قبل الثامن من كانون الأول الماضي كانت فكرة العودة إلى الوطن تبدو حلماً مستحيلاً بالنسبة للكثير من اللاجئين السوريين بمختلف أعمارهم، ولكن الآن فتح سقوط الدكتاتور "بشار الأسد" الباب أمام عودتهم مع القليل من الترقب المشوب بالحذر، ولكن كيف ينظر الأطفال السوريين ممن ولدوا داخل الأردن، سواء في المخيمات أو خارجها إلى هذه العودة، وهل تعني لهم شيئاً وهم الذين لم يروا وطنهم ولم يعيشوا فيه من قبل.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة وُلد ما لا يقل عن 168,500 طفل سوري في الأردن منذ عام 2014، ، وهم جزء من مليون طفل تقريباً ولدوا لآباء سوريين في المنفى في جميع أنحاء العالم خلال الفترة ذاتها.
وبعد 13 عاماً من الحرب، لا تستطيع الغالبية العظمى من أطفال سوريا سواء أولئك الذين ولدوا فيها أم خارجها تصور مستقبل في بلدهم، ووفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمة "أنقذوا الأطفال" قال 86% من أطفال اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع في الأردن ولبنان وتركيا وهولندا أكدوا أنهم لا يرغبون في العودة إلى بلدهم الأصلي.
حلم غامض
فيما يرنوا بعضهم للعودة إلى بلادهم بدافع عاطفي ، رغم أنهم لم يطأوا أرضها، ولم يروا طبيعتها أو أزقتها، ولكن فكرة الوطن تسكنهم مثل حلم غامض، ويشعرون بالشوق لمعرفة هذا الوطن الذي طالما سمعوا عنه، ومعاينة الأماكن التي شكلت ذاكرة أهاليهم، ومن جهة أخرى، يساورهم القلق مما ينتظرهم هناك، خصوصاً أن الأخبار التي يسمعونها قد تكون مليئة بالقصص عن الدمار والمعاناة.
ومن هؤلاء الطفل السوري "عبد الله الصباغ" 13 الذي ولد في الأسبوع الأول من وصول والدته إلى مخيم البشابشة في الرمثا ويتشوق للذهاب إلى مدينة والديه "حمص" التي دأب المحيطون به الحديث عنها وعن جمالها وبساطة الحياة فيها وطيبة أهلها، وأضاف الطفل الذي يعيش في مدينة المفرق ويتهيأ مع عائلته للعودة إلى بلاده بعد شهرين أن أكثر ما سيفتقده هنا أصدقاءه ومدرسته ومعلمته".
ومثل عبد الله قالت "جنين" 12 عاماً التي ولدت على أرض المملكة الأردنية الهاشمية ولم ترَ وطنها سوريا مطلقاً لدى سؤال "عمان نت" لها إن كانت ترغب بالعودة إلى سوريا بعد تحررها من الظلم والإستبداد إنها تفضل الرجوع إلى سوريا لأنها بلدها كما هي الأردن، وأضافت بنبرة عفوية: " مثلما للإنسان أم وأب وأخوة، فإن سوريا هي أمي وأبي…والأردن هو الأخوة".
وفيما ينتظر أطفال آخرون انتهاء العام الدراسي قبل العودة مع عائلاتهم فإن الأمر مختلف بالنسبة للطفل "علاء الحريري"- 7 سنوات- والذي تنحدر عائلته من مدينة بصرى الحرير بريف درعا إذ يعاني من مشاكل في النمو، وهو الآن يحصل على المساعدة من معلمين ذوي احتياجات خاصة من منظمة غير حكومية محلية تدعم ذوي الإعاقة.
وقالت والدته "أم تيسير" لـ "عمان نت" : "سيكون من المستحيل بالنسبة لنا العودة إلى درعا إذا لم تكن هناك مثل هذه المراكز، وأعتقد أن هذا قد يستغرق بعض الوقت، ربما عاماً أو أكثر ولكن في النهاية سنعود".
للجغرافيا نداء سحري
ويرى الأديب والمحامي السوري "سليمان نحيلي" الذي يعيش في الأردن منذ بداية الحرب في بلاده "لـ "عمان نت" أن الانتماء إلى الوطن يختلف بين من وُلد على الأرض السورية وعاش وترعرع فيها، تنسّم هواؤها وشرب ماءها وعايشَ تقاليدها وأعرافها وأعيادها ،زار أوابدها التاريخية ،وقرأ صفحات عن رموزها وأبطالها.
وبين من وُلد خارج وطنه حاملاً صفة لاجئ قبل أن يطلق عليه اسم، ولا يعرف وطنه إلا على الخارطة، ولا يعلم عنه إلا ما سمع من أهله وذويه.
وأوضح نحيلي أن "الأول عشق وطنه وفقاً للمشاهدة الحسية والتفاعل الحي مع أهله وذويه وشعب وطنه لذلك فهو في حال ابتعاده عن وطنه ستهبّ عليه عواصف الحنين لهذا الوطن والشوق لأهله".
وتابع محدثنا أن للجغرافيا نداء سحري لا يسمعه إلا صاحب الجغرافيا، والحنين لايتأتّى إلا تجاه شيء معروف عاشه وعايشه المرء في الماضي وبات محروماً منه في الحاضر.
أما الثاني المولود لاجئاً خارج جغرافيا وطنه فإن الشعور بالحنين لديه غير معروف أو إنه شعور لم يختبره من قبل لأنه لايعرف وطنه، وبالتالي فإن شعوره-كما يقول- أقرب إلى رغبة في اكتشاف الوطن لأنه شيء جديد لم يعرفه بعد ،إنه شعور أقل من الحنين ، ربما هو حنين على السماع .
الانتماء وراثي
ولا شك أن العامل الجغرافي يلعب دوراً أساسياً في إذكاء شعلة الانتماء إلى الوطن إلا أنه ليس هو العامل الوحيد ذلك أن مفهوم الانتماء إلى الوطن وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بوالديه.
وبحسب نحيلي فإن أهمية هذا العامل تبرز في حالة الطفل الذي ولد وأهله في بلاد اللجوء، إذ يساهم الأهل في بناء مشاعر الانتماء للوطن لتترسخ تلك المشاعر بعد تقدم الطفل في العمر واحتكاكه مع أقرانه حيث يتشكل لديهم شعور جماعي يربطهم بوطنهم المبعدين عنه.
مخاوف عدة
وبدوره علق الصحفي والناشط المهتم بشؤون اللاجئين "عاصم الزعبي" أن مسألة الإنتماء للوطن عادة ما ترتبط بالأهل، فهناك عائلات يلعب فيها الوالدان دورا مهما بتعرف أطفالهم بالوطن الأم أو البلد الأم، وهناك أطفال عادوا بعد سقوط نظام الأسد ولديهم خلفية عن سوريا بشكل جيد، حتى ما خلفته الحرب فيها من دمار.
وعلى الجانب الآخر هناك أطفال ولدوا وعاشوا في الأردن في المخيمات وخارجها لا يعرفون بلدهم إلا بالاسم وأنها تعرضت للحرب.
ولفت محدثنا إلى أن ما يحول بين عودة السوريين ومن ضمنهم الأطفال متعلق بالعديد من المخاوف فلا تزال الرعاية الصحية مثلاً محدودة في الكثير من المناطق رغم الجهود المبذولة حاليا لتطويرها،و هناك نقص في تجهيزات المراكز الصحية والمشافي، ونقص في بعض أنواع الأدوية.
وبالنسبة للتعليم، فهناك-كما قال- تخوف من جودة التعليم خاصة أن النظام السابق تسبب بدمار العملية التعليمية، من خلال تدمير المدارس، وملاحقة المعلمين ما أدى لسفر الكثير منهم ما أدى لنقص في الكوادر التعليمية.
وهناك بعض الأهالي يتخوفون من اندماج أطفالهم مع نظام تعليمي مختلف، ومناهج مختلفة.
وتابع الزعبي أن هناك مخاوف أخرى مرتبطة بالجانب الإقتصادي حيث هناك أزمة في سبل العيش والبلد لا تزال تعاني من الحرب والفترة السابقة.
أيضاً لا تزال بعض المخاوف الأمنية موجودة حيث هناك تصور لدى قسم من الأهالي أن سوريا تحتاج لبعض الوقت للاستقرار الأمني.
ووفق أرقام رسمية صادرة عن وزارة الداخلية الأردنية، عبر نحو 19 ألف لاجئ سوري الحدود إلى سوريا في الأسابيع الأخيرة. لكن في الوقت الحالي، لا يزال هناك ما يقرب من 1.3 مليون سوري في الأردن، ولا يزال الكثير منهم مترددين في اتخاذ هذه الخطوة نحو المجهول.