تل المنطار: المستثمرون يبحثون عن مشروعات أكثر استقراراً وربحا
قطاع غزة – محمود أبو الهنود - مضمون جديد
بحر غزة، ورمالها، وأبراجها السكنية الشاهقة التي تعلو سماء المدينة، تبدو لمن يصعد فوق "تلة المنطار" شرقي حي الشجاعية كأنها مبسوطة بين كفي يديه.
سحر مكان حاول أبو أحمد 44 عام أحد سكان المنطقة – كما يقول – فهمه أو حتى وصفه في كل مرة يجلس فيها فوق التلة.
ابو أحمد لا يعلم أن كثيرين ممن سبقوه عشقوا ذات المقعد الذي جلس عليه، وعجزوا مثله عن تحديد وصف يشفي لتلة تختصر حاضر وتاريخ غزة العريق .
تحت ظل شجرة "جميز" ترقد منذ مئات السنيين على قمة التلة يجد أبو أحمد فرصته للهروب من زحمة المدينة التي يقطنها أكثر من نصف مليون مواطن.
هو يشرح لـ "مضمون جديد" كيف أن المكان رغم أهميته الاستراتيجية والتاريخية، أصبح اليوم مهملاً تتهدده أخطار عديدة من بينها مياه الامطار التي باتت تجرف معها خلال الاعوام الاخيرة أجزاء من الطرق الطينية المؤدية للتلة بفعل عدم تأهيلها وتعبيدها، اضافة الى عزوف المستثمرين عن إنشاء المشاريع السياحية والترفيهية واستغلال الارث الثقافي والحضاري لتلك التلة التي كانت على مدار التاريخ بمثابة القلعة التي تصون غزة وتحميها من أي أخطار خارجية قد تحدق بها.
إمام مسجد المنطار المقام فوق التلة الحاج خليل حرارة له كلمة في ذلك، يقول: إن هناك خطر حقيقي يتهدد الطرق المؤدية للتلة والتي أصبحت تشهد في أجزاء منها تعرية جراء مياه الامطار، داعياً الى ضرورة تحسين البنية التحتية، بما يضمن الحفاظ على التلة.
وأشار حرارة الى الاهمية الكبيرة التي يحتلها المنطار ، باعتباره ارثاً ثقافياً وتاريخياً لمدينة غزة هاشم يستوجب اهتماماً أكبر والعمل على النهوض بالموقع سياحياً واقتصادياً، معبراً عن انزعاجه من الاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال الاسرائيلي بين الحين والآخر بحق التلة والمسجد المقام فوقها والذي يضم بجانبه قبر يعتقد أن ولياً يدعى على المنطار دفن به ، مشيراً إلى أن التلة كانت على مدار التاريخ تغيظ الاعداء وتقهر جبروتهم.
المؤرخ الفلسطيني سليم المبيّض يصف تلة المنطار في دراسة تاريخية له، فيقول: إنها عبارة أراضٍ سهلية منخفضة تبدو كواد قديم قد هجرته المياه، وتتميز بخصوبتها وكثرة بساتينها، مشيراً إلى أنها ترتفع بنحو تسعين مترا فوق مستوى سطح البحر، وهي تحتل بذلك المرتبة الأولى من حيث الارتفاع على سلسلة التلال التي تحف القطاع من جهة الشرق ممتدة من شماله حتى اقصى جنوبه.
ويبدو التل منتصباً وسط أراضي سهلية شاسعة يشرف عليها، جعلته اشبه بظاهرة المونادنوك Monadnoc،
حيث كانت تلك الأراضي في الماضي بمثابة "سلة الخبز " لمدينة غزة خاصة، وللقبائل العربية القاطنة إلى الشرق منه.
نابليون بونابرت
واكتسبت التلة أهمية تاريخية على مر العصور، فقد عسكر عليها جنود نابليون بونابرت، الذي الحقت قواته آنذاك هزائم فادحة بجنود الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، كما تحصن بها الجنود الاتراك والمصريين وقوات من جيش التحرير الفلسطيني حيث سقط عدد كبير من الشهداء فوق التلة، كما استفاد منها العرب المسلمون أيام الفتح الإسلامي فاستعملوه كموقع لـ "النطرة"، فاذا ما تعرضت المدينة للغزو أشعلوا فوق هذا التل النيران ليلاً، أو الدخان نهاراً ليبلغ سكان المدينة بسرعة عن العدو القادم.
وتؤكد بعض الروايات أن هذا السبب يعود الى تسميته "بالمنطار"، وينتشر هذا الاسم في معظم المدن الفلسطينية، وكذلك الأردنية على المواقع المرتفعة أو الجبال التي تشرف على المدن أو القرى.
ويحيط بقطاع غزة عدة تلال من أهمها تل "ام عامر". ويقع إلى الجنوب من معسكر النصيرات، بالاضافة الى تل المنطار ورفح و الرقيش و تل العجول، الذي يقع جنوب مدينة غزة على الضفة الشمالية لوادي غزة، وهو من أهم المواقع الأثرية في القطاع وكانت تقوم عليه مدينة بيت جلايم الكنعانية.
وبحسب دراسات تاريخية فإن المكان يعتقد أنه موقع مدينة غزة القديمة التي أنشأت على هذا التل في حوالي سنة 2000 ق.م.
وأهم المكتشفات سور عرضه2.5 وارتفاع 50 قدماً، و تم العثور في موقع تل العجول على نفق بطول 500قدم، وخمسة قصور ضخمة قام بعضها فوق بعض، وتؤكد الدراسات أن أقدم هذه القصور يعود إلى 3000 ق.م. وجد فيه غرفة حمام رحبة وقصر واحد يعود إلى زمن الأسرة المصرية الثامنة عشر 1580-1350 ق.م، حيث تعود بقية القصور إلى زمن الأسر السادسة عشر والخامسة عشر والثانية عشر.
يقول د. عبد القادر حماد الاستاذ المساعد في جامعة الاقصى وباحث في الشئون السياحية لـ "مضمون جديد" إن منطقة " تل المنطار متعطشة لمشروعات سياحية يمكنها النهوض بموقع التلة، موضحاً أهمية استغلالها سياحياً من خلال خطة مدروسة ومعدة مسبقاً.
وتوقع حماد نجاح أي مشروعات استثمارية في المنطقة، مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار أن تل المنطار يشكل امتداد تاريخي وسياحي لباقي المعالم السياحية في مدينة غزة، بحيث لا يمكن الحديث بشكل منفصل عن باقي المواقع السياحية الاخرى,.
واضاف أن ذهاب معظم المشروعات الاستثمارية لاستغلال المناطق الساحلية الغربية من مدينة غزة أثر ذلك على محدودية الفرص الاستثمارية الموجهة للمناطق الشرقية للمدينة وجعلها بحاجة ماسة لعدد كبير من المشاريع.
وأوضح د. نهاد الشيخ خليل رئيس قسم التاريخ والآثار بالجامعة الاسلامية بغزة أن أهمية تل المنطار نشأت من الاحداث التاريخية التي مرت عليه، التي دفعت السكان الغزيين أن يطلقوا عليه اسم "جبل" تعظيماً له، مشيراً إلى أن المنطار كان مركزاً للثورة قبل العام 1948م وبعد ذلك التاريخ.
وتميز التل بتلك المواسم الدينية التي كانت تشهد زحفاً بشرياً رهيباً بحيث كان يهدف صلاح الدين الايوبي من وراء اطلاقها الى ابقاء الناس في حالة استعداد وتأهب لمواجهة خطر الجيوش الصليبية. ودعا الشيخ خليل وزارة السياحة بغزة الى تحويل "التل" الى معلماً سياحياً وإنشاء متحف يضم آثار المنطقة ، مضيفاً إلى أن هناك شواهد على وجود بعض الاثار والمغارات القديمة.
وأكد على أهمية توفير الدعم والميزانيات الكافية التي تساعد الباحثين على اعداد الدراسات والبحوث للتعريف بتاريخ هذا التل ومكانته الثقافية والحضارية.
وقال علي الحايك رئيس جمعية رجال الاعمال بغزة إن منطقة تلة المنطار تستحق اهتمام المستثمرين لما تحتله من مكانة تاريخية وأثرية قديمة، مشيراً الى أن المشاريع الاستثمارية في القطاع السياحي في مدينة غزة تذهب معظمها الى استغلال منطقة البحر غربا، بينما يوجد اهتمام أقل بالمنطقة الشرقية وهو ما يتطلب اهتمام حكومي اكبر نحو تشجيع رجال الاعمال للاستثمار في تلك المنطقة، حيث أنها ملائمة للاستثمار، وما يزيد من فرص نجاح مشروعات استثمارية سياحية ما تتميز به التلة من ارتفاعها الكبير عن سطح البحر واطلالتها بشكل مباشر على المدينة.
وأوضح أنه لم يسبق أن كانت مبادرات للاستثمار في تلك المنطقة نتيجة عدة عوامل من بينها عدم وجود دراسات وتوعية سابقة من قبل الحكومات المتعاقبة نحو تشجيع المستثمرين لاستغلال التلة، اضافة الى تعرض المناطق الشرقية في مدينة غزة الى عمليات اجتياحات وتجريف مستمرة من قبل الاحتلال بحكم قربها من الحدود.
وقال مدير دائرة المتاحف بوزارة السياحة التابعة للحكومة المقالة بغزة أسعد عاشور لـ "مضمون جديد" إن أهمية منطقة تل المنطار جاءت من المكانة الكبيرة لها عبر التاريخ، فقد قام صلاح الدين الايوبي بعمل أول موسم شعبي في المنطقة حيث كان يطلق عليه "موسم خميس تل المنطار.
واضاف إن التل يتميز من حيث ارتفاعه على معظم التلال المحيطة في قطاع غزة، مشيراً الى أن وزارة السياحة والآثار ومنذ إنشاء السلطة الفلسطينية عملت على الحفاظ على المواقع الأثرية المتناثرة والمعروفة لحمايتها وترميمها بحيث تعبر عن تاريخ الشعب الفلسطيني، موضحاً أنه لم تكن هناك خطط سابقة للاستثمار في تلك المنطقة واستغلالها سياحيا ، وقد يكون ذلك بفعل قرب المنطقة من الحدود وتعرضها في بعض الاحيان لاعتداءات من قبل قوات الاحتلال المتمركزة فوق المكان ، داعياً للاستثمار في المنطقة واستغلالها سياحياً.
إستمع الآن