"استغرقني وقتا طويلا للبحث عن عمل وعندما وبعد جهد جهيد وجدت عملا براتب شهري لم يصل ل 200 دينار، هو الأصغر بين شقيقين وتسع شقيقات جميعهم متزوجون".
هكذا بدأ العشريني خالد حديثه عن وضعه المالي والعائلي الصعب، يصف علاقته بعائلته بالجيدة لكنه لم ينسى أنهم كانوا غائبين عنه في طفولته ومراهقته ولم يوجهوه كما يقول بالطريقة الصحيحة "تركت المدرسة وأنا بالصف العاشر على الرغم من مستواي العلمي الجيد، بسبب الظروف المادية ".
ومما زاد من صعوبة ظروفه انه يعمل مساعد ميكانيكي، يقول خالد لـ"صوت شباب" : الشغل مش عيب بس صاحب الشغل حرفيا استعبدني إهانات ومعاملة السيئة، ما قدرت اتحمل وتركت الشغل، لقيت لحالي لحالي بدون تعليم ولا شغل ولا مصاري عشان هيك فكرت بالانتحار وحاولت فعلا لكن الحمدالله اهلي وجيراني لحقوني "يشعر خالد اليوم بندم كبير بعد تجاوزه لتلك المحنة."
بينما كان آخر ما نشرته "مرح" على حسابها الشخصي على فيسبوك"حتى انت يا بروتوس" وهو اقتباس من رواية مشهورة تتحدث عن الخيانة، كانت وقتها في العشرين من عمرها، في آخر فصل دراسي لها في الجامعة، لم تستطع عائلتها انقاذها ومنعها فخسرت حياتها انتحارها بشنقها نفسها، بسبب ضغوطات نفسية واكتئاب وشعورها بالوحدة بعد خلافات مع خطيبها، كما قالت والدتها، التي بالكاد تحدثت عن القصة مشددة على الأهل أن يفتحوا أعينهم جيدا ويستمعون لأولادهم وبناتهم أحيانا تحت الهدوء الذي يظهرونه غليان لا نعرف عنه"
انتشر خبر في عدة وسائل إعلامية نهاية شهر آب/أغسطس عن انتحار شاب بعد أن وجدت رسالة بجانبه أنه أقدم على الانتحار بسبب الظروف المادية الصعبة وعدم توفر فرصة عمل له، مما سبب له الاكتئاب وضيق الحال.
أسباب ودوافع الانتحار
يقول المختص في الأمراض النفسية الدكتور منير الصبيحي، إن "الإكتئاب والقلق والخوف من المستقبل والتفكير في مآسي الماضي هو أحد أهم أسباب ودوافع الانتحار والذي يتولد لدى الشباب بسبب المعاناة من الفقر والبطالة والظروف المعيشية الصعبة والضغوطات المجتمعية على الشباب مبنية على عادات وتقاليد مرتبطة بصورة نمطية وأفكار خاطئة، كالعمر المحدد للزواج، وضرورة الإنجاب بعد الزواج مباشرة للمتزوجين، والضغط الكبير على الشابات وتغلغل فكره الجنادرية وغيرها من الأفكار والاضطرابات والأمراض النفسية حالة يجب معالجتها لأن إهمالها يؤدي للانتحار، مضيفا أن تعاطي المخدرات أيضا قد يكون مسببا رئيسيا للانتحار".
وأوضح الصبيحي ل "صوت شباب" عدم وصول الشباب إلى الموارد والخدمات الصحية أو حتى حصولهم على القليل منها يؤدي لتنامي رغبتهم بالانتحار الذي تتطلب الوقاية منه مزيد من الرعاية والاهتمام بالمجتمعات على مستوى الفرد والأسرة ومقدمي الرعاية ، مبينا أن اتخاذ الإجراءات الفعالة في الوقت المناسب من قبل جميع أصحاب المصلحة–أي الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجتمعات، والأسر، والأفراد - أن يخلق الأمل من خلال العمل وخلق فرص عمل والتقليل من نسبة البطالة للحد من السلوك الانتحاري" هذا و يشير التقرير السنوي الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2023، أن نسبة البطالة بلغت 21.4.
وتشير إحصائيات المركز الوطني الأردني للطب الشرعي، وقوع 145 حالة انتحار في العام 2022، 109 ذكور و 36 إناث، مقارنة ب 167 حالة عام 2021، 125 ذكور و42 إناث.
وكانت أظهرت بيانات دائرة الإحصاءات العامة، ارتفاع أعداد حالات الانتحار في الأردن العام 2021 إلى 186 بنسبة 10 % مقارنة مع 2020، حيث سجلت 169 حالة.
وحسب البيانات فإن عدد حالات الانتحار المسجلة للعام 2021، هي الأعلى منذ 2017، ووصلت إلى 130 حالة.
جحيم الأسر يؤدي للانتحار
المُحيط الإجتماعي للفرد له الأثر الكبير على تصرفات وسلوكيات الأفراد حتى ولو كان قرار الإنتحار فعل شخصي ومحض، بحسب رئيس قسم الإرشاد في جامعة اليرموك والدكتور في أصول التربية والإرشاد النفسي محمد الصبريني" و على وجه الخصوص المشاكل الأسرية التي قد تكون جحيم بالنسبة لأفرادها ليهربوا منها منتحرين، إذ أن ملامح البناء الإجتماعي تُساهم بشكل مُباشر أو غير مباشر بتنامي السلوك الانتحاري من خلال ربطها ب(الدين، الحالة الإجتماعية، الظروف الإقتصادية...)، ومن الأمثلة، أن مُعدلات الإنتحار عند الأرامل والمطلقين أكثر من المُتزوجين، كذلك مرتفعة عند الأشخاص الذين يعانون من أزمات اقتصادية أكثر من الأغنياء، وهي منتشرة بين المجتمعات التي تعاني من الحروب والأزمات والفقر والبطالة والشعور بالفراغ" على حد تعبيره.
وأضاف الصبريني ل "صوت شبابي":ليس بالضرورة أن يكون سبب الانتحار فقرا أو مرضا، بل قد يكون فشل في العلاقات الاجتماعية مثل الحب والزواج أو فشل في العمل، أو خوف من الوصمة منوها لضرورة تحسين التربية من خلال تطوير الأفكار والقناعات وزيادة الوعي لدى الشباب مثلا من خلال وسائل الإعلام وحملات التوعية".
الانتحار محرم في كل الأديان
قال الدكتور المتخصص في الشريعة الإسلامية خالد الجبول، أن ضعف الوازع الديني عند فئة الشباب، وعدم إدراك خطورة الانتحار. والتي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في العيش إضافة إلى التعرض للعقاب يوم القيامة، مضيفا ل "صوت شبابي" على الشباب الوعي بأن ظنه بأنه سيضع حدا بانتحاره لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍآت نفسية أو اجتماعية أو ظروف غير جيدة، هو اعتقاد خاطئ نابع من قلة إيمان ووعي وهو محرم كما هو معروف بكل الأديان ".
عقوبة وحبس على من يفشل بالانتحار بالأردن
ويواجه من يحاول الانتحار عقوبة في القانون الاردني، يبين المحامي بهاء الدين الهيلات، أنه بعد ارتفاع عدد حالات انتحار في عام٢٠٢١، تم تعديل القانون تجريم الشروع على الانتحار، حيث يعاقب بغرامة مالية لا تزيد على مائة دينار والحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر كل من يحاول الانتحار في مكان عام، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على أن تشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي.
وبين الهيلات ل "صوت شبابي: أن المشرع قصد من ذلك اعتبار هذا الفعل جريمة مجتمعية تحتاج لردع عام أكثر من ردع خاص، حيث أن تحرك المشرع بعد أن كان هذا الفعل في أصله مباحاً رداً للتشريع الوضعي؛ فإن تغيير هذا الحال جاء لتحقيق الردع العام وليس الردع الخاص الذي كان من باب أولى ردعه منذ ازل، نهجاً إسلامياً.ولكن المشرع، أراد من ذلك الردع العام ولم يلقي بالاً للردع الخاص وإصلاح ذات مرتكب الفعل مؤكدا على ضرورة الالتفات من قبل المشرع إلى الردع الخاص بداية اقتداء بالشرع الحنيف، وهو أحد مصادر التشريع ودخوله في هذه المسألة منازعاً على الأولوية على باقي مصادر التشريع لما في هذه المسألة من حساسية بالغة، فالنفس ملك لله، ووجب رد الأفعال التي تنال منها إلى حكمه.
وانتقد الهيلات هذا التعديل موضحا أنه يجب أن ننطلق من قصد ردع خاص؛ كما يجب معالجة مرتكب الفعل بحجزه بأماكن مخصصة للتحقق من الصحة النفسية والعقلية والسلامة فيها أيضاً؛ إن النص على هذه الإجراءات ضرورة يصلح فيها المجتمع بدعم الدولة بشكل كلي.
وشدد على ضرورة إعادة معيارية التجريم والعقاب لقوامها وفق أسس سليمة تدرس جميع الآثار والنتائج هو أمر منقوص في التشريع والنهج الحالي الأردني فيما يتعلق بالانتحار.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعد الانتحار مشكلة كبرى من مشكلات الصحة العامة التي لها عواقب اجتماعية وانفعالية واقتصادية وخيمة، ويأتي الانتحار في المركز الرابع بين أسباب الوفاة في صفوفِ الشباب الذين تتراوح أعمارُهم بين 15 و29 عامًا.
ووفقًا للتقرير العالمي المعنون "الانتحار في العالم في عام 2019: التقديرات الصحية العالمية"، فإن أكثر من 77% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومنها بُلدان في إقليم شرق المتوسط. وقُدِّر عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الانتحار في الإقليم في عام 2019 بنحو 41637 شخصًا.