«انهيار» شبكات الصرف الصحي يلوث مياه الشرب في الزرقاء
الزرقاء - إبراهيم أبو زينة
كالعادة.. المياه مقطوعة عن أحياء عدة في الزرقاء ومنذ مدة طويلة لكن الجديد هذه المرة هو سبب انقطاعها والذي يعود إلى تلوث «خطير» نجم عن اختلاطها بمياه شبكة الصرف الصحي التي يحذر مطلعون من أنها آخذة في الاتساع .
ولا تزال الجهات المعنية تكافح منذ أكثر من ثلاثة أسابيع من اجل تطويق التلوث غير المسبوق الذي شمل عددا من أكثر مناطق الزرقاء كثافة بالسكان، ومنها أحياء الأمير محمد والأمير عبد الله «الغويرية» وبرخ، والتي تقع وسط وشمالي المدينة.
وكانت بوادر حادثة التلوث تلك, قد بدأت بالتكشف بعدما اشتكى الأهالي من أن المياه الواصلة إلى منازلهم ذات مظهر عكر ورائحة كريهة نفاذة.
وكإجراء احترازي، سارعت مديرية صحة المحافظة إلى إلزام سلطة المياه بوقف الضخ إلى تلك الأحياء.
وقال مدير الصحة تركي الخرابشة ان الفحوصات المخبرية لعينات جرى أخذها من شبكة المياه أظهرت أنها غير صالحة للاستهلاك البشري نتيجة اختلاطها بمياه المجاري، وهو ما دفع المديرية إلى اتخاذ قرار إيقاف الضخ.
وأشار كذلك إلى اخذ عينات من خزانات مياه الأهالي، ولكنه قال ان نتائج الفحوص لم تظهر -حتى كتابة هذا التقرير-.
وحذر الخرابشة الأهالي في المناطق المتضررة من استخدام المياه, ودعاهم إلى تفريغ خزاناتهم وتعقيمها أكثر من مرة، مشددا على أن الضخ لن يعود إلا بعد التأكد من إزالة التلوث من قبل سلطة المياه بشكل نهائي.
وقد زادت هذه التصريحات من مخاوف الأهالي من ان تطول معاناتهم لاسيما مع اضطرارهم لشراء المياه من الصهاريج، الأمر الذي يكبدهم مبالغ كبيرة كما يقول احدهم، وهو جهاد الخزاعلة الذي يصف المياه بأنها من ابسط حقوقه.
ويشير عدد من الأهالي إلى أن بعض أصحاب الصهاريج باتوا يستغلونهم عبر رفع الأسعار إلى مستويات غير معقولة تصل أحيانا إلى 30 دينارا للصهريج الذي يباع في الظروف الاعتيادية بنحو 15 دينارا.
أصل المشكلة بحسب ما يوضحه مدير سلطة المياه في الزرقاء, المهندس عاطف الزعبي, فقد نجم التلوث عن تداخل مياه الشرب والصرف الصحي .
وقال الزعبي ان المديرية اتخذت تدابير صارمة إزاء هذا التلوث تمثلت في فصل عدادات المياه عن المنازل المتضررة, إضافة إلى تفريغ الخزانات المشتبه بتلوثها وتعقيمها, فضلا عن تزويد كل منزل فصل منه العداد بصهريج مياه.
وأكد أن التلوث انتهى بعد السيطرة عليه، وان ضخ المياه سيعود حسب البرنامج المتبع للمواطنين.
لكن الأهالي، وخصوصا في حي الأمير محمد يشككون في هذه الرواية، ويؤكدون أن المياه ما زالت مقطوعة عن منازلهم.
وبحسب تصريحات لمسؤولين في وزارة المياه، فقد جرى رصد مصدر التلوث في خط المياه الموجود في حي الأمير محمد الذي يزيد عمره عن 50 عاما.
وقد أضفت هذه التصريحات مزيدا من الغموض حول حادثة التلوث، وما اذا كانت ناجمة عن قدم شبكة المياه أم اهتراء شبكة الصرف، واللتان تسيران معا في خطوط متقاربة ومتوازية تمتد لعشرات الكيلو مترات بين أحياء المدينة.
وتزامن التلوث مع اضراب ينفذه موظفو سلطة المياه للمطالبة بحقوق عمالية، وهو ما أثار شائعات حول افتعالهم للمشكلة على سبيل الضغط على المسؤولين لتحقيق مطالبهم.
لكن الزعبي استبعد ذلك تماما، وان كان أشار إلى أن الاضراب اضطر مديريته إلى الاستعانة بمقاولين من القطاع الخاص من أجل العمل على غسل الخطوط الملوثة وصيانة الخطوط الأخرى ووقف التلوث.
من جانبه، دعا محافظ الزرقاء علي العزام موظفي السلطة المضربين إلى عدم خلط مطالبهم بواجباتهم الوظيفية التي يتلقون مقابلها أجورا ورواتب شهرية.
وقال ان أية اضرابات يجب أن لا تكون على حساب الواجب الملقى على عاتق الموظف .
من جانبهم أكد المعتصمون أنهم شكلوا فريق طوارئ للتعامل مع المشكلة، مشددين على أن اضرابهم لن يكون بأي حال على حساب مصلحة المواطنين.
وفي خضم التجاذب بين سلطة المياه والموظفين المضربين، فان خبراء ومطلعين يحذرون من ان حادثة التلوث هذه مرشحة للتكرار في ضوء تهالك شبكات الصرف الصحي في المدينة.
ومن هؤلاء رئيس بلدية الزرقاء السابق محمد الغويري الذي قرع جرس الإنذار بإعلانه عام 2008 أن هذه الشبكات التي يتجاوز عمرها الأربعين عاما، على وشك الانهيار في ظل تزايد الضغط السكاني عليها.
وقال الغويري في تصريحات صحفية نشرت حينها «قد تتلوث إمدادات المياه باختلاطها بالمياه الملوثة، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى كارثة في هذه المدينة الكبيرة» .
كما انتقد «سياسية الحلول المؤقتة المتمثلة في إصلاح الأنابيب التالفة عند حدوث العطب» ودعا الى تجديد شبكة الصرف الصحي في كافة أنحاء المدينة.
ويبدو أن المخاوف من الوضع السيىء لشبكات الصرف الصحي قد بدأت بالتحقق فعلا، حيث تكررت الشكاوى وبشكل كثيف خلال الأشهر الماضية من فيضانات المجاري التي أغرقت الشوارع وبيوت المواطنين في بعض الأحيان.
على ان مدير سلطة المياه في الزرقاء أكد أن شبكة الصرف الصحي في حال «ممتازة»، وحمل المواطنين أنفسهم مسؤولية الانسدادات والمشاكل الأخرى التي تتعرض لها بين الحين والآخر.وقال أن الخلل يكمن في الاستعمال الخاطئ من قبل المواطنين للشبكة.
وأوضح أن غالبية حالات الانسداد «كانت بسبب وجود أشياء لا تستوعبها الشبكة, فقد تم استخراج ملابس ومخدات وحرامات وخضروات فاسدة وقطع بلاستكية ونفايات نتافات الدواجن وهي اكبر مؤثر على الشبكة».
على الصعيد الصحي يؤكد الطبيب مالك صوان, أنه لا يمكن الاستهانة بقضية تلوث المياه بأي شكل من الأشكال، ذلك أن شرب المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي له مخاطر جمة وقد تودي بحياة الإنسان في بعض الأحيان.
كما حذر من استخدام المياه الملوثة بالصرف الصحي في الاغتسال والاستحمام, كونها تؤدي إلى أمراض جلدية.
وأيضا يحذر الطبيب صوان من استخدام المياه الملوثة في غسل الأواني والجلي, وذلك لحتمية بقاء بعض الجراثيم عالقة في الأواني ويهدد بانتقالها إلى جسم الإنسان.
إلى ذلك، فان حادثة التلوث الأخيرة في الزرقاء تعيد إلى الواجهة مشروع إعادة تأهيل وتوسعة شبكة الصرف الصحي في محافظة الزرقاء البالغة قيمته 41,5 مليون دولار، والذي يعول عليه الأهالي كثيرا في إزاحة كابوس شبكة الصرف المتهالكة عن صدورهم.
اعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد.
إستمع الآن