عمّان -امال العطاونة - مضمون جديد
انتزع الصبي في محل بيع المياه المفلترة في الزرقاء الجديدة غطاء القارورة مستخدما قطعة خرطوم مهترئة وملأها ببعض الماء ورجّها قليلا ثم افرغها مجددا ودفعها الى صبي اخر بجانبه لتعبئتها على اعتبار انها اصبحت معقمة!.
وبدوره، لم يكن زميله اقل سرعة ورشاقة، حيث وضع القارورة تحت حنفية التعبئة ذات الضخ القوي، ولما امتلأت بادر الى كيس بلاستيكي ملقى على الارض بجانبه وتناول منه غطاء وضعه على فمها ثم طرقه بقوة براحة يده ليحكم اغلاقه.
وفي ثوان كان يدس القارورة الممتلئة داخل كيس بلاستيكي ازرق شفاف ويعقده من جهة عنقها ثم يحملها ويضعها بجانب مجموعة قوارير اخرى معدة للتحميل في باص صغير يستخدمه المحل للتوزيع على الزبائن في البيوت.
ولا يتفرد هذا المحل بطريقة التعبئة و"التعقيم" المفترضة هذه، والتي يعتبرها الخبراء "بدائية"، بل هي تنسحب على الغالبية الساحقة من محلات بيع المياه المفلترة في المملكة، والتي بات عددها يتجاوز الثلاثمائة.
وبدأ ظهور هذه المحلات واقبال الناس عليها منذ حادثة تلوث محطة زي في العام 1998 التي كانت تغطي نحو نصف احتياجات عمان الغربية.
وقد خلقت هذه المحلات بيئة خصبة لنمو قطاعات اقتصادية اخرى رديفة اهمها مصانع البلاستيك التي اخذ الطلب يزداد على منتجاتها من القوارير وعبوات التعبئة المختلفة، وكذلك تجارة المبردات المنزلية الخاصة بها.
قوارير متهالكة
وفي الاونة الاخيرة، بدأ يلاحظ تبرم لدى مواطنين في ما يتعلق بحالة القوارير التي تصل الى منازلهم من محلات فلترة المياه وخاصة تلك التي تاتيهم ضمن خدمة التوصيل، والكثير منها قد مضى على تداوله سنوات طويلة.
ومن هؤلاء كمال ممدوح الذي يقول انه اصبح يلاحظ ان بعض القوارير التي تصله تغير لونها وبدت عليها الخدوش وحتى علامات التآكل بدليل ان الكتابة النافرة عليها من الاسفل والجوانب قد انمحت وبات من الصعب قراءتها.
ويضف كمال وهو متقاعد من الحكومة "عندما بدأت التعامل مع محلات المياه المفلترة اعطيتها قوارير جديدة، والمفترض ان تقوم عند استبدالها باعطائي قوارير مقبولة، ولكن ما اصبحت احصل عليه هو قوارير متهالكة".
ويؤكد كمال انه لم تكن تراوده من قبل اية شكوك بصلاحية مياه هذه المحلات، ولكن الشكوك بدأت بالتسلل اليه في ضوء اختلاف وتغير لون بعض القوارير، وهو امر يعتقد ان احد اسبابه هو عدم تعقيمها وغسلها بالشكل الصحيح.
ويقول كمال "قبل فترة نفد الماء فجأة من بيتنا وفاجأنا ضيوف فتوجهت لمحل المياه المفلترة القريب، وهناك شاهدت طريقة غسل القارورة، ويومها قال لي العامل انه يغسلها بماء مفلتر وان هذا كفيل بتعقيمها..اما الان ومع ما اشاهده من تغير في شكل القوارير، فانني اشك ان ما قاله لي ذلك العامل غير صحيح".
وحتى يتمكن المواطن من الاستفادة من خدمات محلات المياه المفلترة، فان عليه امتلاك عبوة واحدة على الاقل، وتكون في الاغلب قارورة، وذلك من اجل اعادة تعبئتها او استبدالها باخرى معبأة بمياه مفلترة.
ومعظم من يتعاملون مع هذه المحلات يمتلكون قارورتين كحد ادنى، ويتكلفون نحو خمسة دنانير ثمنا لكل قارورة فارغة يشترونها.
واذا ما اراد المواطن الاحتفاظ بقارورته فان عليه التوجه الى محل المياه المفلترة لاعادة تعبئتها بنفسه في كل مرة، والا فان المحل سيستبدلها بغيرها ضمن خدمة التوصيل، وربما يصبح من الاستحالة ان يرى قاروته الاصلية ثانية.
ويتراوح ثمن تعبئة القارورة من المحل بين 50 و60 قرشا، في حين يتقاضى المحل اجرة اضافية على خدمة التوصيل الى المنازل.
ولصعوبة نقل القوارير بسبب ثقلها، فان الغالبية من المواطنين تفضل خدمة التوصيل وترتبط مع المحلات ضمن اتفاقات اشتراك شهرية او سنوية تمنحهم بعض التخفيض في الاجرة الاضافية.
وحاليا، فان نحو 80 بالمئة من سكان المحافظات الرئيسية يشترون مياه الشرب.
مخاطر جسيمة
وكما يؤكد خبراء، فان طريقة التعقيم المتبعة في محلات المياه المفلترة لا تكفل قتل الجراثيم التي قد تستوطن القوارير وتنتقل منها الى المستهلكين.
وبحسب اشتراطات وزارة الصحة، فان عملية التعقيم يجب ان تتضمن رش القارورة من الخارج بالمعقمات ثم شطفها جيدا ليصار بعدها الى غسلها من الداخل بنفس المواد المعقمة لضمان قتل الجراثيم.
وينبغي قبل اعادة التعبئة ان تترك القارورة لوقت كاف حتى تجف تماما.
ويشكل تعقيم القارورة تحديا خصوصا في ظل صعوبة الوصول الى داخلها بسبب ضيق عنقها، وهو ما يتطلب معدات خاصة ضمن منظومة خطوط تعقيم الية تفتقر اليها معظم محلات بيع المياه المفلترة في الاردن.
وفي الشركات الكبرى المختصة بتعبئة المياه المفلترة والمعدنية فان خطوط التعقيم تتكون من 17 مرحلة على الاقل.
كما ان هذه الشركات تعتمد عمرا زمنيا للقارورة محددا بما بين 30 و35 عملية اعادة تعبئة، يصار بعدها الى اخراج القارورة من الخدمة وارسالها الى مصانع اعادة التدوير.
ويعود سبب تحديد عدد مرات استخدام القارورة الى مخاوف من بدء تسرب المواد الكيماوية الخطرة منها الى الماء نتيجة طول امد الاستخدام او تعرضها الى خدوش واضرار في هيكلها تتيح تسرب هذه المواد.
وتصنع القوارير المخصصة لعمليات اعادة تعبئة المياه من بلاستيك نوع (PET) الذي يعد امنا بدرجة كبيرة في حال لم تتعرض القوارير الى اضرار واضحة في قوامها.
وقد حددت ادارة الغذاء والدواء الاميركية المرات الامنة لاعادة تعبئتها بمئة مرة، وذلك توخيا للحذر من الاثار الصحية المحتملة نتيجة طول امد استخدامها.
على انه لا يوجد في الاردن تعليمات تحدد مدة استخدام القوارير كما تؤكد سناء قموة عماري استاذة صحة وسلامة الغذاء والدواء، ورئيسة اللجنة الصحية في الجمعية الوطنية لحماية المستهلك.
وقد اعتبرت عماري ذلك ثغرة يجب تلافيها عبر وضع تعليمات تحدد صلاحية هذه القوارير بما لا يتعدى العام.
واكدت الخبيرة الصحية ان "سوء النقل والتخزين وتعرض القارورة لاشعة الشمس او للتجريح اضافة الى عمليات الغسل المتكررة وبطرق غير صحيحة، يغير قوامها ويتسبب في تسرب المواد الداخلة في صناعتها الى الماء".
واشارت عماري الى ان "هذه المواد لها اخطار صحية كبيرة على الانسان في حال تراكمها في جسمه، ومن هذه الاخطار المحتملة الاصابة بانواع من الاختلالات الهرمونية وكذلك السرطان".
ودعت عماري المستهلك الى "عدم قبول اية قارورة تظهر عليها علامات خدوش او كشوط وتجريح".
عملية مكلفة
من جانبه يقر علاء سيف نائب نقيب أصحاب محطات تعبئة وتحليه مياه الشرب، بان معظم المحلات ليس بها خطوط تعقيم، ولكنه يؤكد في الوقت نفسه ان طريقة غسل القارورة في هذه المحلات كفيلة بتعقيمها، خاصة وان الماء المستخدم في الغسيل هو ماء مفلتر ونقي.
وبرر سيف عدم وجود خطوط تعقيم في المحلات بارتفاع كلفة مثل هذه الخطوط.
وقال ان "تركيبها سيترتب عليه زيادة سعر المياه المفلترة على المستهلك، وهو ما سينعكس سلبا على مبيعات المحلات" التي تعاني اصلا من تراجع اقبال المواطنين الذين يتزايد توجههم الى اقتناء اجهزة فلترة منزلية.
واكد سيف ان القوارير المتداولة حاليا "سليمة"، وان "التي تظهر عليها علامات اصفرار او تغير لون وتجريح وانبعاج يتم وقف العمل بها من قبل المحلات حرصا على صحة المستهلك".
واشار الى ان المحلات "تتحمل خسائر كبيرة بسبب القوارير المعطوبة التي تضطر الى شراء بديل لها بعد اخراجها من التداول في السوق".
واعتبر سيف انه لا يوجد عمر افتراضي محدد للقارورة، وان ما يحكم على صلاحيتها هو احتفاظها بشكلها الاصلي وعدم تغير لونها وقوامها.
واذا كان الحكم المبدئي بواسطة النظر على قارورة ما امرا سهلا في ما يتعلق بالقوارير الزرقاء الشفافة، الا ان الامر يغدو صعبا جدا مع القوارير والجالونات البيضاء غير الشفافة التي يجري تداولها، وان بنسبة اقل من الزرقاء.
وقال سيف ان استمرار استخدام القارورة لسنوات يعود الى صعوبة تغييرها بسبب ثمنها المرتفع من المصنع.
واقترح ان "تقوم الحكومة باعفاء عبوات الماء وبخاصة القوارير من الرسوم والضرائب، بحيث تنخفض اثمانها ويصبح امر استبدالها كل عام او عامين امرا اقل كلفة".
تعليمات جديدة
وعلى صعيده، اوضح المهندس صلاح الحياري مدير مديرية صحة البيئة في وزارة الصحة، ان القانون ينص على جملة من الاشتراطات الوقائية لدى تصنيع أو إستعمال القوارير.
وقال ان اهم الاشتراطات ان لا يستعمل في تصنيعها سوى المواد البكر (بلاستيك غير مدور)، وان تكون ذات صنف غذائي، وان تعتمد طرق سليمة في تخزينها وحفظها مثل عدم تعريضها لاشعة الشمس المباشرة والرطوبة.
واشار الحياري الى ان "الاثار الصحية المحتملة لهذه القوارير تظهر نتيجة سوء ظروف التخزين والإستعمال".
واوضح ان هذه الآثار تتمثل باحتمالية ظهور تغير في الطعم او الرائحة او لون المياه، او نمو الطحالب والفطريات ولا سيما إذا تعرض سطح القارورة إلى تشوهات ونتوءات وكذلك إذا تعرضت للحرارة مثل أشعة الشمس المباشرة.
وقال الحياري ان "هناك بعض الدراسات غير المثبتة التي اشارت الى احتمالية وجود بعض المواد المسرطنة نتيجة سوء الإستعمال ولفترات طويلة جدًا".
ولفت في السياق الى ان "بعض الشركات المستخدمة للقوارير تقوم من تلقاء نفسها بتحديد عدد مرات الإستعمال واستبدالها بشكل مستمر عند ملاحظة اختلاف لون القوارير".
ولا تنص الشروط الصحية الحالية و الصادرة بموجب قانون الحرف والصناعات على مدة صلاحية للقوارير.
الا ان المسؤول في وزارة الصحة اكد انه "سيتم دراسة واخذ هذا الأمر بعين الإعتبار في التعديلات القادمة على الشروط الصحية لهذه العبوات، والتي هي قيد الإجراء".