدد الإجازة بأسبوعين ومنهم من يحددها بعشرين يوما ويلزم المعلمة بالالتحاق بعملها وإلا ستفصل من العمل وفي مدارس أخرى تتحدد إجازة الأمومة ب 10 أيام وبدون راتب وإذا لم توافق المعلمة تجبر على تقديم استقالتها. الأمر الذي يعد انتهاكا لنص المادة (70) من قانون العمل الأردن.

كذلك وجد من النادر جداً حصول المرأة المتزوجة على ساعة الرضاعة يومياً لمدة سنة من تاريخ الولادة، والذي يعد مخالفة لنص المادة (71) من قانون العمل.

وقد أبدت العديد من النساء اللاتي تمت مقابلاتهن أثناء إعداد هذا التقرير أنهن لا يفكرن بالإنجاب، لأن مدارسهن لا تعطي إجازة الأمومة وساعة الرضاعة.

غياب الاستقرار الوظيفي

وأشار التقرير إلى غياب الاستقرار الوظيفي للغالبية الساحقة من المعلمات والمعلمين العاملين في القطاع الخاص، فالكثير من المعلمين والمعلمات التي تمت مقابلتهم في هذا القطاع بينوا أن هنالك ممارسات مزاجية عالية في الممارسات أساليب الإدارة المتبعة في غالبية المدارس الخاصة، الأمر الذي يخلق حالة من القلق لدى المعلمات والمعلمين، ويولد لديهم شعورا بالإحباط وعدم الالتزام وإعطاء المدرسة والطلاب حقهم في التعليم لأنه لا يوجد ضمانات لاستمراره بالعمل، ولأن حقوقه العمالية تسرق أمام عينيه، ولا يوجد ضمانات بعودته للعمل في المدرسة مرة أخرى مع بداية كل عام دراسي جديد، ولأن مستقبل استمرارهم في العمل في هذه المدارس مرهون بدرجة ولائهم الشخصي لأصحاب ومديري هذه المدارس.

وأشار العديد من المعلمات والمعلمين أن جلب المال وتعظيم الأرباح يعد من أهم أوليات أصحاب ومديري هذه المؤسسات التعليمية، أما قوانين العمل والتربية والأنظمة ذات العلاقة فهي آخر همومهم.

وكشف التقرير إلى وجود انتهاكات لمهنة التعليم ذاتها تتعلق بإجبار بعض إدارات المدارس الصغيرة على أداء بعض المهام التي ليست لها علاقة بوظيفتهم، فالبعض منهم يجبر على البحث عن طلبة جدد وتسجيلهم في المدرسة أو رياض الأطفال، لكي يتمكنوا من المحافظة على وظائفهم للسنة الدراسة الجديدة، وبعض المعلمات يجبرن على ممارسة مهنة بيع العصير والساندويش والبسكويت للطلبة خلال الفرصة.

وأوصى التقرير بضرورة تفعيل دور مفتشي وزارة العمل للكشف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المعلمين والمعلمات وغيرهم من العاملين في قطاع التعليم الخاص، وتفعيل دور مفتشي المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لضمان اشتراك جميع العاملين في التعليم الخاص بالضمان الاجتماعي، إلى جانب الإسراع في تأسيس نقابة خاصة للمعلمين والتي من شأنها رفع سوية مهنة المعلم وتطويرها وزيادة المكانة المهنية والاجتماعية والاقتصادية للمعلمين، وتفعيل دور النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص وتوعية المعلمين بالقطاع الخاص بأهمية العمل النقابي العمالي، وتطوير عقد العمل الإلزامي ليمتد لفترة زمنية لا تقل عن 3 سنوات للحفاظ على حقوق المعلمين والمعلمات في قطاع التعليم الخاص، والإسراع في تفعيل النص القانوني المتعلق بإنشاء صندوق الأمومة للحفاظ على حقوق المرأة العاملة المتزوجة، و تطوير قاعدة بيانات دقيقة تشمل جميع المعلمين والمعلمات والمدارس الخاصة التي يعملون فيها

نص التقرير الكامل: