التنمر الإلكتروني...ظاهرة عدوانية وخطر يداهم الشباب

الرابط المختصر

تعد ظاهرة التنمر الإلكتروني سلوكاً عدوانيا ونوعاً من العنف المجتمعي الذي أصبح منتشرًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة في الأردن وغيرها من البلدان العربية ،

وعرّفت منظمة اليونسكو التنمر على أنه تعرض الشخص بشكل متكرر على فترات من الزمن لتصرفات سلبية، من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص، مما يشكل صعوبة في الدفاع عن النفس، ويتسم  التنمر بسرعة انتشاره المجتمعي كالوباء،  ويسبب العديد من الأعراض،  كالتراجع في الصحة النفسية مما قد ينعكس على الصحة الجسدية.

ومن الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لشريحة الشباب التغيرات العاطفية، مثل الشعور بالخزي والذنب والإحراج والإذلال والغضب والعزلة. ونظرًا لأن التنمر عبر الإنترنت يحدث في الفضاء الإلكتروني، هذا يمكن أن يشعر الضحايا بالانكشاف والإحراج والارتباك، ليقينهم أن كل شيء سيظهر في وقت ما.

ويتضمن التنمر الإلكتروني استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لمضايقة الأفراد أو الجماعات أو ترهيبهم أو إذلالهم، ويتسبب هذا النوع من الكلام بأضرار نفسية كبيرة عليهم، خصوصًا مع سرعة انتشاره وتداوله ومن الصعب الهروب منه.

ولعل أحد أهم أسباب زيادة نسبة التنمر في مجتمعنا العربي والأردني هو الاستخدام الخاطئ للوسائل التكنولوجية في الآونة الأخيرة، فمع انفتاح المجتمعات نحو العولمة، أصبح من الصعب إقصاء أبنائنا والشبان منهم على وجه الخصوص عن هذه الحالة التي يعيشها العالم أجمع.

وتتمتع الأردن بمستوى مرتفع للغاية من انتشار الإنترنت واستخدام الهواتف الذكية. ووفقًا لهيئة تنظيم الاتصالات، فإن ما يقرب من 90 في المائة من الأسر لديها خدمات الإنترنت في المنزل بينما يستخدم 65 في المائة من الأطفال فوق سن الخامسة الإنترنت.

 

وطأة التنمر الإلكتروني

ومع اعتماد المجتمع المتزايد على التكنولوجيا، أصبحت حوادث التنمر الإلكتروني أكثر انتشاراً. ولا يشكل التنمر الإلكتروني خطراً على المدارس فحسب، بل وأيضاً على أي منظمة تخدم الشباب وبالتأكيد على الأطفال والمراهقين المعرضين للخطر الذين تخدمهم هذه الوكالات.

وفي حين أن عدد الرجال والنساء الذين يستخدمون الإنترنت في الأردن متساوٍ تقريبًا، فإن النساء يتحملن وطأة التنمر الإلكتروني، والذي لا يزال سائدًا على الرغم من التشريعات والجهود المبذولة لمعالجته.

وغالبًا ما يحدث التنمر –الفيزيائي- وجهاً لوجه والتنمر الإلكتروني جنبًا إلى جنب. لكن التنمر الإلكتروني يترك بصمة رقمية- سجل يمكن أن يكون مفيدًا ويوفر أدلة للمساعدة في وقف الإساءة يجعل المتنمر ضحاياه يشعرون بالخجل أو الغضب أو الخوف من خلال سلوك مستهدف متكرر.

كما حصل في قصة علي ذو البشرة الداكنة 17 عاماً الذي تعرض للتنمر الإلكتروني مرات عديدة لسبب خارج عن إرادته ويقول لـ "صوت شبابي" : "لقد تم مناداتي من خلال التعليقات على المنشورات التي أنشرها على صفحتي في "فيسبوك" بكل الأسماء السلبية التي يمكن أن تكون موجودة مثل "أسود" "حبشي" "عبد" ويضيف :"نه لأمر مؤلم حقًا. أفكر أحيانًا في الانتحار، لكنني أفكر إلى أين سيقودني ذلك؟ سأقوم بإيذاء من أحبهم فقط".   

وتروي إحدى الأمهات أن ابنتها تعرضت مؤخرًا للتنمر من قبل ما يسمى "أصدقائها" بشدة بسبب وزنها الزائد من خلال تعليقات ساخرة على حسابها في "تويتر" لدرجة أن عائلتها أضطرت إلى إخراجها من المدرسة وتسجيلها في مدرسة خاصة تسمح لهم بتعليمها في المنزل نظرًا لبعد المسافة كي لا تلقي المتنمرين عليها أو تخالطهم وتضيف الأم أنهم اتصلوا  بالمدرسة التي كانت تدرس فيها ابنتهم ولكنهم لم يفعلوا شيئاً.

 ووفق موقع jordan news توجد العديد من الدراسات التي تقيم تأثير التنمر الإلكتروني على الصحة العقلية للشباب. ووجدت إحدى الدراسات في الأردن أن ما يقرب من 13.5 في المائة من طلاب المدارس الثانوية كانوا ضحايا للتنمر الإلكتروني، وأن ما يقرب من 10.5 في المائة من طلاب المدارس الثانوية كانوا مرتكبي التنمر الإلكتروني. 

وعلاوة على ذلك، في إطار هذه الدراسة، تم تحديد أن الأولاد أكثر عرضة للتنمر الإلكتروني بشكل ملحوظ من الفتيات. وبالمثل، سعت دراسة منفصلة إلى الوصول إلى تأثير التنمر في المدارس الأردنية. ووجدوا أن 27 في المائة من الطلاب الذين تعرضوا للتنمر قد تغيبوا عن المدرسة، وهي نسبة أعلى بكثير من أولئك الذين لم يتعرضوا للتنمر (5.5 في المائة).

وبالمثل، يعتقد 40 في المائة من الطلاب الذين تعرضوا للتنمر أن التنمر أثر سلبًا على درجاتهم و35 في المائة تعرضوا للتنمر بسبب حصولهم على درجات جيدة. 

اكتئاب وقلق

وبشكل عام، تؤثر آثار التنمر الإلكتروني على كل جانب تقريبًا من جوانب حياة الشخص. عقليًا، يكون الضحايا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق أو الإصابة بحالات أخرى مرتبطة بالتوتر. حتى أن إحدى الدراسات وجدت أن 93 في المائة من الضحايا أفادوا بمشاعر الحزن والعجز والإحباط.

وفي نفس الدراسة التي ركزت على تقييم تأثير التنمر على الطلاب، تم تحديد أن 44.2 في المائة من الطلاب أفادوا بتعرضهم للتنمر.

ووفقًا لـ "وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية" في الأردن، ارتفعت حدة التحرش الرقمي خلال جائحة كوفيد-19؛ حيث تم الإبلاغ عن 9500 حالة جريمة إلكترونية في عام 2021، بما في ذلك 4000 حالة تنمر إلكتروني، استهدفت 2800 منها النساء. وقالت سلمى نمس، الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، إن الأرقام الحقيقية ربما تكون أعلى، حيث لا يتم الإبلاغ عن الحالات في كثير من الأحيان.

 

ظاهرة مؤذية وشائعة

وبدورها قالت "سارة جودي" – التي تعمل مترجمة فورية في شركة "أثر الفراشة" المتخصصة بالعلاج النفسي لـ"صوت شبابي" أن التنمر الإلكتروني يقع عندما يتعرض شخص للضغط أو الأذى عبر الإنترنت، سواء كان من خلال رسائل جارحة أو تعليقات سلبية على وسائل التواصل الاجتماعي،ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه الظاهرة المؤذية شائعة 

وأوضحت جودي أن التنمر يتمثل في أنواع عدة ومنها الكلام الجارح من خلال تعليقات أو رسائل تجرح المشاعر،والتهديدات: رسائل تهدد الشخص أو ترعبه.

ونشر الإشاعات أي بث معلومات مضللة أو كاذبة عن شخص. وكذلك الإقصاء –الاستبعاد- أي تجاهل شخص أو منعه من المشاركة في المحادثات أو المجموعات، والتصيد: أي محاولة الحصول على معلومات شخصية بطرق غير نزيهة.

وعن أسباب التنمر الإلكتروني ألمحت محدثتنا أن أولى هذه الاسباب هو الشعور بالقوة: فبعض الناس يحسون بالقوة عندما يكونون خلف الشاشة،وكذلك الضغوط فالضغوط النفسية قد تجعل البعض يتصرفون بطريقة سلبية،وبقلة وعي  وبعض الأشخاص لا يعرفون تأثير أفعالهم على الآخرين.

وعن استراتيجية الوقاية من هذا المرض الإجتماعي –إن صح التعبير- أشارت محدثتنا إلى أن هناك ضرورة لتوعية وتعليم الناس، وخصوصاً الشباب، عن مخاطر التنمر الإلكتروني وكيفية التعامل معه، والتبليغ عن حالات التنمر وتشجيع الناس على الإبلاغ عنه إذا حصل، كما يجب على المؤسسات التربوية تدريب المعلمين والأهل على كيفية التعامل مع التنمر الإلكتروني، ووضع قوانين صارمة في المدارس والأماكن العامة لمواجهة التنمر.

وتنص المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية على أنه: "يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو  إعادة  إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 100 دينار ولا تزيد عن 2000 ألفي دينار.