كوفيد-19، والعنف المنزلي!
في وقت الأزمات مثل حالة تفشي وباء كورونا، وما تبعه من أوامر حكومية بمنع التجول والحظر الكلي قد يكون أفراد الأسرة الواحدة أكثر عرضة للعنف الواقع عليهم من الذين يتشاركون معهم المنزل نفسه بسبب زيادة حدة التوترات داخل المنزل.
’’والله ما بنام الليل من كثر الوجع“هذا ما جاء على لسان أحد ضحايا التعنيف الأسري في مدينة اربد المُعنفة سوسن –اسم مستعار-، وأضافت سوسن أنها تُعاني من العنف الجسدي واللفظي منذ أن أنجبت مولودتها الأولى،”كان بده ولد وأنا جبتله بنت وعلمك شلون عقلية الزلمة لمّا بده ولد وما ييجي“. وتابعت سوسن أنّ الوضع تفاقم بينها وبين زوجها خلال فترة الحظر هذهِ وذلك لعدة أسباب تقول أن أهمها:”الدخل إللي بفوت علينا قل وبطّل قادر يشتري دخان ويدخن قد ما بده وما فيش غيري أنا والأولاد يتفشش فينا ويضربنا“.
وكان قد نفذ مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية استطلاعاتَ تتناول محور العنف الأسري والخلافات والمناوشات العائلية على خلفية حظر التجول وأثره على الحالة النفسية والعلاقات الاجتماعية للمواطنين وكانت النتائج كالتالي:
(51%) قالوا أنهم تأثروا نفسيًا وبشكل سلبي من إجراءات الحظر المتوافقة مع إجراءات احتواء فايروس كورونا.
(34%) أشاروا أنهم عانوا من الخلافات العائلية خلال فترة الحظر لترتفع نسبة من يعانون تلك المشاكل بنحو (9%) مقارنة بفترة ما قبل الحظر، أي أنها كانت (25%) قبل الحظر وبعد الحظر أصبحت (34%).
وعلى الرغم من أن الدراسة بينت أن نسبة المعترضين للعنف الجسدي لم تتجاوز 3٪ إلا أن اللافت كان أن أكثر من نصف الأردنيين بنسبة 54٪ لا يعرفون كيفية التواصل مع المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات في حالة وقوع العنف الأسري أثناء حظر التَجول.
ومن الأرقام التي من ممكن الوقوف عليها رغم ضآلتها أن 1٪ أجابوا بنعم عما إذا كانوا يرون أن من حق الزوج ممارسة العنف على زوجته وهذا من الناحية السلبية. أما من الناحية الإيجابية فقد زاد الحظر من التواصل الاجتماعي بين الآباء والأبناء بنسبة 80٪.
ما هو رأي الدكتورة سلمى النمس؟
قالت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس أن هذه الأرقام والإحصائيات التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مبنية على استطلاعات رأي وليست دراسات وأبحاث.
وأضافت أنها ترى أن الإحصائيات لا تشير للواقع ولا تعكسه، بل أن هنالك حالات تعنيف لم يكن الاستطلاع قادرًا على الوصول إليها وذلك بسبب الحجر الحظر الصحي.
وتابعت أنه الأعداد التي تَصِل اللجنة الوطنية لشؤون المرأة هذه الفترة تحديدًا أكثر بكثير من المعتاد، موضحة أن اللجنة مخصصة فقط لرصد الحالات وليس لتقديم الخدمات.
وذكرت النمس أن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة تعمل بالتنسيق مع الفريق الوطني للحماية من العنف الأسري، وأضافت أنه فترة الحظر هذه أظهرت قصورًا واضحًا في منظومة الحماية في الأردن وذلك بسبب توقف منظومة العدالة عن عملها بالإضافة إلى اضطرار حماية الأسرة على العمل بعدد أقل، غير أنّ منظمات المجتمع المدني التي لديها دور كبير كانت غير قادرة على التحرك.
وأكدت أهمية مراجعة الجانب التشريعي لمنظومة الحماية وجانبها الإجرائي أيضًا الذي يؤثر على قدرة الوصول إلى مراكز الإيواء، ووصفت أن دور الإيواء الحكومية تدار بطريقة مشابهة للسجون حيث أنه يتم فصل الأم عن أولادها.
وأشارت النمس أن اللجنة قامت باقتراح خطة إعلامية للحكومة مفادها أن على الحكومة انتهاج خطاب إعلامي يؤكد رفضها للعنف على اختلاف أشكاله وتأكيد تعامل الحكومة بحزم مع حالات العنف المختلفة حتى خلال الحظر الصحي ولكن لم يتم الرد من قبل الحكومة، وأفادت أن اللجنة تقدم جزئيات من هذه الخطة وتمت الاستجابة من الإعلام بعد ظهور الأرقام والإحصائيات.
وأكدت أن تعريف القانون الأردني للعنف الأسري تعريف قاصر، ويتعامل مع العنف الأسري مجسدًا فقط بالعنف الجسدي وما ينتج عنه من إيذاء جسدي مرئي، أمّا بالنسبة للعنف النفسي أو الاقتصادي فهو غير معرّف في القانون الأردني.
ودعت النمس الحكومة لتعديل القانون لافتةَ إلى أن العنف الجسدي لا يحدث فجأة، إنما هو نتاج ممارسة العنف النفسي مرة تلو الأخرى.
ما هو رأي الدكتور موسى المطارنة؟
من جانبَ نفسي قال الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن الأزمات تؤثر على شخصية الفرد وعلاقاته وأسلوب تعامله مع الآخرين وتسبب ردات فعل مختلفة بناءً على نمط شخصيته.
وأضاف أنه هنالك من يواجه الأزمة ويفكر بوضع حلول لها سواء على دائرته الضيقة أو على مستوى محلي، ومنهم من يواجهها بالإنطواء والاكتئاب ومنهم أيضًا من يوجهها بالغضب والعصبية وتفريغ طاقاتهم السلبية بأذية الأخرين والتسبب بالضرر النفسي والجسدي لهم.
وأكد على أنه إن لم يتمكن الفرد من مواجهة هذه الأزمة والتغلب عليها بالصبر والحكمة فإنه قد ينتج عن عدم ضبط الذات ردود فعل غير مرغوب بها، كتفريغ غضبك على من حولك سواء بالصراخ أو الشتم أو العنف والأذى.
وشدد على ضرورة مساهمة أفراد الأسرة الذي يتشاركون المنزل نفسه في ضبط أنفسهم ومحاولة جمح الذات من الشتم والعنف الناتجان عن الضغط المتراكم من المكوث مطولًا في المنزل مع نفس الأشخاص، وعلى ضرورة أن يساهم كل فرد في الأسرة في تخفيف الضغط الواقع على باقي الأفراد محاولًا أن يمتص غضبهم وأن يقوم بتهدئتهم والفص بينهم في حال نزوع شجار أو مشاحنة سواء بين الأب والأم أو بين الإخوة.
وأوضح المطارنة أن من أهم أسباب نشوء العنف وممارسته نتيجة إسقاطات نفسية وعدم استقرار نفسية وحالة على عدم القدرة على احتواء المشكلة وهذا يتعلق على الوعي والقدرة على التفكير وهذا الذي يسبب رده الفعل النفسية هذه.
ما هو رأي المحامي عاطف الصوري؟
ومن جهة قانونية قال المحامي عاطف الصوري أن الجهة الرسمية صاحبة الاختصاص بقضايا العنف الأسري هي إدارة حماية الاسرة والتي جاء تأسيسها في مديرية الأمن العام كإدارة شرطية متخصصة في التعامل مع حالات العنف الأسري والاعتداءات الجنسية ضمن منظومة عمل أساسها السرية والخصوصية والتشاركية مع الجهات المختصة.
وأضاف أن إدارة حماية الأسرة تلتزم بالاستجابة لكل شكوى أو إخبار أو طلب مساعدة أو حماية تتعلق بالعنف الأسري بالسرعة القصوى، وعلى الجهات كافة حال تلقيها أي شكوى أو إخبار عن أي حالة عنف أسري تحويلها إلى إدارة حماية الأسرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.
وأوضح الصوري أن عند تلقي إدارة حماية الأسرة أي شكوى أو إخبار أو طلب مساعدة أو حماية تتعلق بالعنف الأسري أو تحويلها إليها من أي جهة وبعد التحقق من واقعة العنف الأسري تتخذ الإجراءات التالية:
تسجيل الشكوى أو الإخبار بالتفصيل.
تنظيم المحاضر اللازمة لكل حالة على حده.
ومن ثم نقل المتضرر إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي اذا اقتضت الضرورة ذلك،ونقل المتضرر وبموافقته إلى مكان أمن اذا اقتضت الضرورة ذلك وبالتنسيق مع الوزارة.
وأكد أن إدارة حماية الأسرة تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المبلغين والشهود وفقاً لنظام يصدر لهذه الغاية.
ما هو رأي المتطوعة شفاء أبو سمرة؟
وعرّفت المتطوعة بجمعية معهد تضامن النساء الأردني شفاء أبو سمرة العنف الأسري أنه إلحاق الضرر والأذى بأحد أفراد الأسرة، كالأم على أبنائها أو الأب على أبنائه أو والزوج على زوجته، أو العكس الزوجة على زوجها، لكن الإحصائيات تقول أن النسبة الأكبر تذهب للعنف الممارس على الزوجة من قبل زوجها.
وذكرت أن العنف الأسري له الكثير من الأشكال والأنواع فهنالك العنف الجسدي والعنف اللفظي والعنف النفسي والعنف الجنسي والعنف الاقتصادي كالحرمان المرأة من ميراثها أو سلب راتبها والاستيلاء عليها أو العكس.
وأرجعت أبو سمرة الأسباب التي تدعو الرجل إلى ممارسة العنف على زوجته أو بناته إلى أسباب اجتماعية كالثقافة الاجتماعية السائدة باعتقاد الرجل أنه له الحق في تعنيف زوجته أو بناته والسيطرة عليهم وحرمانهم من حقوقهم. بالإضافة إلى توريث الرجل وإعطاء ربّ الأسرة قدرٍ عالٍ من الهيبة، واعتقاده بأنّ مقدار رجولته يزيد كلما زادت قدرته على السيطرة على عائلته بالعنف أو القوة.
وتابعت أما الأسباب الاقتصادية يمكن تلخيصها بالوضع الاقتصادي المتردي للعائلة الذي بدوره يدفع الأسرة إلى التفكك والشعور بعدم الاستقرار، ومن البديهي أنّ الرجل عليه تأمين حياة آمنة لأسرته وشراء أساسيات الحياة فإن لم يستطع تأمين هذه الحاجيات بدافع تدهور وضعه الاقتصادي فهذا ينعكس سلبًا بشكل مباشر على حياة الأسرة وذلك نتيجة مشاعر الزعزعة وعدم الاطمئنان وارتفاع مستويات التوتر بسبب وضعه المادي الصعب.
وأردفت عن الأسباب النفسية أو الدوافع النفسية والذاتية التي تدفع الرجل للممارسة العنف على أسرته هي دوافع خارجية وداخلية، مبينة أن الدوافع الداخلية هي دوافع تنبع من داخل الإنسان كصعوبة التحكّم بالغضب، وتدنّي احترام الذات، والشعور بالنقص، واضطرابات الشخصية، وأبرزها تعاطي الكحول والمخدرات وما تنتجه من تأثيرات نفسية على شخصية الرجل.
أما الدوافع الخارجية فهي تتمثل بمعايشات عاشها الرجل في طفولته وتركت آثارًا جانية خلال مسيرة حياته، مثل: الإهمال أو تعرّضه لسوء المعاملة، كما قد تظهر هذه الدوافع بسبب مشاهدة الإنسان في سن الطفولة للعنف العائلي، أو مشاهدته للعنف المعروض على وسائل التواصل الاجتماعي كأفلام الكرتون العنيفة، مشيرة إلى أن هذه المعايشات والممارسات تتراكم ومع مرور الوقت تتجسد على اعتقادات يؤمن بها الرجل أنّ العنف الوسيلة الأمثل لضبط الأمور العائلية.