احمر الشفاه منتهي الصلاحية .. تجارة تزدهر في الاسواق الشعبية

الرابط المختصر

عمان- هدى حنايفة - مضمون جديد

تريدين أن تكوني أكثر جمالا .. حسنا لكن لا تقتلي نفسك. "مها" فتاة في العشرين من عمرها لديها ما تقوله عن ذلك، فقد كادت ان تقتل نفسها فقط لانها ارادت ان تكون "اكثر جمالا".

راجت في الآونة الاخيرة في الاسواق المحلية أنواع رديئة من "أحمر الشفاه" ذات مظهر ورائحة كريهة، لكن ذلك لم يمنع فتيات من الابتعاد عنها هوسا منهن أولا وثانيا لانخفاض اسعار هذه السلعة التي تباع بما يصل الى النصف دينار فقط، وتحت مسمى علامات تجارية عالمية.

يصل استخدام بعض النساء لاحمر الشفاه خاصة من ذوي الانواع الرديئة الى أكثر من عشر مرات في اليوم. عشر مرات تلامس هذه المواد الشفاه، وعشرات المرات يطوف اللسان عليها وحولها، ليساعد على ادخالها الى جسم كل همّ صاحبته أن تكون أحلى. فهل تصبح أحلى؟
"
مها" لم ترغب يوما - كما قالت – في استذكار ما نالته من المعاناة لولا رغبتها في تحذير بنات جنسها.
تقول:
حقيقة لم أكن اسأل يوما عند شرائي "احمر الشفاه" عن مكوناته لتركز اهتمامي على اسم المنتج ودرجة اللون المناسبة لي ومدى ملائمة لملابسي.. كنت اشتريه من محلات معروفة لكن لم يعد الأمر يفي بمتطلباتي فغالبا يكون السعر غالي، وما يلزمني في العادة من تعدد الالوان.

مها توجهت جراء حاجتها في التنوع ولعدم قدرتها على ارتفاع الاسعار الى الأسواق الشعبية بناء على نصيحة صديقة لهاز

تقول: في إحدى المرات لاحظت طعما غريبا شعرت معه للوهلة الأولى بالغثيان لكن ظننت انه اعراض برد، لكن اي برد يتواصل لاسابيع طوال.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد كما تقول مها فبعد فترة بدأت تشعر بوخز وحكة خفيفة في شفتاها ثم تطور الأمر إلى ظهور تشققات لم تستطع إخفائها.

تشوهت شفتا مها حتى باتت تخجر الخروج من البيت، وبعد أول زيارة لطبيبة جلدية وشرح وضعي لها سألتني عن نوع احمر الشفاه الذي استخدمه، وحذرتني من استخدام احمر الشفاه تحت أشعة الشمس".
الحالة الصحية لمها تحسنت ولم تعد الى منتج احمر الشفاه ذاك لكن ما زال يساورها الفضول لتعلم كما تقول المكونات الحقيقية لاحمر الشفاه الذي كاد ان يفتك بها.

لكن ليس كل النساء سواء بحرصهن ورانيا أبو غوش واحدة من النساء اللواتي يحرصن على انتقاء علامات تجارية اصلية. تقول: انا امام خيارين إما ان اتسخدم احمر شفاه مضمون أو ان لا استخدمه اصلا، فصحتي ليست للمغامرة.

بل إن ابو غوش تهتم بطعم المنتج، مشيرة الى خطورة استخدام منتجات احمر الشفاه في الاسواق الشعبية كونها تحوي - كما تظن – على مواد مسرطنة جراء استخدام البترول".

مكونات احمر الشفاه

ويعود تاريخ احمر الشفاه الى عام 1925م حيث كان يصنع من مواد طبيعية لكن مع شهرة دور السينما العالمية وإنتاج الأفلام بدأ يدخل في صناعته مواد كيميائية وزيوت صناعية ليزيد من جاذبيه الشفاه.

وتختلف مكونات المنتج من شركة لأخرى لكن هنالك مواد مشتركة لا غنى عنها وهي: مواد شمعية وزيوت طبيعية كزيت الخروع وفيتامين E ونكهات كنكهة الشوكولاته والفواكه، وأصباغ ملونة مثل الكاديوم وثاني أكسيد التيتانيوم، إضافة إلى مادة الزئبق والرصاص لإطالة عمر المنتج.
الخطير في مثل هذه المواد الكاديوم الذي يعتبر من العنصر الكيميائية المسرطنة والتي تؤدي الى فشل كلوي وضغط الدم، بحسب نسب التعرض لها او استنشاقها وملامستها الجلد, كما تستخدم بعض الشركات مادة الفيربون وهي مادة عطرية ملونة تزيد من نسبة الإثارة، وقد زادت خطورة وأضرار بعد عام 1990 بعد أن أدخلت مواد أخرى لجعل منتج أحمر الشفاه أكثر لمعانا.

وتقول الصيدلانية عنان أبو حسان المختصة في شعبة الأجهزة الطبية ومستحضرات التجميل بمديرية الدواء والغذاء الاردنية ان اجازة تداول مستحضرات التجميل تتم بناء على أسس استيراد وتداول المستحضرات الصادرة بالجريدة الرسمية ومن ضمنها احمر الشفاه.

وتضيف تتم الدراسة بناء على المواصفات المعتمدة لدى المؤسسة وذلك بدراسة المكونات ونسبتها وإصدار كتاب رسمي بذلك، مشيرة الى ان وجود نسبة مسموح بها للمعادن الثقيلة في أحمر الشفاه، فاذا ما تجاوزتها تتحول الى مواد مضرة على صحة الإنسان ومخالفة للقانون.

تجار النوع الرديء

ما يزيد من خطورة الامر ان الباعة انفسهم لا يدركون خطورة ما يبيعونه. خلال جولة "مضمون جديد" في اسواق منطقتين شعبيتين مختلفتين لتقصي أمر رواج تلك الأنواع الرديئة من المنتج كان عدد من الفتيات يتجمهرن حول زاوية محل ابو ليث الذي يبيع منتجات الزينة.

لدى ابو ليث منتج احمر شفاه يباع كل 3 منه بدينار ونصف الدينار. هي منتجات كتب عليها "صنع في الصين" رغم ان العلامات التجارية العالمية لها اوروبية.
لدى سؤال "مضمون جديد" عن تاريخ صلاحية المنتج توقع ابو ليث - وهذا قوله – أن يكون تاريخ الصلاحية أزيل أثناء النقل.

الغريب ان وسط البلد في عمان تغرق بمثل هذه المنتجات ولا احد يدري ما هو الدور الذي تقوم به الجهات الرقابية المسؤولة عن ذلك، ومن سمح بمثل هذه المنتجات ان تدخل البلاد اصلا.

كما ظهر من ردود فعل ابو ليث فان رزقه يفرض عليه بيع مثل هذه المنتجات. هذا ما قاله تحديدا عندما سألناه عن دوره في الاضرار بالفتيات قال: هن ادرى بمصالحهن وهذا رزقي.

السموم تباع في مدارس البنات

ولا تنتظر الصين من فتياتنا التحرك الى الاسواق لشراء منتجاتها. فام محمد هنا تتكفل بايصال هذه السموم الى فتيات المدارس حيث تحمل حقيبة مليئة باحمر الشفاه ومواد الزينة الفاسدة لبيعها لفتيات صغار لا يمكن ان يخطر ببالهن المحاذير والاسئلة عن صلاحية المنتج.

الغريب في قول ام سمير لـ "مضمون جديد" ان اقبال المعلمات على منتجها كبير وانها لم تكن تتصور أن تبيع تلك الكميات.

ام سمير تبيع منتجها منتهي الصلاحية بربع دينار فقط، بينما كانت قد اشترته باقل من ذلك بكثير. "فالتاجر الذي حصلت منه على هذه المنتجات يكاد يبيعها بالكيلو" تقول.

وتدرك ام سمير ان ذات المنتج الذي تبيعه يباع في المحلات التجارية بثمانية دنانير وهي تعلم ان وراء الاكمة ما وراءها ببيعه بسعر منخفض حتى يصل الى ان يكون "مجانا". ولكن كما ابو ليث تقول ام سمير: "هذا رزقي".

وتصل البضاعة الى ام سمير عبر التهريب كما تقول العام الماضي من الرمثا كما انه يوجد محال في السوق تبيع بالجملة وإعلان بعض المحلات المعروفة في عمان تجدد بضاعتها او تخليص بضاعة بداعي إغلاق محل".. هي مبررات ربما لتتمكن معها البائعة المتجولة من تسويق بضاعتها.

ايمان فتاة تبلغ من العمر 23 عاما، لها وجهة نظر قد تكون وجيهة. تقول: ما ادفعه اليوم على المنتج مرتفع السعر والامن قد ادفعه على علاج صحتي اذا اشتريت منتج رخيص الثمن غير آمن. بل إنها تقول: الرخيص بأقل من المعقول مدعاة للشك.
المراقبة والمسؤولية الحكومية على المنتج

تقول الدكتورة كوثر الريماوي "من قسم المراقبة مؤسسة المواصفات والمقاييس" ان هناك جهود تقوم بها المؤسسات الرقابية ذات الصلة وخاصة دائرة الجمارك ومؤسسة المواصفات والمقاييس ومديرية الغذاء والدواء الأردنية، لكن يبقى التهريب موجودا.

وتضيف:" وضعت المؤسسة مواصفة 1996 طبقاً لمواصفات الاتحاد الأوروبي ويعمل على تحديثها حسب التغيرات المدخلة للمنتج من مواد.

وتصف الريماوي اشتراطات مؤسسة المواصفات والمقاييس بالقوية كما ان لديها لجان مكونة من أكاديميين وأصحاب خبرة من أرباب المصانع، اضافة الى مندوبي المؤسسة على المعابر الحدودية وفي المطارات لدى دائرة الجمارك الذين يقومون بالتأكد من مطابقة المواصفات ووجود بطاقة المتطلبات من تاريخ صلاحية واسم المصنع وبلد المنشأ، إضافة إلى التأكد من وجود عناصر ثقيلة ورقم البروكسايد "التزنخ".

وبعد انتهاء دور المواصفات والمقاييس يأتي دور مديرية الغذاء والدواء التي تقوم بسحب عينات من المنتج لمختبراتها لتمنح بدورها شهادة تحليلية لنسبة كل مادة ثم ترسل للمواصفات وكل مادة مخالفة يجرى إتلافها أو إعادة تصديرها.

وتشير الريماوي الى وجود رقم مثبت على العبوة يشير الى تاريخ الصلاحية من فتح العبوة مثلا(6) صالحة لمدة ستة أشهر لكن بعض الشركات يكون منتجها يصلح لغاية 30 شهر اذ ما تعرض لسوء تخزين او فتح قبل شراء الزبونة له سيغير من درجة أمن سلامة المنتج على الصحة لذا يدرس الان وضع تاريخ صلاحية أكثر وضوح عالميا.

وتضيف بما انه يصعب كتابة بيانات المكونات على العبوة لصغر حجمها ترفق كل شركة بيانات مكونات المنتج وعلى البائع إظهارها للزبائن.

رأي طبي

ويقول أخصائي الجلدية والتجميل الطبيب أمين المعايطة لـ "مضمون جديد": إن أكثر ما يؤثر على الشفاه عوامل طبيعية خاصة في الصيف او قلة شرب السوائل او أثر اللعاب، لكن بالنسبة للسيدات يضاف لذلك استخدام احمر الشفاه بشكل يومي ولعقها المتكرر مما يسمح بدخول نسب تتراكم من مواد سامة ومضرة خاصة من تلك الرديئة، ذات المكونات التي تسهل امتصاص الأشعة فوق البنفسجية والتي تحدث تصبغات وبقع داكنة بلون الشفاه وتشققات ناهيك عن بعض المواد الحافظة التي تسبب الحساسية.

ويلوم المعايطة على الإعلام تقصيره في التوعية بمثل هذه المنتجات. بيبما تقول الصيدلانية وخبيرة التجميل يسرى هياجنة انها تقوم بحملات فردية لتوعية النساء ونصحهن بمثل هذا الموضوع، لكنها لم يسبق لها ورأيت حملات اعلامية منظمة تحذر النساء من خطورة ما يستخدمنه من مواد تجميل.

وتضيف رغم ان احمر الشفاه أكثر مستحضرات التجميل استخدام لكن لوحظ عدم وجود وعي كاف بالتعرف على ما يناسب السيدات من مواده، مشيرة الى ان كثير من السيدات لا يسألن لدى شرائهن لاحمر الشفاه إلا عن درجة اللون واسم الماركة.

والمفارقة ان شفاههن لا تخفي رداءة المنتج، خاصة مع استخدام أكثر من نوع من المواد قد تتداخل مكوناتها لتصبح غير آمنة على البشرة.

واشارت الى ان في الشفاه طبقة جلدية رقيقة بمجرد لعق السيدة شفاهها قد تمتص المادة مما قد يسبب تشقق وجفاف في الشفاه وتحسس او فطريات التي تسببها مادة اسيلسين ومواد حافظة أخرى.

وقالت ان بعض الشركات استبدلت العطور بالكحول سببا في ذلك عادة، وهناك عادة نوعين من منتج احمر الشفاه احدهما يعتمد على مكونات طبيعية من زيوت خروع ونباتات عشبية وآخر يتعمد على زيوت معدنية ومواد كيميائية.

واشارت الى ان بإمكان السيدات الابتعاد عن الرائحة النتنة والعطرية الفواحة المركزة بالانتباه إلى مواد المنتج فإذا ما كان مائع فيدل على تعرضه لحرارة تفقده خواصه، كما نصحت باختيار ذو المكون الزيتي لحمايته الشفاه".

ولكن هل من خطوة سهلة لتتعرف السيدة على صلاحية المنتج؟ تجيب الهياجنة: حتى لو لم تجد رقم صلاحية المنتج لتضعه على شفاهها وتمرره من أعلى الى أسفل وتلاحظ فيما إذا الملمس ناعم متناسق لا فراغات تشبه تخثر الحليب فان كان كذلك فهو صالح للاستخدام غالبا.

لكن الهياجنة تستدرك بالقول: المشكلة في ان تكون عبوة المنتج مفتوحة اصلا، فمن الملاحظ هناك من يجربن المنتج داخل المحل وتركه ليلامس الهواء فيفقد من عمر صلاحيته كما ويحمل مايكروبات تحدث امرض جلدية أخرى قد تكون أكثر ضرراً مما كان يمكن ان تكون عليه الامور قبل فتحه".
فمن ينقذ فتياتنا من سم يقتلن به انفسهن ببطء من دون ان يدرين؟