*هذه القصة من ملفات مركز تمكين للمساعدة القانونية
بداية الحكاية
غادرت كوماري ذات الثمانيّة عشر ربيعًا سريلانكا عام 1996 لتعمل عاملة منزل لأحد أصحاب العمل في الأردن، براتب 49.55 دينارًا ( 70 دولارًا) شهريًا.
صادر الرجل الذي تعمل في منزله جواز سفرها عقب بدء عملها عنده، ولم تعرف أنَّها المرة الأخيرة التي تراه فيها، ثم دأبت على عملها برعايَّة امرأةٍ كبيرةٍ في السن، إضافةً للأعمال المنزليّة في منزليّ الرجل وابنته المتزوجة.
وبعد مرور ثلاثةُ سنواتٍ ومع انتهاء تصريح عملها وعدم تقاضيها أجرها، بات حلمها الوحيد العودةُ لبلادها، الا أن صاحب العمل لم يكتف برفض ذلك بل حرمها من الاتصال بأسرتها، وبعدَ عامين من توسلها لَه، اختلقَ كذبةً مُفادها أنَّ جميع أفراد عائلتها قتلوا بالاشتباكات العسكريّة في سيرلانكا، راجيًّا بذلك التخلص من إلحاحها بالتواصل معهم.
لم تملك كوماري سوى الاستمرار بالعمل بعد الصدمة التي تعرضت لها، فلا مُعينَ لها ولا سبيل للعودةِ للبلاد، ومن دونَ أن تدرك، بات عمرها 40 بعد عمل دام 23 عاما دون إذنٍ بالخروج أو التنقل إلا لمنزل ابنة صاحب العمل الذي كانت تذهب إليه للعمل وحرمانها من إجازاتها طيلة تلك الفترة، وعلى الرغم من مطالبتها المتكررة بأجورهم من صاحب العمل الذي كان بدوره يستمر بتأجيل دفعها!
غيَّرت صدفةٌ جمعت كوماري بإحدى العاملات عام 2019 حياتها، والتي نصحتها حال سماع معاناتها التوجه لإحدى مراكز الدعم والمساندة القانونيّة والتي قامت بدورها بإخبار وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بقيام صاحب العمل
باستخدام سلطته على العاملة واستغلال حاجة العاملة وحالة ضعفها من خلال إجبارها على العمل، وحجز جواز سفرها وحجز رواتبها لمدة طويلة جدا، وايذائها وتحقيق منفعة باستخدامها بالعمل المنزلي دون إيفائها كامل حقها مما يعد صورة واضحة من صور العمل الجبري.
وحدة مكافحة الاتجار بالبشر
استدعت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر في كانون الثاني عام 2019، صاحب العمل وكوماري، بعدَ وصول الإخبارِ لها، وأكدت الأخيرة عدم تقاضيها للأجر ومنعها من السفر أو الاتصالِ بذويها، عقب أخذ افادتها ؛ ليتبيَّن كذلك نِسيانها للغتها الأم "السيرلانكية" نتيجة الأعوام التي قضتها عند العائلة.
من جانبٍ آخر أقرَّ صاحب العمل بالتعاقد مع كوماري وعدم دفعه أجورها وأبدى استعداده لدفعها مقسطة وتسديد غرامات تجاوز الإقامة التي ترتبت عليها نتيجة عدم تجديده إذن الإقامة لها منذ 22 عاًما، ما دفع الوحدة لتحويل أطراف الشكوى إلى المركز الأمني، الذي حوَّلهم بدوره إلى مدعي عام محكمة الموقر، وبعد الانتهاء من التحقيق لدى المدعي العام، أُعيدت العاملة إلى المركز الأمني الذي عادة ما يخير العاملة أما أن تعود إلى صاحب العمل نفسه، أو سيجري توقيفها إداريا، أو أن يقوم شخص بتكفلها من المركز الأمني، والسبب في ذلك يعود إلى عدم امتلاكها لتصاريح عمل واقامات، جاء ذلك تزامنًا مع تواصل مركز الدعم والمساندة مع السفارة السريلانكية التي احتفظت بالعاملة في مأوى خاص بالعاملات السريلانكيات حتى صدور حكم القضاء.
بدأت الخيوط بالترابط، حينَ تحرَّت السفارة عن عائلة كوماري، لتجد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وتكشف زيف كذب صاحب العمل الذي أكد في إفادته طلبه منها التواصل مع أهلها ورفضها لذَلك، ليتضح أن العاملة كانت تعيشُ وسط دوامةٍ من الحزن على وفاة أسرتها؛ لتؤكد بكلماتٍ متعثرة "أنا ضاع عمري".
ولم يكتفِ الرجل بالكذب المتعلق بعائلتها، بل حاول التنصل من حجز الجواز بإفادته أنه كان بحوزته خوفًا عليه من الضياع.
غيرَ أن كل ما حدث، لم يمنع كوماري من اعتبار نفسها جزءاً من العائلة التي صدَّقت وعود صاحب عملها بدفعه الأجور لها يومًا ما، ما دفعها لإسقاط حقها الشخصيّ.
المدعي العام
بدأ المدعي العام بالتحقيق واستمع لشهادة لكوماري وصاحب العمل في كانون الثاني عام 2019، روت خلالها العاملةُ ما حلَّ بها، مُدافعةً عن الرجل "أنا لا أريد أن يحبس أو يعاقب، فقط أريد حقوقي وأن أغادر إلى بلدي"، حيث كانت تريد العاملة أجور 23 عاما من العمل إضافة إلى جواز سفرها والعودة إلى بلادها، فيما أجاب الأخيرُ أنهُ "غير مذنب".
وقرر المدعي العام اعتبار العاملة شاهدة للحق العام (مشتكية)، واعتبر صاحب العمل مشتكيا عليه بجرائم جنحة حيازة جواز سفر بصورة غير مشروعة، ومخالفة أحكام قانون العمل الأردني والمتمثل بعدم إعطائها أجرها لقاء عملها ، وقرر توقيف المشتكى عليه على ذمة القضية ثم جرى تكفيله كفالة شخصية في ذات اليوم.
وأحال القضية إلى محكمة صلح جزاء الموقر صاحبة الاختصاص.
إجراءات المحاكمة
بعد جلستين استمعت خلالهما المحكمة إلى المشتكى عليه "صاحب العمل" وإلى العاملة كوماري التي شددت مرة أخرى على عدم رغبتها بالشكوى والاكتفاء بدفع أجورها، قررت المحكمة في السادس والعشرين من شباط لعام ٢٠١٩ استنادا إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية إدانة المشتكى عليه صاحب المنزل بجنحة حيازة جواز سفر بصورة غير مشروعة والحكم عليه عملًا بالغرامة 500 دينار والرسوم ونظرًا لاعتراف المشتكى عليه وإسقاط الحق الشخصي مما تعتبره المحكمة من الأسباب المخففة التقديرية، وجرى تخفيض العقوبة لتصبح الغرامة 50 دينار والرسوم، وغرامة 50 دينار والرسوم لمخالفة أحكام قانون العمل، وجُمعت العقوبات بحقه لتصبح 100 دينار إضافة إلى الرسوم.
الوساطة
مرورًا بسلسلة انتهاكات ارتكبها صاحب العمل بحق كوماري كإجبارها على العمل الذي يخالف القوانين الناظمة ويعتبر شكل من أشكال الاتجار بالبشر، وليس انتهاءً بارتكابه عدة مخالفات لنظام العاملين في المنازل وطهاتها وبستانييها أولها عدم دفع أجور كوماري ومنعها من العودة لبلادها وبعد استغلال صاحب العمل سلطته " كفيل" علاوة على احتجاز وثائق سفرها وعدم تجديد تصريح عملها وإذن الإقامة مما يضعها في موقف المخالف للقانون.
ورغم أنَّ صاحب العمل يستحق العقاب جراء ما ألحقه بكوماري غيرَ أنه ونظرًا إلى القصور فيما يتعلق بالتقادم في المطالبة بالأجور، جرى اللجوء إلى الوساطة لتحصيل أجور العاملة أو أقصى قدر منها.
كما أن مخالفة صاحب العمل لقانون العمل بعدم دفع الأجور طوال 23 عامًا يفقد العاملة حقها في أجور 21 عاما حيث أن مدة التقادم لسماع دعوى الأجور هي سنتان فقط سندا لأحكام قانون العمل.
وغادرت كوماري الأردن الى سيرلانكا بعد الاتُفاق مع صاحب العمل في شباط من العام 2019 على دفع مبلغ إجمالي وقيمته 37280 دولارًا، على أن يدفع منه 20000 دولارًا دفعة أولى ويُقسط ما تبقى من المبلغ بواقع 200 دولارا شهريا، وأن يتحمل غرامات تجاوز الإقامة وحجز تذكرة عودة لكوماري من خلال اتفاقية وُقعت معه.