غزة: "مكب نفايات اليرموك".. مكرهه صحية تحارب مظاهر الحياة
غزة/ مضمون جديد- محمود صابر: يشتكي مواطنون يقيمون في حي ملعب اليرموك، وسط مدينة غزة، من الآثار البيئية الخطيرة التي تهدد حياتهم وأطفالهم، بسبب وجود مكب نفايات بلدية غزة وسط الحي، الأمر الذي جعلهم يقدمون عشرات الشكاوي منذ إقامته دون أي تحرك جدي من قبل البلدية لإزالته. ويعد مكب نفايات اليرموك، أكبر مكب للنفايات في مدينة غزة، وتستخدمه الشاحنات الخاصة لتفريغ حمولتها من النفايات، تمهيداً لنقلها مرة أخرى إلى مكب جحر الديك على أطراف المدينة. ويقع المكب في منطقة تزدهر بالحياة السكانية بوجود عدد من المؤسسات الحيوية في قطاع غزة، منها مديرية التربية والتعليم والمجلس الأعلى للقضاء، وملعب اليرموك، وسوق اليرموك الشعبي، بالإضافة إلى متنزه البلدية. ويرجع وجود مكب اليرموك للنفايات إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان يوجد مكب للنفايات شرق مدينة غزة، إلا أنه مع بدء الانتفاضة الأولى عام 1987؛ تم إغلاق المنطقة من قبل قوات الاحتلال، والاتفاق على مكان جديد بالقرب من ملعب اليرموك. ويبلغ إجمالي وزن النفايات التي تخرج من قطاع غزة يوميًا نحو 600 طن، وهذه الكمية تزداد باستمرار. مواطنون يشتكون ويتعرض المواطنون لأشكال عديدة من التلوث نتيجة وجود هذا المكب، فبالإضافة إلى الرائحة الكريهة التي تنبعث من المكان بشكل مستمر، تعاني المنطقة من تلوث الهواء والتربة بشكل يحيل دون تمكين المواطنين من زرع أي نوع من أنواع الأشجار والمزروعات. المواطن خليل محيسن، يسكن بالقرب من منطقة اليرموك عبر عن استيائه الشديد من عدم إزالة البلدية هذا المكب حتى الآن وسط وعودات مستمرة بإزالته في أقرب وقت ممكن، وقال: "هذه الوعود لا تنفذ بل نجد أن البلدية تكرس وجود هذا المكب بشكل أكبر مع مرور الوقت". وأوضح أن الرائحة الكريهة المنبعثة من المكان أدت إلى تلويث الهواء وجعل المواطنين يغلقون منافذ منازلهم على مدار الساعة، كما أن وجود هذا المكب يفشل زراعة النباتات المنزلية بسبب التلوث الحاصل في التربة نتيجة امتصاصها للسائل المنبعث من هذه النفايات. وأضاف: "هذا المكب يقع في منطقة حيوية في مدينة غزة، ويقابله المحاكم وبجواره مديرية التربية والتعليم، كذلك يقع متنزه البلدية بالقرب منه"، لافتاً إلى أن انتشار الرائحة الكريهة عمل على انتشار البعوض القارص الذي يزيد وجوده في المنطقة مع قدوم فصل الصيف. وتابع: "الوضع هنا لا يطاق ولا يحتمل، والعديد هنا هاجر من المنطقة وآخرين يفكرون بذلك وأنا واحد منهم، لأن الخطر ليس فقط على البيئة والتربة والهواء بل على الإنسان والحيوان أيضاً"، مشيراً إلى أن وجود هذا المكب جعله مأوى للحشرات والحيوانات الضالة". ونبه إلى أن وجود هذا المكب، يدفع بعض المواطنين لحرقه بصورة مستمرة، ما يسبب في تعاظم الكارثة البيئية التي تهدد حياة الآخرين. أما المواطن أيوب أبو كرش، وهو مالك عقار مكون من 4 طوابق في المنطقة، قال: "إن المواطنين لا يرغبون في شراء أي عقار في هذه المنطقة رغم حيويتها وموقعها الذي يقع في منتصف مدينة غزة، بسبب وجود هذا المكب". وأوضح أنه لجئ لبيع الشقة الواحدة في عقاره بأرخص من السعر الطبيعي بكثير نظراً لوجود هذا المكب، الأمر الذي كبده خسائر كبيرة، مشيراً إلى أن البلدية لا تأبه لمعاناة المواطنين هنا ولا تهتم لتوفير الراحة لهم. وأشار إلى أن انتشار الروائح الكريهة يزيد من الحالة الصحية والنفسية السيئة لديه وأسرته، مناشدًا بلدية غزة بإزالة المكب ونقله لمكان آخر واستثمار المنطقة في أحد المشاريع الاستثمارية، نظراً لموقعه المتميز. وأضاف: "أي شخص يمر من هنا لن يستطيع تحمل الرائحة، وسيقوم بإغلاق أنفه، فما بالكم بمن يقيم في المنطقة ويسكن فيها!"، لافتاً إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الرائحة إنما في المشاكل الصحية التي تتسبب بها الروائح لسكان المنطقة. وبيّن أن هذا المكب يقتل الحياة الاقتصادية في المنطقة التي تعد حيوية للغاية نظراً لموقعها، وتابع: "معظم المحلات التجارية هنا اقفلت نهائياً وانتقلت إلى أماكن أخرى (..) الحياة الاقتصادية باتت معدومة بسبب وجود هذا المكب". ويطل مكب النفايات أيضاً على المجلس الأعلى للقضاء، الذي يضطر جميع العاملين فيه لإغلاق النوافذ بشكل مستمر والاعتماد على زجاجات العطر الخاصة بالغرف لتحاشي استنشاق الروائح الكريهة. وأوضحت فايزة الشيخ خليل، أنها وزميلاتها يضطرون لتشغيل المكيفات في أغلب الأحيان لتفادي الروائح المنبعثة، مؤكدةً أن الحل الوحيد يكمن في إزالة هذا المكب من المنطقة خاصة وأنه في منطقة محاطة بالمؤسسات من جميع الأماكن. وقالت: "بعض العاملين توجه لديوان الموظفين العام وطلب منه أن ينتقل للعمل في مؤسسة أخرى نظراً لعدم تحمل الوضع، ورغم كافة المناشدات الموجهة من قبل المجلس للبلدية لإزالة هذا المكب إلا أنهم لا يصغون إلينا". وأضافت: "في العام الماضي قامت البلدية بحفر حفرة عميقة داخل المكب لتتسع لأكبر كمية ممكنة من النفايات، كما اكتفت فقط بوضع سياج حول محطة التجميع دون إيجاد حل جذري لهذه المشكلة". آثار خطيرة وفي ذات السياق، أكد الخبير البيئي محسن حميد، أن وجود مكب اليرموك للنفايات، له آثار بيئية خطيرة، خاصة وأنه يقع في منطقة سكنية وحيوية وسط مدينة غزة. وأوضح حميد لـ"مضمون جديد" أن هذا المكب يؤدي إلى تلوث خطير للبيئة والتربة والهواء، من خلال انبعاث الروائح الكريهة التي تعدم الحياة بالنسبة للنباتات، كما أنها تمثل مصدر تهديد للإنسان وتسبب الأمراض التنفسية والصدرية. كما لفت النظر إلى أن هذا المكب يدفع مواطنين لحرق النفايات الموجودة فيه للتخلص منها، ما يزيد من المخاطر البيئية التي تهدد المواطنين لتصل إلى حد الإصابة بمرض السرطان، مشدداً على ضرورة مكافحة هذه الظاهرة. وقال: "إن الدخان الناتج عن حرق النفايات الصلبة له آثار سلبية على الجهاز التنفسي والعصبي والبصري للإنسان، وقد تؤثر هذه الغازات على القدرة الإنجابية للإنسان، وولادة أجنة مشوهة، وزيادة نسب السرطانات المختلفة، فضلاً عن التأثيرات الخطيرة التي تؤدي إلى زيادة نسب تلوث الهواء و التربة و المياه الجوفية". وحذر من أن الوضع البيئي والصحي السيئ الذي يعاني منه سكان قطاع غزة، وانتشار ظاهرة وجود مكبات النفايات وسط المناطق السكانية، ينذر بالتسبب بتردي الأوضاع الصحية والبيئية، ما يضاف لسلسلة الأوضاع اللاانسانية التي يعيشها سكان القطاع". كما حذر من التسبب بكوارث بيئية وصحية خلال الفترة المستقبلية القليلة القادمة جراء انتهاء العمر الزمني الافتراضي للمكبات الرئيسة الثلاث في القطاع وامتلائها بأكثر من الحد الأقصى، الأمر الذي يخلف عواقب خطيرة على مكونات البيئة الأساسية المياه والتربة والهواء، فضلاً عن تعريض الصحة العامة للمواطنين لمخاطر حقيقية، حيث تعرضهم للإصابة بأمراض الجهاز الصدري والتنفسي والسرطانات وتؤثر على القدرة الإنجابية لديهم". الحصار السبب الرئيس من جهته، أكد مدير عام الإدارة العامة للصحة والبيئة في بلدية غزة، د. عبد الرحيم أبو القمبز، أن الحصار الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة، يعد سبباً رئيسياً في عدم تمكن بلديته بإزالة هذا المكب، وقال: "نحن بحاجة إلى شاحنات لنقل النفايات لكنها غير متوفرة حتى الآن". أوضح أبو القمبز لـ"مضمون جديد" أن نقص الشاحنات يعيق عملية ترحيل النفايات بشكل مستمر وفي ذات اليوم، ما يسبب بقاءها في المكب لأيام دون تمكن البلدية من ترحيلها، مضيفاً: "نسعى جاهدين من أجل إدخال الشاحنات المطلوبة إلى غزة من خلال التواصل مع الجهات المختلفة، وعند إدخالها سيتم الجمع والترحيل إلى مكب النفايات في منطقة جحر الديك مباشرةً". وبيّن أن الأعطال المستمرة التي تعاني منها آليات وشاحنات نقل النفايات الصلبة جراء انتهاء عمرها الزمني الافتراضي، وعدم القدرة على إعادة صيانتها أو شراء بدائل لها من قبل البلديات العاملة في القطاع، تعد سبباً آخراً لتأخر ترحيل هذه النفايات إلى الأماكن المخصصة بها. ولفت النظر إلى أن البلدية وصلها شكاوي عديدة بخصوص هذا الأمر بالفعل، ولكن لا تستطيع عمل شيء سوى محاولة التقليل من مشاكل التلوث الحاصل وانبعاث الروائح الكريهة من المكب من خلال ترحيل الكميات التي تصل منه في ذات اليوم إلى المكب الرئيسي الموجود في منطقة جحر الديك شرق غزة. وأشار إلى أن بلدية غزة نفذت خلال السنوات الماضية مشروعًا للحد من أضرار مكب اليرموك بإنشاء محطة لترحيل النفايات، الأمر الذي عمل على التخلص من النفايات الموجودة بالمكب بنسبة 90%، إلا أنه سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه بسبب انتهاء المشروع. وبيّن أن بلديته لا تزال تعتمد في نقل النفايات على عربات الكارو، مشدداً على أنها بحاجة ماسة لمحطة لتجميع وإعادة ترحيل النفايات إلى المكب الرئيسي. ومن جانب آخر، أكد أبو القمبز أن بلديته تعاقب وتغرم أي مواطن يقوم بحرق النفايات في المنطقة، محذراً من خطورة هذا الفعل على المواطنين والبيئة والهواء والتربة.
إستمع الآن