الباحث قطيشات : تحديات وفرص في مجال الذكاء الاصطناعي أمام الباحثين الشباب
"لقد حان الوقت لنفهم أن المستقبل ليس مرتبطًا بالجغرافيا التقليدية، بل بما تمتلكه الدول من قدرات تكنولوجية، البحوث العلمية بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي ستكون مفتاح القوة الجديدة". بهذه الكلمات استهل الباحث ياسر قطيشات حديثه لـ"صوت شبابي"، معبّرًا عن شغفه بالتكنولوجيا ودورها في تشكيل مستقبل الدول، ياسر، الباحث الشاب الذي حصد المركز الثاني في "جائزة تريندز هاب للبحث العلمي"، قدّم بحثاً متميزاً يتناول الانتقال من القوة الجيوسياسية التقليدية إلى القوة التكنوسياسية الحديثة، مع تسليط الضوء على الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في العلاقات الدولية في ظل معايير عالية ومنافسة قوية بين 78 باحثًا من مختلف أنحاء العالم.
حول الجائزة والبحث وأسباب اختياره
جائزة "تريندز هب للأبحاث العلمية" هي جائزة مرموقة تُمنح في مجال البحث العلمي، وتهدف إلى تشجيع الباحثين الشباب على الابتكار في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. نشأت هذه الجائزة في الإمارات العربية المتحدة، وتعتبر منصة دولية تعترف بالإنجازات المتميزة في الأبحاث التطبيقية، الجائزة تسلط الضوء على الأبحاث التي تسهم في تقدم القطاعات الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي، وتقدم للباحثين الفائزين دعمًا ماديًا وفرصًا للتعاون مع مؤسسات بحثية عالمية.
التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، ستكون العمود الفقري لإدارة الشؤون السياسية الدولية في المستقبل وإدارة العلاقات الدولية في عصر الذكاء الاصطناعي، هو سبب اختيار قطيشات لموضوع البحث وكيف يمكن لهذه التقنيات أن تغيّر نسق التفاعلات بين الدول" واختار له عنوان "إدارة العلاقات الدولية في عصر الذكاء الاصطناعي: من الجيوسياسي إلى التكنوسياسي". ويتناول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مكانة الدول في النظام الدولي، وما قد ينجم عنه من تحوّل في مفاهيم القوة.
الذكاء الاصطناعي والتحديات المجتمعية
وعن كيفية مساهمة الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة البحث العلمي وحل التحديات المجتمعية، أجاب قال قطيشات "الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو وسيلة لفتح آفاق جديدة للبحث العلمي"، وأوضح أن هذه التقنية قادرة على تحليل البيانات الكبيرة والمعقدة بسرعة فائقة، مما يساهم في كشف الأنماط غير المرئية بالطرق التقليدية، خاصة في مجالات مثل الاقتصاد، البيئة، والطبن مضيفا أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالأزمات وتقديم حلول استباقية لها، مما يساعد الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في وضع خطط مستقبلية أكثر دقة وفعالية، و هذه القدرات تجعل من الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية لتطوير المجتمعات وحل مشاكل مثل الفقر، التعليم، والرعاية الصحية.
التحديات التي واجهت الباحث
لم يكن طريق قطيشات خاليًا من الصعوبات، حيث أشار إلى أن العمل في مجال التكنولوجيا يتطلب متابعة مستمرة للتطورات المتسارعة. وذكر أن نقص المحتوى العربي الأكاديمي على الإنترنت كان من أبرز التحديات التي واجهته، مشيرًا إلى ضعف محركات البحث الداعمة للغة العربية وقلة المصادر الموثوقة باللغة العربية وحاجة الباحث العربي إلى مضاعفة الجهود لتجاوز العقبات التقنية واللغوية"، مضيفًا أن التعاون الدولي والورش التعليمية كانت من الأدوات التي ساعدته في التغلب على هذه التحديات، لكنه شدد على أن هناك حاجة لتضافر الجهود العربية المشتركة لدعم البحث العلمي وتطوير المحتوى الرقمي العربي.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على البحث العلمي
وردًا على سؤال حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي الشباب تجاه البحث العلمي، قال قطيشات "وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين"، موضحاً أنها تتيح للشباب فرصاً عظيمة للتواصل مع الباحثين والعلماء وتبادل الأفكار، ومع ذلك، حذر قطيشات من خطورة انتشار المعلومات المغلوطة والمحتوى غير الموثوق، ما يمكن أن يشوّه وعي الشباب حول البحث العلمي.
وفي ظل انتشار المحتوى السطحي على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يرى قطيشات أن البحث العلمي يحمل مسؤولية إضافية. "إننا اليوم نواجه أزمة في نوعية المحتوى المقدم للجمهور دور الباحثين يتجاوز نشر أبحاث أكاديمية إلى تقديم محتوى يُعزز الفهم المجتمعي ويُلهم الأجيال الجديدة، البحث العلمي هو البوصلة التي توجه المجتمع نحو الابتكار الحقيقي."
" أن التعلم المستمر والتأمل النقدي هو السبيل للابتعاد عن المحتوى الفارغ الذي ينتشر عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية" مؤكدا "نحن بحاجة إلى تبني روح البحث العلمي في حياتنا اليومية، حيث لا يجب أن نأخذ المعلومات على علاتها، بل علينا التفكر فيها وفهم سياقاتها وتطبيقها بطريقة تساهم في تحسين حياتنا ومستقبلنا."
التحديات: التمويل والدعم المؤسسي
"البحث العلمي في الأردن يواجه العديد من التحديات، أبرزها نقص التمويل وقلة البنية التحتية المخصصة للأبحاث وكثير من الباحثين يضطرون إلى العمل بموارد محدودة، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة وكمية الأبحاث المنتجة.، بحسب قطيشات ويضيف "أن أحد أكبر التحديات هو تحويل الأفكار البحثية إلى تطبيقات عملية تخدم المجتمع، "العديد من الأبحاث تظل حبيسة المكاتب الأكاديمية ولا ترى النور بسبب غياب الدعم المالي والمؤسسي، علينا تطوير بيئة بحثية تمكّن الباحثين من تحويل أفكارهم إلى حلول عملية ملموسة."
واقع وأرقام
الأبحاث العلمية في الأردن تشهد اهتمامًا متزايدًا، حيث تركز على توظيف التقنيات الحديثة لمواجهة التحديات الوطنية. من أبرز الجهات التي تدعم هذه الجهود هو صندوق دعم البحث العلمي والابتكار، الذي أُنشئ بموجب قانون التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2005 وتم دمجه مع وزارة التعليم العالي عام 2018 تحت الاسم الحالي. الصندوق يهدف إلى دعم البحث العلمي التطبيقي والابتكار في المملكة عبر تمويل مشاريع تسهم في التنمية المستدامة ومعالجة التحديات الوطنية مثل الأمن القومي، المياه، والطاقة وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، يركز الصندوق على نشر ثقافة الابتكار وبناء القدرات البحثية والريادية، مع التركيز على المجالات ذات الأولوية مثل الذكاء الاصطناعي، الهندسة، والزراعة. على سبيل المثال، يُعنى الصندوق بدعم الأبحاث المتعلقة بتوظيف الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأمراض الفيروسية، تطوير تقنيات الطاقة المستدامة، وإيجاد حلول للازدحام المروري وغيرها.
وفقًا لآخر إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2023، بلغ عدد طلبة الماجستير في مختلف جامعات المملكة 7,318 طالبًا، بينما كان عدد طلبة الدكتوراه 1,050 طالبًا، أما عدد طلبة الاختصاص العالي فقد بلغ 4 طلاب فقط في جميع الجامعات الحكومية والخاصة، مما يعكس تطورًا متزايدًا في قطاع التعليم العالي
الذكاء الاصطناعي: المجال الذي يتسع للجميع
يؤمن قطيشات أن الذكاء الاصطناعي هو أحد المجالات التي تشكل مفتاح المستقبل، إذ يقول ل"صوت شبابي" "الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية عابرة، بل هو أساس العديد من التطورات التي نعيشها اليوم وسيعيشها الأجيال القادمة، علينا أن نكون على استعداد لتقديم أبحاث تساهم في تطوير هذا المجال وتكييفه مع احتياجات المجتمع."
يؤكد قطيشات على ضرورة تدريب الشباب في هذا المجال وتقديم الفرص المناسبة لهم لتطوير مهاراتهم، "التعليم والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن يكونا على رأس أولوياتنا، فالمستقبل يتطلب منا أن نكون مستعدين لقيادة التطورات وليس مجرد متابعين لها."
ويضيف ياسر ل "صوت شبابي": " كما أن منصات التكنولوجيا الحالية، مثل "CloudLabs" و "OpenAI" تتيح للباحثين العمل على مشروعات معقدة، خاصة لجهة تيسير الحصول على المراجع والمصادر العالمية بوقت قصير وبجودة عالية، وكذلك سهولة تحليل المعلومات وفحصها من مصادر متعددة تُعزز من جودة البحث العملي، مما يعني التغلب على العديد من المشاكل التي كانت تواجهنا سابقًا".
تطوير القدرات: رؤية نحو المستقبل
يؤمن قطيشات بأن البحث العلمي ليس فقط وسيلة لإيجاد حلول للمشاكل الحالية، بل هو أداة لتطوير القدرات الفردية والجماعية، "البحث العلمي يعزز من قدرة الإنسان على التفكير النقدي، ويشجع على الابتكار والإبداع، يجب أن نزرع في الأجيال الجديدة روح البحث والفضول العلمي."
وأضاف قطيشات لـ"صوت شبابي": "نحتاج إلى رؤية وطنية تدعم البحث العلمي كجزء أساسي من التنمية الشاملة، يجب أن يكون هناك تعاون بين القطاع الأكاديمي والقطاع الصناعي والحكومي لتوجيه الأبحاث نحو المجالات التي تحتاج إلى تطوير، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة."
ويختم قطيشات بالقول " نحن بحاجة إلى بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل وتسليحهم بالعلم والمعرفة، فقط من خلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي سنحقق ذلك"، إذ لا يمكن أن نحقق تقدمًا حقيقيًا دون الاستثمار في البحث العلمي، نحن بحاجة إلى التفكير في المستقبل والعمل على تطوير حلول للتحديات التي قد تواجهنا."