"المنقلة" لعبة من الأجداد إلى الأحفاد

الرابط المختصر

"المنقلة" وهي إحدى الألعاب التراثية الشعبية القديمة المتوارثة بين الأجيال، حيث كانت وما زالت تمارس في وسط مدينة السلط في ساحة العين تحديدا، منذ ايام الحكم العثماني الذي أدخل اللعبة إلى الأردن قبل 400 عام ، تمارس حتى الآن بشكل يومي في الساحة في من قبل روادها وسكانها.

 

كانت اللعبة سابقا تمارس من قبل الأجداد ووصل  عدد لاعبيها في مدينة السلط قديما 27 لاعباً، إلى أن أصبحت اليوم حديث الشارع، وتحدي يريد الجميع وبخاصة جيل الشباب إتقانه من زوار وسائحين. 

التقطت الجمعية الأردنية للمحافظة على التراث في البلقاء هذا الأمر وشرعت بتنظيم بطولة سنوية الأولى من نوعها للمنقلة في مدينة السلط يشارك فيها  عدد من أفراد المجتمع؛ مما يوسع رقعة انتشارها وممارستها في كل عام.

وعلى مدار أربعة أعوام متتالية قامت الجمعية بتدريب ما يقارب (14-15) شاب وشابة في كل عام، تراوحت أعمارهم بين (8-30) عاماً، حيث أصبحوا متقنين لها قادرين على تعليمها ونقلها إلى أقرانهم لتجربتها واللعب بها.

 

أدهم قطيشات البالغ من العمر (١٥ عامًا)  وهو أحد متدربي المبادرة  يقول إن اللعبة كانت بمثابة تجربة جديدة له بينما إعتاد الألعاب الإلكترونية التي يفتقد فيها أجواء اللعب الحقيقي أمام الخصوم ومشاهدة ردود أفعالهم ، مضيفا ل "صوت شبابي" خلتني  المنقلة اصير راويًا مميزًا ومدربًا لأصدقائي على تقنياتها بها مما يجعلها من الألعاب الفريدة والمفضلة لي بالإضافة أنها نشطت عملية الحساب لدي كنت اشكو الضعف فيها سابقًا".

قالت الشابة ليلى حسين البالغة من العمر (٢٠ عامًا) أنها تعرفت على اللعبة في أحد الزيارات لسوق السلط ومشاهدتها عدد من الرجال يجتمعون للعب في ساحة العين ،حيث أثار المشهد فضولها للتعلم والتجربة وشاركتهم هذه التجربة التي وصفتها بمزيج غريب وديناميكية تعمل على إستهداف كل الحواس للتمكن من الفوز بها

كانت اللعبة قديما تمارس من قبل كبار السن، وتقتصر على من يجيد لعبها، ولم تكن معروفة لدى أبناء الجيل الجديد ن مما دفع  الدكتور إبراهيم المصري  لإطلاق مبادرة لإعادة إحياء "لعبة المنقلة" ويوفرها في متجره التراثي الواقع ضمن متحف السلط التاريخي "بيت أبو جابر"، مستهدفا بمبادرته الشباب واليافعين والسائحين للمدينة من خلال تعليمهم طريقة اللعبة وسرد القصة التاريخية لها.

يقول المصري وهو نفسه أحد لاعبي ومدربي المنقلة  ل "صوت شبابي" :عملنا على إشراك المجتمع المحلي من اليافعين والأطفال على التعرف على هذه اللعبة وطريقة لعبها بشكل مجاني، كما عرضناها على زوار المدينة والسائحين لخلق تجربة جديدة لهم والمحافظة على هذا الموروث من الاندثار كما عملت المبادرة على استهدف عدد من طلاب المدارس والجامعات وتدريبهم عليها.

أما عن مكونات لعبة المنقلة فهي عبارة عن لوحتين متقابلتين من الخشب منها من تتكون من خشب الجوز أو الزان، وكانت قديما تحفر على الصوفي الرملية، وتتكون أداة اللعبة الرئيسية من الأحجار، وتكون عادة من أحجار السيل الصغيرة الناعمة على يد اللاعب والسهلة في انتقالها بين أجزاء اللعبة.

تحتوي المنقلة أيضا على سبعة أجران كانت تسمى قديما "بالعيون" في كل جانب تملأ هذه الأجران بمعدل سبعة أحجار في كل جرن ليصبح عددها الكلي (98) حجراً، تقوم اللعبة على لاعبين رئيسيين وكما جرت العادة قديما يكرم الأصغر سنا بين اللاعبين الأكبر منهم للبدء فيها.

أما عن آلية عمل اللعبة يختار اللاعب الأول إحدى الحفر الستة التي من جهته، يفرغ منها كافة الحجارة، ويبدأ بتوزيعها – حجر في كل حفرة، بعكس اتجاه الساعة. إن كان قد مر على إحدى حفر الهدف، فيضع فيها كذلك حجرًا، ويستمرّ بعكس اتجاه الساعة إلى حفر اللاعب الثاني، الذي يفرغ بدوره إحدى الحفر التي من طرفه، ويبدأ بتوزيع الحجارة إلى اليمين، كذلك بعكس اتجاه الساعة.

تستمر اللعبة بهذه الصورة، حتى تنتهي الحجارة كلها في حُفر أحد الأطراف، فيأخذ كل الحجارة الباقية في حفر اللاعب المنافس، وينقلها إلى حفرة الهدف الخاصة به، وبذلك يكون اللاعب الفائز، هو اللاعب الذي يحصل على أكبر عدد من الحجارة في حفرة الطرف التي على يمينه،

 

يقول  المصري إن " المنقلة" " تساعد على تحفيز الذاكرة وتنشيط القدرات الحسابية، لأنها تحتاج إلى مهارة الحساب وبناء استراتيجي واصفا إياها مثل كرة القدم من حيث الدقة والدهاء، و نعمل على إدراج هذه اللعبة على قائمة التراث العالمي؛ لأن هذه اللعبة تعد تحفة عبقرية من صنع الإنسان يجب على الجميع معرفتها وإتقانها.

من جهته قال المصري أنه التقط عدداً من الصور لمباني داخل مدينة السلط، واجدا هذه اللعبة محفورة داخلها؛ مما يؤكد وجودها في المدينة منذ القدم بالإضافة لوجودها محفورة داخل الرمل في مدينة البتراء وهي إحدى عجائب الدنيا السبع بمكوناتها الفريدة؛ مما يؤكد أهمية هذه اللعبة وارتباطها الوثيق بالتاريخ الأردني على مر العصور قبل الحقبة العثمانية بكثير .

ويذكر المصري أن هناك من عدد من السائحين يعودون إلى زيارة المدينة، ويعرضوا له عدداً من الصور في أثناء زيارتهم السابقة ولعب المنقلة برفقته مستذكرين هذا التحدي الممتع الذي يتناقله مع مجتمعهم مشجعين لهم لتجربتها والاستمتاع بها، كما أنه تم التواصل معه من بلدان عديدة لطلب هذه اللعبة والتعرف عليها.

ويختم  المصري حواره بالحديث عن أهمية الترويج للعبة وتشجيع أبنائنا على تعلم مثل هذه الألعاب التراثية بدلا من الإلكترونية الضارة على عقولهم وصحتهم، وأن التراث هو بمثابة هوية مميزة يحملها الإنسان أينما حل وارتحل تميزه حين يتمسك به، ويرويه من أضيق مجتمع له وهو بيته إلى أكبر مجتمع وهو العالم بأكمله.