البطيخي: إسرائيل ضخت مياها لنهر اليرموك داكنة اللون ووزارة المياه لم تلتقط عينات منها للتحليل

الرابط المختصر

حاورته حنان الكسواني

عمان - لم يتردد أستاذ فيزياء التربة والري في الجامعة الأردنية البروفيسور أنور البطيخي في كشف تفاصيل "المهمة المستحيلة" التي كلفه بها مجلس النواب السابق وهدفها "معرفة نوعية المياه الملوثة بلونها الكحلي إلى نهر اليرموك". والتي قامت بضخها إسرائيل، قبل عدة شهور مضت،

وأعرب عن أسفه الشديد بفشل المهمة لـ"عدم قيام وزارة المياه والري بجمع عينات مخبرية من المياه الملوثة قبل وصولها لمنطقة معدي في الأغوار، ما أصبح من المستحيل على اللجنة إبداء أي رأي علمي حول نوعية هذه المياه ومكوناتها مؤكدا "أنها لم تتسرب إلى محطة تنقية مياه زي".

وحول زيادة كفاءة استعمال المياه في الأردن وغورها، اقترح الحائز على جائزة رجل العام للعلوم الزراعية من الجامعة الأردنية العام 2009 البروفيسور أنور البطيخي في حوار مع "الغد"، توجيه المزارعين نحو "إيقاف زراعة الحمضيات والموز والتوجه نحو زراعة الخضراوات داخل البيوت البلاستيكية حسب احتياجات الأردن فقط". وبالاستناد إلى عمليات حسابية اقتصادية لكلف المياه وأسعار المنتوجات الزراعية وجد البطيخي "أننا نصدر مياهنا بالمجان تقريبا للخارج وليس فقط مزروعاتنا".

واقترح البروفيسور البطيخي الحائز على وسام التميز في التعليم العام 2005 في خطوة لتحسين المستوى الأكاديمي في الجامعات الأردنية أن يكـــون الحد الأدنى لمعدلات القبول 80 % في الثانوية العامة، على أن يخضع" من يقبل بمعدل أدنى من هذا المعدل لمساقات تقوية أكاديمية وفق تخصصاتهم".

وكشف عن جهود الجمعية بالتنسيق مع الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي لمحاربة ظاهرة ما وصفها بـ "دكاكين" مراكز الخدمات الطلابية المنتشرة أمام مباني الجامعات الأردنية التي تسترزق على إعداد أبحاث لطلبة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، مطالبا بـ"تحويل المخالفين سواء من الطلبة أو بعض الهيئات التدريسية المغذية لهذه المشاريع إلى القضاء دون تردد".

واعتبر رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي والحائز على جائزة الخريج المميز من جامعة ايوا الحكومية لعام 2009، أن إبرز المعوقات للبحث العلمي في الأردن تكمن في افتقار الأردن إلى باحثين أكفياء فضلا عن ارتفاع العبء التدريسي على الأساتذة، وبيروقراطية الحصول على الدعم وشراء مستلزمات البحث العملي. محذرا "من هجرة الهيئات التدريسية الأردنية، في ظل توقعات هجرة وتقاعد ما يقارب (5) آلاف أستاذ بحلول العام "2015".

وفي حقيقة محزنة مؤلمة حول واقع البحث العلمي العربي، أكد البروفيسور البطيخي أن العالم العربي ينفق بليونا وسبعمائة مليون دولار سنويا تقريبا، بيد أن هذا الإنفاق يعادل إنفاق جامعة هارفارد الأميركية وحدها، وأن "إسرائيل تنفق سنوياً حوالي ستة بلايين دولار". وفيما يلي نص الحوار:

• وسط تكتم إعلامي ورسمي شديدين، لم يتم الكشف عن تفاصيل مياه ملوثة ضختها إسرائيل إلى محطة مياه زي الأردنية، هل تسرب منها إلى خزانات المياه في العاصمة عمان وضواحيها؟

- لم تتسرب كميات من المياه الملوثة إلى المنازل في عمان، وفي ظل استمرار محاولات إسرائيل بضخ مياه ملوثة إلى مياهنا فقد قامت قبل عدة شهور مضت، بضخ مياه لونها كحلي غامق من هضبة الجولان إلى نهر اليرموك، ونتيجة لتأخر وصول المعلومات إلينا حول هذه الكارثة المائية، ولم نلتقط عينات مخبرية، ويعود ذلك إلى عدم قيام وزارة المياه والري بجمع عينات مخبرية من المياه الملوثة قبل وصولها لمنطقة معدي بالأغوار، وبذا أصبح من المستحيل على اللجنة إبداء أي رأي علمي حول نوعية هذه المياه ومكوناتها، وفي الوقت ذاته لم تقم اللجنة المشتركة للطوارئ بتنفيذ مهمتها في التدخل السريع للتصدي لحماية حقوقنا المائية وصحة مواطنينا، وفي ظل استمرار غياب التنسيق مع الجهات الرسمية وبسبب التأخر في وصول المعلومات إلينا كباحثين وخبراء تضيع فرص حقيقية لإجراء بحوث ميدانية نوعية وبخاصة حول قضايا مشتركة مع دول الجوار.

• هل يمكن الاعتماد على مشروع الديسي وقناة البحرين لحل الأزمة المائية في الأردن وسط انقسام الآراء الأردنية والعالمية حول المشروعين والشراكة مع دول مجاورة بأحدهما؟ وما هي الحلول التي يمكن الالتفات إليها لخفض استهلاكنا من المياه؟

- إن الاعتماد الآن على مشروع الديسي الذي يؤمن نحو 100 - 130 مليون متر مكعب إضافية، وهناك دراسات يتم إعدادها لبحث جدوى نقل مياه البحر الأحمر – البحر الميت، لتزويد الأردن بنحو 570 مليون متر مكعب مياه عذبة و250 فيما بين فلسطين وإسرائيل، وناقل آخر لنقل مياه مالحة من البحر الأحمر إلى البحر الميت بنحو 1000 مليون متر مكعب وهذه الكميات غير نهائية يتم التفاوض عليها باستمرار ولم تثبت بعد.

إن الوضع المائي لدينا في الأردن صعب جدا، ما يتطلب مسؤولية مشتركة من الجميع، من دون أن نعول كثيرا على المشاريع المائية وبخاصة التي ما تزال ضمن دراسات جدوى اقتصادية، مثل قناة البحرين، فعلى المستهلك أن يساهم أيضا في حل هذه المشكلة من خلال تخفيض استهلاكه للمياه وتقليل فاقد الشبكات، أما المزارع وبخاصة في وادي الأردن فلا بد من توجيهه نحو ترشيد استعمال الزراعة المكشوفة إذا ما عرفنا أننا في الأردن رابع أفقر دولة في المياه على مستوى العالم، وخط الفقر عادة في المياه 1000 متر مكعب للفرد سنويا، فيما حصة الفرد في الأردن سنويا 140 مترا مكعبا.

كما أن مستقبل الزراعة في الأردن يثير مخاوف، ولا شك أن هناك طرقا كثيرة للتخفيف من استهلاك المياه وإنجاح الزراعة في الأردن، ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال زيادة كفاءة استعمال المياه بحيث نخفف من زراعة البندورة والخيار والبطيخ ونمنع تصدير الخضار للخارج وإيقاف زراعة الموز والحمضيات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وعمليا نحن نصدر المياه للخارج باسم الخضار، فكلفة المياه بالمتر المربع على المزارع 12 فلسا، وعلى الأردن كلفته دينار واحد، وبدلا من أن ننتج بندورة وخيارا أو بطيخا، يمكننا زراعة بذور أو أزهار أو فراولة لتصديرها للخارج، فكيلو البذور يبلغ سعر بيعه 30 ألف دينار، ومتر المياه في الزهور والورد يمنح المزارع نحو 450 دينارا.

فكلفة متر المياه على المواطن الأردني في المنزل دينار واحد، لماذا نحسب متر المياه للمزارع بـ12 فلسا، لنصدر بذلك مياهنا إلى الخارج مقابل أن يستفيد عدد من التجار أو (الكمسيونجية) فالدولة هي التي تخسر بهذه العملية اقتصاديا، وعمليا بدلا من أن نصدر الخضار نصدر المياه ونحن أحوج ما نكون إليها.

• بالعودة إلى البعد التكنولوجي وأهميته في التنمية الشاملة لبلداننا، ذكرت أن من أكبر الدلائل على نجاح إسرائيل في مجال التكنولوجيا العسكرية توطيدها للعلاقات الخارجية، وإننا كعرب سنبقى مستعمرين علميا إذا لم نطور وننمي أنفسنا؟

- سنبقى دولا متأخرة طالما بقينا معتمدين على الدول الأخرى المتقدمة علميا وما لم نصنع التكنولوجيا، بالفعل سنبقى مستعمرين علميا نلهث للحصول على احتياجاتنا البسيطة، اذا لم ننمِ ونطوّر أنفسنا، وأقول إنه آن الأوان لأن نركز على التنمية العلمية والاقتصادية والثفافية العسكرية ولن يحصل ذلك إلا إذا فهمنا دور وأهمية البحث العلمي وانعكاساته الايجابية، فمن أكبر الدلائل على نجاح إسرائيل في مجال التكنولوجيا العسكرية توطيدها للعلاقات الخارجية مثال ذلك الصين، وذلك من خلال مخرجات التقدم العلمي الذي حققه للثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة في السنوات العشرين الأخيرة. والتي ركزت على تطوير وتصنيع ونقل التقنية الجديدة للطائرات المقاتلة والغواصات بخبرة إسرائيلية والتعاون في تصنيع الصواريخ البالستية ونقل الخبرة الإسرائيلية في تطوير منظومات التسلح ذات التقنية المتقدمة خاصة لاستخدامات الليزر والذخائر الذكية.

إن هذا التطور في العلاقات بين إسرائيل والصين في ظل غياب أي قدرة تنافسية عربية سيشكل خطرا على الوضع الراهن للدول المجاورة بخاصة وللوطن العربي بشكل عام.

• إذا كيف تشخص واقع الوطن العربي في عصر المعلومات والتكنولوجيا؟ وما هي مظاهر الفقر المعلوماتي في بلداننا؟

- لا مجال للمقارنة بين ما حققه العرب ودول العالم المتقدمة، إن إسرائيل لوحدها تتفوق على الدول العربية مجتمعة في معظم المجالات المعلوماتية سواء بالنسبة للأجهزة أو الاتصالات أو البرمجيات، إن الضعف الواضح في الاستخدام العربي للمعلومات والذي يمثل أقل من 5 % من الاستخدام العالمي مقارنة بـ 95 % من الاستخدام العالمي الذي يتم خارج الدول العربية يعد ذلك من أهم مظاهر الفقر المعلوماتي، رغم التساوي النسبي لعدد السكان في دول الوطن العربي مجتمعة مع الولايات المتحدة الأميركية إلا أن الفرق بين مستخدمي الانترنت كبير جدا، إذ يقدر بحوالي 30 مليونا أي ما يساوي 120 ضعف عدد المستخدمين العرب، بالإضافة إلى أن مستخدمي الإنترنت هناك يقضون عددا من الساعات أمام الشبكة أكبر بكثير مما يقضي المستخدمون العرب.

وهناك مظهر آخر يتمثل في أن نسبة العلماء العاكفين على تطوير التكنولوجيا الإنتاجية في اليابان وأميركا تزيد عشرات الأضعاف عن دول الشرق المتوسط، يضاف إلى كل هذا التخلف الواضح في البنية التحتية للمعلومات وهي العمود الفقري الذي يمكن الاستفادة من التطبيقات المتعددة والواسعة لثورة الاتصالات ومنها خطوط الهاتف والكابلات التلفزيونية والأقمار الصناعية والألياف الضوئية وأجهزة الكمبيوتر وملحقاتها الاتصالية كلها.

• هل ترى أن عملية دعم البحث العلمي في الأردن "متواضعة" إذا ما قورنت بباقي دول العالم، ولكنها تبقى في مستوى جيد بالمقارنة مع الدول النامية، ما تعليقك؟

-تخشى الجهات المسؤولة عن صرف مخصصات البحث العلمي في الأردن إنفاق مبالغ كبيرة، فيدققون على أمور بسيطة في عمليات الصرف، وبطريقة بيروقراطية تقليدية لإجراءات المنح وبشق الأنفس يتم توفير طلباتهم، حقيقة يشعر الباحث أنه غير مؤتمن على أموال الجامعة أو صندوق البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي، هذا الوضع يؤدي إلى إحباط لديه، بحيث يعزف عن تقديم طلبات بحثية فيقتل عند الباحث النشاط والحماس نحو الإبداع علما بأنه ليس متفرغا لهذا العمل بسبب الأعباء التدريسية.

فالعبء التدريسي عندنا في الجامعات الأردنية قد يصل لدى بعض الهيئات التدريسية إلى 18 - 21 ساعة، بالمقابل فإن الجامعات البحثية العريقة تسمح للأكاديمي بأن يدرس3 - 6 ساعات، لتمكنه من التفرغ للأبحاث والإبداع، ومع تفهمي للوضع المالي للجامعات الأردنية التي لن يسمح بتعيين أعداد كبيرة من الهيئات التدريسية لسد النقص في عدد من التخصصات وبخاصة العلمية إلا أن هناك طرقا لتغذية مشاريع البحوث العلمية، منها استقطاب تبرعات من جهات داعمة.

بحسب تجربتي كعميد سابق للبحث العلمي بالجامعة الأردنية 94-1997 في هذا المجال، فإنني رفعت مخصصات الإنفاق على البحوث العلمية من 65 ألفا إلى 650 ألفا، أي بمعدل 10 أضعاف ما كان عليه بعدما أقنعت إدارة الجامعة بأهمية ذلك.

• توليت عدة مناصب منها عميد البحث العلمي في الجامعة الأردنية هل تحتاج عملية تقييم البحوث العلمية أكثر من سنة؟ وما هي أسباب معوقات البحث العلمي في المملكة برأيك؟

- إن الأردن بحاجة ماسة إلى استراتيجية خاصة للبحث العلمي تركز على أهمية تكليف علماء وباحثين بإجراء أبحاث علمية نوعية تعنى بمواضيع تحل مشاكل الأردن التنموية، وبخاصة في مجالات الطاقة والطب والمياه والزراعة والبيئة، فعلى صندوق البحث العلمي والجامعات وأعضاء هيئة التدريس أن يعوا أوليات البحث العلمي من دون الاعتماد على المواضيع التي يقدمها الباحثون فقط، وقد بدأوا بتنفيذ هذه الفكرة. إن الروتين المتبع في بعض المؤسسات عقيم جدا، إذ يسمح للإدارة بأن تأخذ فترة طويلة للموافقة على البحث مما يؤدي إلى إحباط الباحثين، ومن خلال تجربتي الخاصة لا يوجد أي مانع من البت بأهلية البحث وتمويله خلال شهر أو شهرين كحد أقصى، غير أن ذلك يتطلب توفير البيئة البحثية المناسبة في الجامعات الأردنية والأماكن البحثية من أجل تمكين الأساتذة والباحثين من إجراء بحوثهم، لم أواجه مشكلة التمويل المالي والجميع يؤكد على مشكلة قلة التمويل لكن المشكلة هي إيجاد باحثين أكفياء بعدد كاف نظرا لتدني مستوى التعليم وضعف مستوى خريجي الدراسات العليا.

من أسباب معوقات البحث العلمي في الأردن بالرغم من احتلاله مراكز متقدمة بين الدول العربية في هذا المضمار ضعف ثقافة البحث، وضعف التنسيق بين مؤسسات البحث العلمي ومراكز البحوث المتخصصة، وقلة المشاركين في المؤتمرات العالمية وهجرة الباحثين إلى مجتمعات تتوفر فيها الحاجات الحياتية المناسبة لهم.

يبلغ مجموع إنفاق العالم العربي على البحث العلمي بليونا وسبعمائة مليون دولار سنويا تقريبا، إن هذا الإنفاق يعادل إنفاق جامعة هارفرد الأميركية وحدها، أما "إسرائيل فتنفق سنوياً على البحث العلمي حوالي ستة بلايين دولار".

فى خطوة جريئة، ومنذ ثلاثة أعوام تم إنشاء صندوق البحث العلمي عبر تخصيص 1 % من أرباح الشركات المساهمة العامة، كما تم الغاء هذا المورد في نهاية العام الماضي وتمت الاستعاضة بتغذية هذا الصندوق من خزينة الدولة لغايات البحث العلمي، ونلاحظ أن مخصصات البحث العلمي ازدادت من حوالي 0,34 % من الناتج المحلي الاجمالى الى 0,60 %، ولو نشطنا البحث في الأردن منذ سنين سابقة لما تكبدنا كل هذه الكلف مقابل شراء التكنولوجيا التي نعمل على استيرادها( الحواسيب وما واكبها من إنترنت وتكنولوجيا معلومات).

• كشفت دراسة قمت بإعدادها قبل عدة سنوات أن 17 % من حملة الدكتوراة في الجامعات الأردنية تركوا العمل الأكاديمي في ظل توقعاتك بأن تصل النسبة إلى 20 % ما هي مخاطر ارتفاع هذه الأرقام وانعكاساتها على التعليم الجامعي؟

- تشير التوقعات في ظل هجرة الهيئات الأكاديمية والتقاعد أن يصل حجم النقص العام 2015 إلى 5 آلاف أستاذ جامعي، وقد أشارت الدراسة التي أعددتها خلال الفترة الممتدة بين أيلول (سبتمبر) 2007 - 2008 إلى أن (776) أستاذا جامعيا من حملة الدكتوراة في الجامعات الأردنية الرسمية تركوا عملهم، هؤلاء الأساتذة يشكلون ما نسبته 17 بالمائة من العدد الإجمالي للأساتذة العاملين في الجامعات الرسمية خلال تلك الفترة، حيث بلغ عددهم 4911 أستاذا جميعهم يحملون شهادة الدكتوراه، وهذه النسبة مرشحه للارتفاع إلى 20 % في ظل استقطابهم من قبل جامعات عربية منها خليجية، فالسعودية لديها 38 جامعة فتحت أبوابها للأكاديميين الأردنيين، ويعزى ذلك لتدني الرواتب والظروف المعيشية والبحثية، فإذا أخذنا مستوى رواتب أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات في أعوام السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت الرواتب آنذاك تفوق معدلات رواتب الوزراء، بينما نرى أن الرواتب في زمننا الحالي لم تساير الزيادة في غلاء المعيشة وذلك طبقا للحاصل في رواتب الوزراء التي تضاعفت عدة مرات منذ أعوام السبعينيات والثمانينيات، لقد كانت الجامعات بالسابق تعي أهمية المحافظة على عضو الهيئة التدريسية لصعوبة وارتفاع كلفة الحصول على عضو هيئة التدريس المتميز وبالتالي وعت أهمية المحافظة على ارتفاع المستوى البحثي والمعيشي لتقديم عطاء مميز وعلم متجدد وذلك من خلال منح رواتب مميزة لهم.

ويلاحظ أن معظم الذين يغادرون الجامعات للعمل بالخارج وفي جامعات أخرى هم من الأساتذة المساعدين والمشاركين وهم في قمة عطائهم في البحث العلمي ومن الأولى الحفاظ عليهم للاستفادة من حماسهم وخبرتهم وعلمهم.

وإذا لم تلتفت الحكومة للحد من هجرة الهيئات التدريسية الأردنية، فان الوضع خطير جدا وستضطر الجامعات الأردنية إلى تعيين خريجيها وليس من خريجي الجامعات العالمية العريقة والمحترمة، بما يعرف بـ(التزاوج الداخلي). فلن يكون هناك ابتكارات وإبداعات بحثية تنبع من الاختلاط مع العالم الخارجي لنقلها للطلبة وبإمكاناتهم الفنية المتقدمة والفريق البحثي المتعاون. واقترح على الحكومة إيفاد مئات الطلبة الأوائل المتميزين الى جامعات عريقة للحصول على شهادة الدكتوراه واستلام مسؤولية التدريس والبحث العلمي، وبخاصة أن الهيئات الأكاديمية الذين قاموا بتأسيس الجامعات الأردنية الرسمية ويقدر عددهم بـ5000 سيحالون إلى التقاعد خلال السنوات الخمس المقبلة.

• هل الحل برأيك للارتقاء بالمستوى التعليمي الجامعي رفع معدلات القبول في الجامعات الأردنية؟

- تعد أهم التحديات التي تواجه الجامعات هي ازدياد أعداد الطلبة السنوية إذ تقدر حوالي بربع مليون طالب، فضلا عن الاستمرار بمنح تراخيص لإنشاء جامعات خاصة استثمارية مكنت الطلبة الحاصلين على 50 % من الانضمام الى تلك الجامعات. وبناء على هذه المعطيات اقترحت حلا لهذه المعضلة، أطالب أن يكون الحد الأدنى للقبول في الجامعات 80 %، ومن حصل في الثانوية العامة على معدلات دون ذلك، يتم إخضاعه إلى برامج تقوية، فعلى سبيل المثال يسجل طلبة الرياضيات مساقا رقمه 99 وكذلك طلبة الكيمياء والأحياء... الخ، ويتم إعداد الطلبة إعدادا قويا سواء في التخصصات الأدبية أو العلمية، فإذا اجتاز هذه المساقات المسبقة، يلتحق بتخصصه الذي قبل فيه، وإذا لم يستطع اتمام المقرر يتم تحويله إلى دبلوم أو بكالوريوس مهني وتقني (مهندس تطبيقي أو مساعد صيدلي او مهندس ميكانيكي أو سيارات أو الكترونيات) داخل الجامعة نفسها أو إحدى الكليات التقنية التابعة لها، وأعتقد أن الأردن بحاجة إلى هذه التخصصات المهنية والتقنية بدلا من استيراد العمالة الوافدة لسد النقص من هذه التخصصات.

وفيما يتعلق بتوفير بعثات خارجية دولية أميركية، بريطانية، أوروبية، تمنح للمتفوقين في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، ويوجد مجالات يمكن أن نوفر كلفة الايفاد إلى أميركا إلى الثلث. وقد نجحنا أن نقوم بذلك في الجامعة الهاشمية.

• ما هو تقييمك لتجربة الجمعية الأردنية للبحث العلمي مع وزارة التربية والتعليم في إطلاق جائزة سنوية للبحث العلمي لطلبة المرحلة الثانوية؟

- جاءت هذه الفكرة في العام 2007 عن جائزة سنوية تمنح لأفضل ثلاثة أبحاث علمية مكتبية يقوم بها طلبة المرحلة الثانوية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم بهدف إنعاش الحركة البحثية في المدارس. وصولا لإثراء الحركة البحثية في المدارس.

وتسعى الجمعية لتطوير "موقف وطني من البحث العلمي ووضع آلية منهجية له، وربطه بقضايا التنمية من خلال تنمية الوعي الاجتماعي بأهمية البحث العلمي وتعميم المعلومة والحقائق.

وتهدف الجمعية، إلى تعزيز الإمكانات البحثية للطلبة من خلال تدريب معلمين من كوادر وزارة التربية ليكون كل معلم مدربا للباحثين من طلبة المدارس. الجمعية الأردنية نجحت منذ تأسيسها العام 1999 في النهوض بمستوى البحث العلمي ودعم ورفع سوية الباحثين الأردنيين في جميع المجالات. وتمكنت الجمعية التي يزيد عمرها على عشرة أعوام في خلق شراكات بين القطاعين العام والخاص من خلال ورشات عمل واتفاقيات متعددة أسست لتعاون بحثي تنعكس فوائده ونتائجه الايجابية على الوطن والمواطن. إذ ركزت الجمعية التي من أهمها دعم برامج البحث العلمي في الأردن وتطوير آليات عملية لدعم البحث العلمي وربطه بقضايا التنمية والتواصل مع نتائج البحث العلمي والتطبيقي العربي والدولي وتعميق التواصل بين الفكر العلمي وبين صناع القرار من خلال الحوار والبحث ونشر المعلومة وعقد المؤتمرات والمحاضرات الشهرية في المركز، والأسبوعية في المدارس وادخال مفاهيم البحث العلمي على المناهج ونشاطات كثيرة أخرى.

• برأيك ما هي المتطلبات الأساسية للدول العربية حتى تتمكن من الاستفادة من انجازات الثورة العلمية والتكنولوجيا المعاصرة؟

- يتطلب توافر الإرادة السياسية لدى النظم العربية الحاكمة والتي يتعين أن تتبلور وتتجسد في استراتيجية عربية متكاملة لمواجهة التحديات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي، على أن تركز هذه الإستراتيجية على صياغة إطار سياسي ملزم لكل دولة عربية للتعاون الاقتصادي والعلمي والعسكري يقوم على تشخيص سليم للمخاطر والتحديات التي تتهدد الأمن القومي العربي والعمل المشترك في مواجهتها بالإضافة إلى تطوير أشكال التعاون الاقتصادي وتنفيذ مشاريع مشتركة ذات طابع استراتيجي في مجال البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا والبدء بمشاريع على مستوى صغير تكون بمثابة (حضانات) لتفريخ جماعات من العلماء والمهندسين المتخصصين وذلك في مجالات حيوية مثل محطات الطاقة من المصادر المتجددة بصفة خاصة الشمس والرياح ومفاعلات البحوث النووية والأقمار الصناعية والهندسة الوراثية. دون إغفال أهمية تطوير الصناعات العسكرية في كل قطر وفي إطار مؤسسات عربية مشتركة، والحرص على إتقان فنون الحرب الإلكترونية يسبقها وضع مخطط عربي للنهوض بصناعة الإلكترونيات والحاسبات الإلكترونية وتطبيقاتها المدنية والعسكرية.

الحاجة ماسة لاستراتيجية وطنية للبحث العلمي

يؤكد البروفيسور أن الأردن بحاجة ماسة إلى استراتيجية خاصة للبحث العلمي تركز على أهمية تكليف علماء وباحثين بإجراء أبحاث علمية نوعية تعنى بمواضيع تحل مشاكله التنموية، وبخاصة في مجالات الطاقة والطب والمياه والزراعة والبيئة.

فعلى صندوق البحث العلمي والجامعات وأعضاء هيئة التدريس أن يعوا أوليات البحث العلمي من دون الاعتماد على المواضيع التي يقدمها الباحثون فقط، وقد بدأوا بتنفيذ هذه الفكرة.

الروتين المتبع في بعض المؤسسات عقيم جدا، إذ يسمح للإدارة بأن تأخذ فترة طويلة للموافقة على البحث مما يؤدي إلى إحباط الباحثين، فلا يوجد ما يمنع من البت بأهلية البحث وتمويله خلال شهر أو شهرين كحد أقصى، غير أن ذلك يتطلب توفير البيئة البحثية المناسبة في الجامعات الأردنية والأماكن البحثية من أجل تمكين الأساتذة والباحثين من إجراء بحوثهم، والمشكلة هي إيجاد باحثين أكفياء بعدد كاف نظرا لتدني مستوى التعليم وضعف مستوى خريجي الدراسات العليا.

السيرة الذاتية

• الدكتور أنور البطيخي حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم التربة والري 1967 من الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتوراة في فيزياء التربة من جامعة ولاية ايوا الأميركية 1977.

• يعمل حاليا بوظيفة أستاذ فيزياء التربة في الجامعة الأردنية قسم الأراضي والمياه والبيئة، ومدير عام شركة المثلث العلمي للبحوث والتدريب والإدارة، ورئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي، وعضو مجلس أمناء جامعة البلقاء التطبيقية.

• عمل أكثر من 60 بحثا وكتابا منشورا، وله دراسات ونشرات عديدة على المستوى المحلي والدولي، وأشرف على 25 رسالة ماجستير، وشارك بالإشراف على 30 طالب دراسات عليا في الجامعة الأردنية.

• تولى عدة مناصب إدارية وأكاديمية في الجامعات الأردنية، منها رئيس الجامعة الهاشمية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، عميد كلية الدراسات العليا، وعميد البحث العلمي في الجامعة الأردنية.

• عمل مساعدا للبحث والتدريس في جامعة ولاية ايوا الأميركية، وفي الجامعة الأميركية في بيروت، ومحاضرا في الجامعة الأردنية.

• شارك في عدة مجالس ولجان تصل إلى 100، منها الاستشاري الاقتصادي لجلالة الملك عبدالله الثاني، عضو مجلس أمناء الجمعية العلمية الملكية، ورئيس لجنة البحث العلمي لصندوق مؤسسة عبد الحميد شومان وغيرها.

• نال عدة جوائز أردنية وعالمية، منها وسام التميز في التعليم في العام 2005 من جلالة الملك، وجائزة الخريج المتميز من جامعة ولاية ايوا الأميركية في العام 2009.

[email protected]