مؤتمر صداقة يطلق "مجلس عمل المرأة" لـ دعم مشاركتها الاقتصادية
مرور ما يقارب العام على بدء جائحة كورونا وتبعاتها، كانت كفيلة لكشف الثغرات القانونية التي ساهمت بانسحاب المرأة من المشاركة الاقتصادية، وما زاد من أعبائها أوامر الدفاع التي أصدرتها الحكومة، دون توفير الحماية الكافية لها، ما جعل وصول تدني مشاركتها في سوق العمل إلى أضعاف ما كانت عليه قبل الجائحة بحسب خبراء في مجال حقوق المرأة.
وتعرضت المرأة العاملة إلى العديد من التحديات والأعباء الإضافية في ظل ظروف عمل غير صديقة لها، كما تضاعفت الأعباء العائلية نتيجة توقف الأعمال وفترات الحظر وإغلاق المدارس، في ظل أوضاع اقتصادية هشة فرضتها الجائحة.
وتسبب هذا الأمر زيادة ملحوظة في معدلات البطالة بين الإناث، لتصل خلال الربع الأخير من العام الماضي، 32.8%، مقابل 22.6 للذكور، بحسب الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.
فيما يقدر عدد العاملات اللاتي فقدن أعمالهن خلال الجائحة ما يقارب الـ 20 ألف عاملة، ويعد معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة من أخفض المعدلات على مستوى العالم وبما لا يتجاوز الـ 15% .
مختلف هذه التحديات دفعت مؤسسة صداقة نحو بيئة عمل صديقة للمرأة، عقد مؤتمر حمل عنوان "قوة النساء"، وذلك بمناسبة مرور عشرة سنوات على انطلاق المؤسسة، و احتفالا بيوم المرأة العالمي .
ويهدف المؤتمر الذي انعقد الخميس الماضي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، إلى إبراز الحقوق الاقتصادية للنساء، وتعزيز صوت العاملات، وبحث كيفية الضغط باتجاه إزالة العقبات التي تهدد بإبقاء سقف مشاركتهن الاقتصادية في أدنى المستويات العالمية ، ومن بينها قصور الإطار القانوني وضيق مظلة الحماية الاجتماعية وغياب الحضانات والمواصلات العامة.
وتضمنت أعمال جلساته العديد من المداخلات من خبراء وخبيرات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن أبرز المحاور التي كانت حول معايير العمل اللائق التي تشكل أحد أهم أعمدة منظومة الحماية الاجتماعية في دول العالم، النقل العام، وتوسيع الحماية الاجتماعية، والوصول إلى خدمات رعاية الأطفال في الحضانات في ظل جائحة كورونا.
مؤسسة صداقة عشر سنوات تزخر بدعم قضايا المرأة
ففي عام 2011 انطلقت مؤسسة صداقة كـ حملة تنظيم مجتمعي تسعى لخلق بيئة عمل داعمة للمرأة والأم والأسرة العاملة، وجاءت بعد معاناة شخصية لفريق العمل المؤسس، الذي تشكل من أمهات عاملات عانين من عدم توفر حضانات مؤسسية.
فكانت الانطلاقة بالمطالبة بتطبيق المادة 72 من قانون العمل الأردني، والتي تنص على إلزامية اقامة مكان لرعاية أطفال العاملات في المؤسسات، وتوسعت على مدار السنوات الماضية في مطالبها المتمثلة بضرورة تطوير السياسات الاقتصادية لدعم المراة العاملة، بحسب عضو مؤسسة صداقة سهر العالول.
و توضح العالول لـ "عمان نت"، أن المؤتمر جاء كـ تظاهرة للتشديد على ملف عمل المرأة في الذكرى العاشرة من تأسيس المؤسسة التي بدأت كحملة ومن ثم توسعت تدريجيا في عملها.
وتضيف أن ما تمر به البلاد من ظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا، كشف عن العديد من التحديات أمام المشاركة الاقتصادية للنساء سلبا.
و يحتل الاردن المرتبة 140 من أصل 142 دولة على المؤشر العالمي للمشاركة الاقتصادية للمرأة وفق مؤشرات أرقام البنك الدولي.
وتشير العالول إلى أن العديد من العقبات التي تساهم بتراجع مشاركة المراة الاقتصادية من أبرزها، اعمال الرعاية، وعدم توفر الحضانات للامهات العاملات في مواقع العمل، وعدم توفر وسائل النقل الآمنة لتسهيل عملية التنقل، بالإضافة إلى الفجوة في الأجور ما بين النساء والرجال في سوق العمل.
نحو 47% من النساء يعزفن عن العمل لعدم توفر شبكة مواصلات عامة آمنة تسهل على السيدات التنقل ما بين المحافظات، بحسب دراسة أعدتها مؤسسة صداقة.
ومن أبرز مخرجات مؤتمر صداقة، إطلاق مجلس عمل المرأة، حيث يضم عدد من مؤسسات المجتمع المدني الداعمة للمرأة، ويهدف الى توحيد الجهود والعمل على مراجعة السياسات المتعلقة بملف الحقوق الاقتصادية، ورفع صوت النساء العاملات ليكن قوة مؤثرة في إحداث التغيير الحقيقي في مجال تعزيز دورهن في سوق العمل.
السياسات الاقتصادية وأثرها على انسحاب المرأة من سوق العمل
في تقرير صدر عن "بيت العمال للدراسات" يؤكد ان انخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، يستوجب بالضرورة العمل بجد لتجسير الفجوة الجندرية في سوق العمل الأردني.
وذلك بالنظر إلى حجم الخسائر الباهظة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء تعطيل هذه القوى القادرة على إحداث فارق كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حال استطعنا بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لغايات دمج المرأة في سوق العمل وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك.
أمين عام حزب حشد السيدة عبلة أبو علبة تعتبر أن التوجه الحكومي نحو السياسات الاقتصادية الخدمية على حساب الاقتصاد الانتاجي، ادى إلى تدمير الاقتصاد الوطني وحدوث ازمات عديدة.
وتوضح أبو علبة أن الاقتصاد الوطني بحاجة لعمل المرأة، وانسحابها من سوق العمل يؤدي الى خسارات باهظة في الاقتصاد الوطني لفقدان عنصر هام من العناصر البشرية الفعالة والمنتجة.
وتؤكد أن الدستور الأردني منح لكافة المواطنين الحق في العمل دون تمييز، مع ضمان القوانين الناظمة لسوق العمل، وتوفير الضمانات الاجتماعية الأساسية كالضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد وغيرها.
مطالبات باعادة النظر بمنظومة الحماية لشمول كافة العاملات
من أبرز توصيات مؤتمر صداقة الأخذ بعين الإعتبار إحتياجات المرأة بشكل عام في السياسات والبرامج الحكومية للتكيف والتعافي من الجائحة.
وتوسيع مظلة الحماية الإجتماعية من خلال تخفيض أو دعم إشتراك غير المشتركات في الضمان الاجتماعي وشمولهن بالتأمين الصحي، ودعم الأم العاملة التي لديها أطفال في سن المدرسة والحضانة من خلال تطوير وتطبيق مبادئ العمل اللائق ومنها سياسات العمل المرن وضمان الحمايات في الأجر والضمان الإجتماعي، وتعزيز سياسات الأمان والحماية الاجتماعية.
الخبيرة في السياسات الإجتماعية الإقتصادية الدكتورة ماري قعوار تعرف مفهوم الحماية الاجتماعية ضمن الإطار الدولي في سياسات الحماية هو الحد من الفقر وحماية الأفراد من التعرض للمخاطر.
وتشير قعوار وهي وزيرة سابقة ومديرة منظمة العمل الدولية سابقا، أن من أهم برامج الحماية، الضمان الاجتماعي للعاملين خلال تواجدهم في سوق العمل، وضمان الشيخوخة أي حين وصولهم الى سن التقاعد ، بالاضافة الى تقديم المساعدات الاجتماعية لغير القادرين على العمل كتوفير المساعدات العينية أو المادية .
وتوضح أن الحماية الاجتماعية هي مكلفة على الدولة، حيث يصعب تطبيقها في الدول النامية، ولكن المطلوب من الحكومة هو الوصول إلى توفير الرعاية الصحية للمرأة من ضمنها الأمومة، وضمان الدخل الاساسي للاطفال، والعاملين في سوق العمل، والمسنين.
ضعف تطبيق التشريعات والقوانين يفاقم انسحاب المرأة من سوق العمل
أجريت التعديلات على قانون العمل في أيار 2019، ورغم أن هذه التعديلات قد تضمنت تقدما تشريعيا في الأحكام ذات العلاقة بعمل المرأة في مجال إنشاء حضانات أطفال العاملين، والعمل المرن، والتمييز في الأجور، وإجازة الأبوة، وإعفاء أبناء الأردنيات من تصاريح العمل، إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ بصورة فعلية.
فلم تصدر التعليمات الخاصة بالحضانات إلا في شهر شباط 2021، وجاءت مخالفة للأهداف التي رسمها القانون وبما يفتح الباب واسعا أمام التهرب من إنشاء الحضانات في مواقع العمل.
مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز توضح أنه رغم التعديلات على التشريعات وتطويرها الا ان الاشكالية تكمن في عدم تطبيقها على أرض الواقع.
وتشير عبد العزيز إلى أن القانون الذي لا يكفل الحماية على أرض الواقع يشكل انتهاكا للعاملات في سوق العمل، مشددة على أهمية سن قوانين تخدم كافة العاملين في سوق العمل بالحقوق.
وتعتبر أن التعديل الشكلي للقوانين لن ينتج الحماية المطلوبة، فيجب أن تكون التشريعات بشكل شمولي، خاصة فيما يتعلق بأدوات التطبيق القانوني والتي تعد من أهمها الكوادر التفتيشية.
رغم سن الحكومة للعديد من القوانين والتشريعات التي من شأنها تنظيم عمل المرأة وتوفير حماية لحقوقها، الا ان الانظمة التي تفعل هذه القوانين لم تصدر بعد، من ضمنها نظام العمل المرن، ونظام عمال الزراعة الذي اقر مؤخرا إلا أنه لم تنشر بعد صيغته النهائية ، لمعرفة مضامينه، من حيث حماية عمال الزراعة من الانتهاكات العديدة لحقوقهم وغياب الحمايات القانونية لهم.