"أشعر بالقلق والتوتر بشكل مستمر، لا أعلم إن كان مرضا أم لا، أعاني لوحدي من تاريخ تخرجي من الجامعة إلى الآن، لا استطيع مشاركة أحد بهواجسي بحكم أنني شاب واجتماعيا للأسف عيب الشب يشكي وفعلا"الشكوى لغير الله مذلة"، هكذا وصف عبد القادر"28" عاما حالته النفسية نتيجة الضغوطات الكبيرة الذي يتعرض لها يوميا من المجتمع والبيئة المحيطة به.
سيل من الأسئلة اتلقاها يوميا من المحيطين تبعث على القلق والتوتر المستمر كما يقول عبد القادر ل "صوت شباب" : كل ما حدا يشوفني ما اشاغلت لسا؟ متى بدك تتجوز؟ كيف رح تبني حياتك ؟، يضيف مستغربا: كتى هاي الأسئلة بدها توقف؟"
وتشعر لينا "25" عاما هي الأخرى بالقلق وآثار التوتر والخوف من المستقبل وتقول " لم أستطع النوم، أعاني من تفكير مفرط وسلبي، فاقدة الشغف، ما بركز ، أصابني اضطراب في الأكل، وألم في المعدة، صداع خفقان في القلب، ضيق في النفس، صرت مزاجية مما أثر على حياتي الاجتماعية وعلاقتي بمن حولي وحدة انفعالاتي" وتضيف ل"صوت شبابي": انا دائما بحاجة إلى التحدث إلى شخص ما، ولمدة طويلة كنت أبحث عن مساعدة المتخصصين في الصحة النفسية لأنني شعرت بأن الناس من حولي لم يقتنعو أنني أمر بحالة نفسية صعبة، لم أجرؤ للذهاب بمفردي إلى اختصاصي نفسي بسبب نظرة المجتمع وأنه سيقال عني"مجنونة ومريضة نفسيا".
القلق والتوتر قد يكون نتيجة صدمة طفولة
إن القلق والتوتر لدى الشباب أمر شائع جدا نظرا لظروف الحياة الصعبة التي يعيشها الشباب ومن الضغوطات التي يتعرض لها كما يقول الاختصاصي النفسي والادمان الدكتور منير الصبيحي ل "صوت شبابي " ويشرح " قد يكون السبب صدمات طفولة نتيجة مشكلات عائلية تجعل المريض قلقا ومتوترا في حياته، كما أن هناك ما يسمى باضطرابات القلق والذي يسبب توتراً أو قلقاً زائداً أو غير منطقي أكثر بكثير مما يتطلبه الوضع أو الموقف، مما يؤثر ذلك على حياة الشخص الاجتماعية .
يجب التخلص من وصمة العار وتعزيز الصحة النفسية
وبحسب ما قاله الصبيحي، أنه يجب أن نعمل جميعنا على تغيير الصورة النمطية والأفكار السلبية حول العلاج النفسي، والقضاء على وصمة العار المتعلقة بالاضطرابات النفسية، التي تؤدي إلى الشعور بالحرج من طلب المساعدة والتحدّث عن الصحة النفسية ، والعمل على دعم الأشخاص الذين يعانونها وتحفيزهم على العلاج دون الخوف من المجتمع.
متى يجب طلب المساعدة الطبية؟
يؤكد الصبيحي على أنه "يجب على المصاب طلب المساعدة من المتخصصين قبل أن يصبح القلق شديداً، حيث إن علاجه يكون أسهل في المراحل المبكرة، فمن المستبعد أن يزول القلق وحده، بل إنه قد يسوء مع الوقت إن لم يتم علاجه ".
العيش مع اضطرابات القلق قد يكون صعباً، إلا أن علاجها أصبح متوفراً الآن ، يشرح الصبيحي "إن المرض يجب أن يطلب المساعدة من المتخصصين النفسيين، فالعلاج بالأدوية والعلاج النفسي بجلسات متعددة يمكن أن يساعد في تخفيف الأعراض، كما وأن هناك بعض المهارات الصحية التي يجب تعلمها للتعامل والسيطرة على اضطرابات القلق مما يسهل الحياة على المريض".
وبدوره، نصح المصابين بالقلق بضرورة "ممارسة الرياضة بشكل يومي، وأداء العبادات الدينية، وترك البيئة السامة التي تحيط به والابتعاد عن كل ما يشعره بالقلق والابتعاد قدر الإمكان عن النزاعات من العائلة، وتخطي الماضي".
بالإرادة يمكن التغلب على القلق والتوتر
وفقا لما ذكره رئيس قسم الإرشاد في جامعة اليرموك والدكتور في أصول التربية والإرشاد النفسي محمد حسن الصبريني، أن هناك نوعين من القلق تتمثل بالقلق الإيجابي وهو طبيعي لكل إنسان ناجح وطموح يحب أن ينجز عمله بدقة وسرعة وهذا مما يعطيه دافع للأمام ويكون شخص ناجح، وأما والقلق السلبي هذا يكون نتيجة ضغوطات وتقصير وعدم الثقة بالذات وأسباب كثيرة.
وأوضح الدكتور الصبريني ل "صوت شبابي" أنه يمكن التغلب على القلق خاصة عند الشباب في سن مبكرة "بالإرادة القوية والرغبة الكبيرة في حل هذه المشكلة، وذلك بالرجوع إلى مرشد النفسي أو السلوكي أو المعالج النفسي أو الأخصائي الاجتماعي ليطرح له برنامجا يعمل عليه ويتم توجيه سلوكه".
ومن جهته، أوصى الصبريني بترك كافة العادات السلبية التي قد تكون سبب للقلق، مثل تناول المنبهات، التي ثبت أنها تزيد من التوتر والقلق "كالقهوة ومشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين" وتناولها بكميات كبيرة، وتنظيم ساعات النوم لأن السهر لأوقات طويلة يجعل الإنسان متوتر وقلق طوال اليوم بسبب عدم الراحة، وعدم التشدد في النقاشات السلبية وانتقاء المحيط الإيجابي وملازمة الأصدقاء الإيجابيين الذين يقللون من قلقه ولا يستمروا بتذكيره بالأفكار السلبية في ماضيه أو في حياته".
يشار إلى أن حتى القليل من الكافيين قد يجعل الشخص متوترًا شديد العصبية بحسب حساسة كل شخص لهذه المادة ، بحسب موقع مايو كلينك الطبي الأمريكي "إن بعض الأشخاص لديهم حساسية أعلى للكافيين مقارنةً بغيرهم. وفي حال كنت سريع التأثر بالكافيين، فقد يؤدي تناوله حتى بكميات صغيرة إلى حدوث آثار غير مرغوب فيها، مثل الأرق ومشاكل النوم".
البيئة المحيطة تعد مسبب رئيس للاصابة بالقلق لدى الشباب
بالرغم من أن الباحثين يعتقدون أن السبب يكمن في النواقل العصبية، وهي مواد كيماوية طبيعية موجودة في الدماغ، إلا أن هناك العديد من الأسباب المتشابكة التي تؤدي للإصابة بهذه الاضطرابات، ومن ضمنها العمليات البيولوجية للجسم و الجينات والبيئة الخاصة بالشخص و أوضاعه الحياتية، بحسب بيانات صادرة من الجمعية الملكية الأردنية للتوعية الصحية ، مبينة أن الاعتداء الجنسي والتعرّض للتنمر في مرحلة الطفولة سببين رئيسيين للقلق والتوتر المؤدي للاكتئاب في مراحل عمرية متقدمة.
موت الأشخاص المصابون باضطرابات نفسية
وبحسب منظمة الصحة العالمية، في بيان صدر عام 2019، بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية حول العالم مليار شخص، من بينهم 14% من مراهقي العالم. وكان الانتحار السبب وراء أكثر من وفاة واحدة من كل 100 وفاة، في حين تركزت نسبة 58% من الوفيات الناجمة عن الانتحار بين أشخاص تقل أعمارهم عن 50 عاماً، ويموت الأشخاص المصابون باضطرابات صحية نفسية شديدة قبل عموم السكان بما معدله 10 سنوات إلى 20 سنة، بسبب أمراض بدنية يمكن الوقاية منها غالباً.