مدينة "الشيخ حمد".. منحة إسكانية تحولت لمشروع استثماري

غزة/ عبد الله يونس- مضمون جديد:
لم يستسيغ سكان قطاع غزة، أن تضع الحكومة في غزة مبالغ مالية باهظة، مقابل شراء شقة في مدينة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، التي تبرع ببنائها أمير قطر للفلسطينيين من فئة الفقراء والمحتاجين وأصحاب الداخل المحدود، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع قيمة الأجور وشراء العقارات.
ويقع المشروع السكني في أراضي المحررات على مساحة 126 دونماً ويتكون من 53 عمارة سكنية بارتفاع 5 طوابق بعد الأرضي، تحتوي على قرابة 3000 وحدة سكنية بثلاث مساحات مختلفة هي 100 و115 و130 متراً وسيتم توزيع المساحات بناء على رغبة المتقدمين وعدد أفراد الأسرة ومستوى الدخل الشهري.
وطلبت وزارة الأشغال العامة والإسكان من المواطنين البدء بالتسجيل لتملك شقة سكنية في مدينة حمد، حيث وضعت مقابل مالي بقيمة 30 شيقلاً غير مستردة للتسجيل.
وتنص شروط الوزارة حسب إعلانها، على أن يكون المتقدم فلسطيني الجنسية ومتزوجا أو معيلا لأسرة ولا يمتلك سكنا خاصا بمساحة تزيد عن 100 متر أو قطعة أرض تزيد مساحتها عن 175 مترا، بالإضافة لتوفير كفيل حكومي في حال كان المتقدم موظفاً حكومياً أو كفيلين إن لم يكن موظفاً حكومياً وكذلك القدرة على الإيفاء بالأقساط الشهرية والدفعة المقدمة.
استياء مواطنين
وأثارت هذه الشروط غضب واستياء المواطنين، خاصة الشريحة الأكثر فقراً الذين استبشروا خيراً بزيارة الشيخ حمد لمدينة غزة نهاية العام الماضي، حيث تبرع خلالها بمبلغ 450 مليون دولار لإقامة مشاريع إسكانية وتنموية للفلسطينيين.
ويرى المواطن محمد أبو كرش، شروط الوزارة أنها تعجيزية، وقال: "للأسف هذه الشروط لن تمنح الفرصة لمن هم أصحاب الدخل المحدود ومن هم تحت خطر الفقر، للاستفادة منها".
وأوضح أبو كرش لـ"مضمون جديد" أن الشيخ حمد أمير قطر، قام ببناء هذه المدينة من أجل الفقراء والمحتاجين، مستغرباً من أن يتم بيع هذه الشقق على المواطنين "في وضع يسمح للسماسرة وتجار العقارات الاستحواذ على نصيب هذه الشقق".
ولفت النظر إلى أن معظم الموظفين غير قادرين على تقديم دفعات مالية مقدمة, مضيفا: "إن قيمة القسط الشهري ما بين 100-130 دولار وهي قيمة معقولة ولا تزيد عن قيمة الإيجار الشهري للشقق في غزة، ولكن تبقى المشكلة الحقيقة في المقدّم المطلوب".
وتتراوح أسعار الشقق السكنية في مدينة حمد ما بين 30- 40 ألف دولار, ما يعني أن المنتفعين من الوحدات السكنية سيلتزمون بدفع الأقساط الشهرية لمدة 25 عاما، مع دفعة مقدمة مقدارها 5-7 آلاف دولار، وهذا المبلغ لا يتوافر مع كل من يقبع تحت خط الفقر، بسبب ارتفاع نسبة البطالة والفقر.
وطالب الوزارة بمواصلة العمل بتلك المشاريع وافتتاح مدن إسكانية جديدة في محافظات أخرى لتعم المنفعة على أكبر قدر من المواطنين, مشدداً على ضرورة مراعاة أصحاب الدخول المحدودة والذين يتوجب على الحكومة تقديم المساعدة لهم.
مستأجر لدى الحكومة
من ناحية أخرى، قال المواطن خليل البيوك (42 عاماً) الذي كان يتوقع أن تنطبق عليه شروط امتلاك شقة في مدينة الشيخ حمد للتخلص من السكن بالإيجار: "ما فعلته الحكومة هو أنها نقلتنا من مستأجرين لدى مواطنين لمستأجرين لدى الحكومة وبمساحات ضيقة ولا تتناسب مع طبيعة العائلات الفلسطينية المحبة للعزوة".
وأضاف: "ما جدوى المساعدة القطرية التي جاءت بمنحة بنسبة 100% إذا جرى فيها التجارة والبيع والشراء، وأين هو نصيب الفقراء ومن تهدمت منازلهم خلال الحروب من هذه الشقق؟"، مشيراً إلى أن الحكومة لم تراعي حاجة المواطنين وأوضاعهم المعيشية.
واستغرب البيوك من هذه الشروط وقال: "كيف للحكومة أن تعلن عن هذه الشروط والموظف يعتاش على راتبه الذي ينتهي في نصف الشهر".
واعتبر أن مبررات الحكومة حول تحصيلها أثمان هذه الشقق بأنها تنوي بناء عقارات سكانية أخرى بهذه الأموال "واهية وغير حقيقية"، وتابع: "البناء الحكومي في غزة لا يصرف عليه من أموال الشعب بل من أموال المنح والمساعدات التي تأتي من الخارج، وهذا ما يحصل بشكل عام لذلك أنا لا أصدق المبررات الحكومية".
ولفت النظر إلى أن الفئة التي جاءت من أجلها هذه المساعدات القطرية وهي فئة المواطنين المتضررين من الحرب الأخيرة على غزة، والمواطنين تحت خط الفقر، "لن تستفيد من هذه الشقق لأن شروط امتلاكها تشير إلى أنها مشاريع استثمارية بحته لصالح الحكومة".
يشار إلى أن قطاع غزة يعاني عجزًا في الوحدات السكنية يبلغ نحو 60 ألف وحدة.
حرف المسار
من جهته، قال استاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة، د. معين رجب، إن شروط الحكومة لامتلاك هذه الشقق: "حرفت المشروع عن أهدافه ورسالته ومساره، وهو تقديم المساعدة للمحتاجين والمتضررين، وأصبحت مشاريع استثمارية بحتة".
وأكد رجب لـ"مضمون جديد" أنه ووفقاً للوضع الاقتصادي في قطاع غزة، فإن الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، لن يكونوا قادرين على الإيفاء بهذه الالتزامات المالية"، ما يعني أن هذه الشقق سيتملكها الأغنياء وتجار العقارات.
وأضاف: "مشروع إقامة مدينة حمد، جاء بناء على منحة كاملة، ما يعني أن هذه الشروط ليست صحيحة"، داعياً وزارة الأشغال العامة إلى ضرورة تعديل هذه الشروط لتنسجم مع احتياجات وامكانيات جميع طبقات المجتمع الفلسطيني.
ولفت النظر إلى أن هذه الأثمان للشقق، لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني نظراً لطبيعة الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل وتعطل نسبة كبيرة من الأيدي العاملة.
فرص أخرى للفقراء
بدوره، قال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان، ناجي سرحان، أن الدفعة المالية المقدمة للذين تقع عليهم القرعة في الحصول على شقة سكنية في مدينة الشيخ حمد، "لن تشكل عائقا أمام تملكه هذه الشقة طالما لديه القدرة على دفع القسط الشهري، حيث سيتم التعامل معه حسب دخله الشهري".
ولكن سرحان أقر في ذات الوقت لـ"مضمون جديد" أن هذا المشروع لن يمنح فرصاً لأصحاب الدخول المحدودة أو غير المقتدرين لامتلاك شقة فيه، كونهم غير قادرين على دفع المستحقات الشهرية المطلوبة، ولكنه وعد باستهدافهم بمشاريع أخرى ستجري في وقت لاحق.
وقال: "تتواصل الحكومة في هذه المرحلة مع دول عديدة ومنها الكويت وتركيا والإمارات من أجل البدء بإنشاء مدن سكنية جديدة في محافظات مختلفة من القطاع، وهذا سيتيح مجالاً أوسع وفرصة لغير المقتدرين مستقبلاً".
وأضاف: "إن مشروع مدينة الشيخ حمد السكنية سيخفف من أزمة السكن، حيث سيتم وضع ريع مشروع المدينة في صندوق خاص بمشاريع الإسكان، وسيتم استخدامها في مشاريع إسكانية أخرى لخدمة عدد جديد من المواطنين".
أما عن حقوق أصحاب المنازل المدمرة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، أشار سرحان إلى أن العدوان خلف 200 وحدة سكنية مدمرة كلياً، وأن الحكومة قدمت تمويلا لبناء 90 منزلاً منها، وجاري بناء باقي الوحدات السكنية عبر المشاريع المختلفة".
ولفت النظر إلى أن وزارته تتابع التطورات الحاصلة في ملف الإعمار خاصة الوحدات السكنية التي تعرضت للتدمير خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة.

أضف تعليقك