مراجعة جديدة مع صندوق النقد الدولي.. هل ترفع المزيد من الحماية الاجتماعية؟

الرابط المختصر

بعد انتهاء المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي من قبل صندوق النقد الدولي والحكومة مؤخرا، يبحث المواطنون عن التأثير الاقتصادي المحتمل لهذه الإصلاحات ومدى توافقها مع إطار رؤية التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للمواطنين.

فما يشغل بال المواطنين في المرحلة الحالية، هو الاهتمام بشبكة الحماية الاجتماعية، للحفاظ على استقرارهم وحمايتهم من الفقر والبطالة، خاصة في ظل الركود الاقتصادي الكبير الناجم عن آثار جائحة كورونا وتداعيات الحرب الإلكترونية الروسية.

تشير التقارير المحلية إلى  أن تدهور مستويات المعيشة للمواطنين أدى إلى تحول فئة الدخل المتوسط إلى الفئة المنخفضة، بالإضافة إلى تراجع قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات حكومية لمعالجة الثغرات الاقتصادية بطريقة تعود بالفائدة على المواطنين، بحسب اقتصاديين.

تقرير صادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت يبين أن الأردن، على الرغم من المشاركة في برامج التصحيح المدعومة من صندوق النقد الدولي في السنوات الماضية، شهد تدهورا في الأوضاع الاقتصادية، مرجعا ذلك إلى ارتفاع الدين العام والعجز المستمر في الميزانية، في حين تراجعت حماية الشبكة الاجتماعية التي تقدمها السلطات للمواطنين.

ويحمل التقرير عنوانا يدور حول "دور صندوق النقد الدولي في تقليص الحماية الاجتماعية، دراسات حالة من تونس والأردن والمغرب"، مشددا على أن "تعزيز الإنفاق الاجتماعي في الأردن يتطلب إصلاحات مالية هيكلية طويلة الأمد، تهدف إلى تخفيض الدين العام وتقليل تكاليف خدمة الدين وتكاليف الموظفين الحكوميين والإنفاق العسكري والأمني".

بعد الانتهاء من المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي من قبل صندوق النقد الدولي، تبين أن إجمالي الدفعات التي تلقتها الحكومة منذ بدء البرنامج في عام 2020 بلغ 1.3 مليار وحدة من الحقوق الخاصة للسحب، أي ما يعادل حوالي 1.750 مليار دولار.

ويعتبر وزير المالية محمد العسعس إلى أن الحكومة وبعثة صندوق النقد نجحتا في التوصل إلى اتفاق في المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في الوقت المحدد.

من جهته يشدد الصندوق على أهمية الاستفادة من التقدم الذي تحقق في الأردن خلال السنوات المقبلة، بهدف تخفيض الدين العام إلى ما دون 80% من الناتج المحلي، متوقعا استمرار نمو الاقتصاد الأردني في العام الحالي بنسبة 2.6%.

ويشير إلى أن معدلات النمو التي تتراوح بين 2% و3% غير كافية لتحسين مستوى حياة المواطنين، مضيفا أن معدلات البطالة في الأردن لا تزال مرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، وهذا يؤكد ضرورة الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية.

Radio Al-Balad 92.5 راديو البلد · الدكتور محمد أبو حمور يوضح تفاصيل المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي وتأثيرها على المواطنين

وبالرغم من برامج التصحيح المدعومة من صندوق النقد الدولي في السنوات الماضية والتي بدأت عام 1989، فقد شهد الاقتصاد الأردني من حيث مؤشرات ارتفاع الدين العام ( 42.8 مليار دولار) والعجز المستمر في الميزانية (2.5 مليار دولار)، وارتفاع البطالة (22.8%)، في حين تراجعت حماية الشبكة الاجتماعية لدعم الأسر الفقيرة، التي تقدمها السلطات للمواطنين.

 

تحديات اقتصادية تواجهها المملكة 

على الرغم من التحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل الدخل السياسي وصادرات الفوسفات والبوتاس، يؤكد وزير المالية السابق محمد أبو حمور أن الاقتصاد ما زال يواجه العديد من التحديات في تحسين مستوى حياة المواطنين، في وقت يؤكد فيه صندوق النقد الدولي أن الأردن يتجه في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بالسياسة النقدية والمالية.

ويرجع أبو حمور تفاقم الأوضاع الاقتصادية إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا وارتفاع أسعار الفائدة على المقترضين مع استقرار الدخول، وقد انعكس ذلك على ارتفاع الأسعار، خاصة في المواد الغذائية والنفط، وتأثرت الأردن وبقية العالم بهذا الارتفاع، مما أثر على المستوى المعيشي للمواطنين وأولوياتهم.

ويعتبر أبو حمور أن  تحسين الظروف الاقتصادية والمستوى المعيشي أمرا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحقيق نمو اقتصادي يفوق معدلات النمو السكاني بأضعاف، حتى يشعر المواطنون بالتغيير.

إحصائيات رسمية من المجلس الأعلى للسكان، تشير إلى  أنه يعيش أكثر من 15.7% من سكان المملكة تحت خط الفقر، ومعدلات البطالة وصلت إلى 52% ، فيما يبلغ معدل نمو السكاني 2.4 بالمئة حتى نهاية العام الماضي.

تقرير لمؤسسة فريدريش إيبرت يشير الى أن معدل البطالة الإجمالي في الأردن  يبلغ 25٪، على الرغم من أن 62٪ من السكان ينتمون إلى فئة العمر بين 15 و 65 عاما (في سن العمل). وتشهد الأردن مشاركة اقتصادية عامة منخفضة جدا بنسبة 34٪ فقط بحلول عام 2020.

ويرى الباحث الاقتصادي ليث العجلوني، الذي أعد الجزء المتعلق بالأردن في تقرير فريدريش إيبرت، أن الأردن شهد تدهورا ملحوظا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين خلال العشر سنوات الماضية. وتقدر وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن نسبة الفقر بلغت حوالي 24% في أغسطس 2021، وارتفع معدل البطالة بشكل ملحوظ ليصل إلى 22.8% في نهاية الربع الأول من عام 2022 بعد أن وصل إلى 25% في نهاية الربع الأول من عام 2021.

 

عدم فرض أي زيادات ضريبية هذا العام

يعتبر بعض المراقبين أن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة منذ أواخر الثمانينيات تحت مسمى "برنامج تصحيح اقتصادي" لا تعد إلا "انحيازا لصندوق النقد الدولي" وتنفيذا لسياسات اقتصادية أفقدت الدولة حقوقها في المؤسسات الحكومية بعد أن تم بيعها للقطاع الخاص.

إلا أن  أبو حمور يستبعد حدوث أي قرارات غير شعبوية في مخرجات المراجعة السادسة لصندوق النقد الدولي، نظرا لاتفاق الحكومة على عدم رفع الضرائب على الإطلاق خلال الفترة المقبلة على الأقل.

ويشير إلى أنه على الرغم من وجود عجز في الموازنة وارتفاع مستوى المديونية بشكل كبير، يعتبر صندوق النقد الدولي أن الحفاظ على هذا المستوى مناسبا.

وفي تصريحات حكومية سابقة، تؤكد عدم وجود أي نية لفرض مزيد من الضرائب والرسوم أو زيادة تحميل المواطنين بها خلال الفترة المقبلة.

وأكدت الحكومة أيضا تركيزها على تنفيذ الإصلاحات في مجالات السياسة والاقتصاد والقطاع العام، بهدف تحسين بيئة الاستثمار والتخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة.



 

إجراءات اقتصادية انكماشية

ويعتبر الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت أن سلسلة الحزم والإجراءات الاقتصادية والسياسات المالية والاقتصادية "النيوليبرالية"، التي اشترطها الصندوق على الأردن للحصول على التمويل رتبت إجراءات اقتصادية انكماشية أضرت بالفقراء والشرائح الوسطى في المجتمع.

 

ويوضح الكتوت  أن هذه السياسات تقضي بـ"رفع أسعار السلع على المواطنين والتوقف عن دعم سلع أساسية، وفرض الضرائب غير المباشرة وتحديدا ضريبة المبيعات وتحرير التجارة الخارجية، وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات في قطاعات حيوية ورفع الحماية عن الإنتاج الوطني، وتولّي القطاع الخاص قيادة الاقتصاد، وإلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية وتحرير أسواق المال، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة".

 

تاريخ طويل من برامج الصندوق

وتعود علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي إلى عام 1989، عندما طلب الأردن مساعدة صندوق النقد الدولي بعد أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في الجزء الأخير من ذلك العقد. وتم توقيع الاتفاقية الأولى في عام 1989 بهدف تقليل عجز الموازنة.

 

وأعقب هذا الاتفاق ست اتفاقيات أخرى، إلى أن "تخرج" الأردن من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014.

 

وفي كانون الثاني/ يناير 2020، وقبل شهرين فقط من انتشار جائحة COVID-19 في الأردن، فقد توصلت السلطات إلى اتفاقية تسهيل الصندوق الممدد النهائي مع صندوق النقد الدولي، ليتفق مؤخرا على مراجعة جديدة سيعقبها برنامج جديد.

 

الكاتب والمحلل الاقتصادي، سلامة الدرعاوي، رأى أن هناك ثلاث مشكلات مزمنة ستظل تعكر صفو عمليات الإصلاح الاقتصادي يلخصها بـ: "مديونية شركة الكهرباء الوطنية، وبند المعالجات الطبية (الإعفاءات) خارج تقديرات الموازنة، ودعم السلع عوضاً عن دعم المواطن".

 

ويتابع: "كل هذه القضايا تحتاج إلى قرارات إدارية جراحية وعميقة في الاقتصاد، ويجب أن تكون في أيدي مسؤولين قادرين على إدارة الأزمة بشكل صارم دون تردد في اتخاذ القرار الصائب".

التعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

استمع لبودكاست عدالة اجتماعية:

Radio Al-Balad 92.5 راديو البلد · كيف تكدست الثروة في يد 10% من الشعب في الأردن بسبب الضرائب؟