دلالات وتداعيات "فصل" النائب أسامة العجارمة

أثار قرار مجلس النواب الأردني، الأحد، فصل النائب أسامة العجارمة، على خلفية تصريحات اعتبرت مسيئة للملك عبدالله الثاني؛ تساؤلات حول دلالات هذا القرار على الساحة الأردنية وتداعياته.



وجاء قرار الفصل بعد أن تقدم العجارمة باستقالته الأربعاء الماضي؛ إثر تجميد المجلس عضويته لمدة عام واحد، على خلفية مداخلة له بشأن حادثة انقطاع الكهرباء عن عموم المملكة مؤخرا، وكان من المفترض أن يصوت المجلس على قبول هذه الاستقالة أو رفضها في جلسة الاثنين.



وتطورت الأحداث بعد أن هدمت قوة خاصة من الأمن الأردني في 29 أيار/مايو، بيوت شعر بدوية تقليدية نصبتها عشائر العجارمة في منطقة ناعور جنوب غربي العاصمة عمان، لاستقبال المتضامنين مع النائب أسامة العجارمة، ما خلق توترا انعكس في صورة احتجاجات واشتباكات بين قوات الدرك وأبناء العشيرة.



"حركة تمرد"



النائب الأردني عمر عياصرة أيد ضمنا فصل العجارمة، واصفا خطابه بأنه "شوفيني متطرف ومتمرد على الدولة".



وقال عياصرة في تصريحات إعلامية عقب جلسة الفصل؛ إن "الإصلاح هو للنظام السياسي، أما ما نراه اليوم فهو حركة تمرد تسعى إلى استخدام العشيرة الأردنية في الهدم وليس البناء"، مضيفا أنه "خطاب خطير يريد أن يعيدنا إلى ما قبل الدولة حيث الحكومات المحلية".



وبين أن "الدولة الأردنية فيها مشاكل، وتحتاج إلى إصلاح، وهذا الإصلاح يجب أن يمس الجميع، والأردنيون يتحدثون حتى عن صلاحيات الملك، ولكنهم لا يلجؤون إلى رفع السلاح في وجه الدولة".



وكانت مديرية الأمن العام الأردني، قد أعلنت السبت عن إصابة أربعة من أفراد قوة أمنية، تعاملت "مع أعمال شغب وإحراق مركبات وإطلاق عيارات نارية في الهواء؛ قام بها مجموعة من الأشخاص في منطقة ناعور"، حيث كان يحتشد عدد من أبناء العشائر المؤيدين للنائب أسامة العجارمة.



تأزيم المشهد



توتر دفع النائب صالح العرموطي إلى استهجان قرار فصل العجارمة، قائلا؛ إنه "لا يخدم الوطن ولا أمنه ولا استقراره، ويؤجج الشارع الذي يغلي أصلا".



وقال العرموطي لـ"عربي21"؛ إن "الظروف السياسية التي نعيشها وتحيط بنا صعبة ومعقدة، والمصلحة العامة تقتضي أن نهدأ قليلا ونوحد الصف ولا نشتت الرأي"، مضيفا أن "ما جرى سيجعل الأردن موضع تشفٍّ للعدو الصهيوني الذي يسعى إلى تمرير مشاريع التوطين والوطن البديل".



وأكد أن جلسة المجلس مخالفة للمادة 84 من نظامه الداخلي، التي تنص على وجوب تبليغ النواب بموعد الجلسة قبل 48 ساعة من انعقادها إلا في حالة الضرورة، لافتا إلى أن "الضرورة لم تكن متوفرة في هذه الجلسة، وخصوصا مع وجود موعد لجلسة في اليوم التالي للنظر في استقالة النائب العجارمة التي تقدم بها للمجلس مؤخرا".



وبين أن فصل العجارمة سيؤزم المشهد، ويؤجج الصراع بين أبناء العشيرة الواحدة، حيث سيُدعى من يليه في عدد أصوات الناخبين إلى ملء مقعده الشاغر، ما سيثير غضب مؤيديه تجاه من سيحل محل ابن عشيرتهم، "وهذا مشهد مقلق للحريصين على أمن الوطن واستقراره".



ويرى مراقبون أن الحكومة بالغت في التعامل الأمني مع النائب العجارمة؛ بهدف شيطنة الحراكات المطالبة بالإصلاح، من خلال تصدير نماذج متشددة على أساس عشائري، في حين أن المعارضة السياسية تطالب بحكومات برلمانية مدنية ليس لها علاقة بالبعد العشائري.



إلا أن المحلل السياسي رومان حداد، رأى أن قرار مجلس النواب بفصل العجارمة كان ضروريا "بعد فيديوهاته المنتشرة، التي يستخدم فيها خطاب كراهية، ومصطلحات خاصة بالقتل والاغتيال السياسي".



"مرتع عشائري"



وأضاف أن ما جرى يدل على أن "القانون في الدولة الأردنية خط أحمر"، وأنه "لا يمكن لأي شخص أن يحوّل الدولة إلى مرتع عشائري"، مؤكدا أن الدولة التي مر على عمرها 100 عام لا يجوز أن تعود إلى الوراء عقدا كاملا، لتشكَّل على أساس عشائري يتضمن ترهيبا للأردنيين.



ورأى حداد أنه لا دلالة في قرار مجلس النواب على خضوعه لإرادة السلطة التنفيذية، مؤكدا أنه "لا يمكن لمجلس يسن القوانين ويراقب الحكومة أن يقر سلوكا خارجا عن القانون".



واستهجن فكرة استخدام السلاح خارج إطار القانون، مطالبا وزارة الداخلية بإطلاق حملة لجمع السلاح غير المرخص؛ "لأنه يهدد الأمن والسلم الوطني، ويشكل حالة ترويع للمدنيين الآمنين المسالمين".



وحول تداعيات فصل العجارمة، قال حداد؛ إن الذين يمارسون أدوارا خارجة عن القانون، سيرون فيما جرى فرصة كي يتمادوا أكثر، معربا عن أمله في أن تقضي أجهزة الدولة على هذا "الجنون"، وتحيل جميع من أثاروا الرعب بين أبناء الشعب الأردني إلى القضاء لمحاسبتهم ومعاقبتهم.



وانتقد امتناع نواب الحركة الإسلامية عن التصويت لصالح قرار فصل العجارمة، متسائلا: "كيف لنا أن نثق بعد اليوم بهذه الحركة التي تدعو إلى دولة المواطنة وتطبيق الدستور والقانون، في الوقت الذي تقف فيه مع هذا النائب الذي يقود أعمال شغب، ويستخدم السلاح ضد الدولة؟".



ولكن رئيس كتلة الإصلاح النيابية المحسوبة على الحركة الإسلامية، صالح العرموطي، قال؛ "إننا ندين أي شغب في هذه الدولة، وحريصون على البلد وأمنه وسيادته، ولا نقبل أن يعبث أي إنسان باستقراره"، مستدركا: "لكننا ملتزمون بتأكيد الملك في أوراقه النقاشية، أن هيبة الدولة تكون بالعدل والمساواة والقدوة الحسنة، لا بالقوة".



وكان النائب أسامة العجارمة قد قال في مداخلة برلمانية في 24 أيار/مايو؛ إن انقطاع التيار الكهربائي مؤخرا عن عموم المملكة كان "متعمدا"؛ بهدف إعاقة مسيرات تضامنية للعشائر الأردنية مع فلسطين في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.



واعتبر رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات، أن "حديث العجارمة يخالف النظام الداخلي؛ لأنه خارج عن مضمون الجلسة"، فما كان من العجارمة إلا أن غادر المجلس قائلا: "طز (تبا) بمجلس النواب، وطز بالنظام الداخلي"، ما أدى إلى اتخاذ المجلس قرارا بتجميد عضويته، ثم فصله.

 

أضف تعليقك