التاريخ العائلي والتدخين: عوامل تؤدي إلى زيادة خطر الجلطات القلبية لدى الشباب
لم يتوقع الشاب خالد 32 عاما أن يتعرض لجلطة قلبية في هذا العمر، حيث كان يعتقد دائما أن هذا النوع من الأمراض يصيب كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة، ولكن بعد إصابته، أدرك أن الجلطات القلبية قد تصيب أي شخص بغض النظر عن العمر.
ويقول خالد الذي يعمل كمهندس في احدى الشركات، ان الأمر حدث فجأة حيث شعر بألم حاد في الصدرفي البداية، وظن أنها مجرد تقلصات عضلية أو نتيجة إرهاق العمل.
ويقول "لم أكن أعلم أن ما شعرت به كان بداية جلطة قلبية، ومع زيادة الألم وضيق تنفس وشعور بالغثيان، تم نقلي بسرعة إلى المستشفى، هناك، أكد الأطباء أنني تعرضت لجلطة قلبية وكان العلاج الفوري ضروريا لإنقاذ حياتي".
تجربة صادمة
عند وصول خالد إلى المستشفى، تم وضعه تحت المراقبة المكثفة، وخضع لعدد من الفحوصات الطبية السريعة مثل تخطيط القلب وفحص إنزيمات القلب، كما تم تم إعطائه أدوية مضادة للتجلط للمساعدة في إعادة تدفق الدم إلى الشرايين المتضررة، لاحقا، وخضع خالد لإجراء قسطرة قلبية، وتم تركيب دعامة لتوسيع الشريان الذي كان مسدودا.
الأيام التي تلت العلاج كانت صعبة على خالد حيث احتاج إلى وقت للتعافي الجسدي والنفسي، وبدأ جسده يستعيد قوته تدريجيا، لكن التأثير النفسي للجلطة القلبية كان أكثر تحديا، كان عليه التكيف مع فكرة أنه شاب تعرض لمشكلة صحية خطيرة تتطلب تغييرا جذريا في نمط حياتي، حيث تعلم أن الوقاية أفضل بكثير من العلاج، وأصبح أكثر اهتماما بتبني نمط حياة صحي، من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الطعام الصحي، والتخفيف من التوتر، كما أصبح أكثر وعيا بأهمية الكشف المبكر وإجراء الفحوصات الدورية على حد وصفه.
استشاري أمراض القلب والشرايين الدكتور أيمن حمودة يشير الى أن الجلطات القلبية تزداد شبابا، مستندا لدراسة محلية أجراها مع فريق من الأطباء الباحثين على المصابين بالجلطات في الأردن، والتي أظهرت أنه من بين كل أربعة مصابين بالجلطة، واحد لا يتجاوز عمره 45 عاما، اي أن 25% من المصابين بالجلطات هم من الشباب.
ويوضح حمودة أن معدل عمر الذين يصابون بالجلطات في الأردن أقل من معدلاتها في الغرب بعشر سنوات، فـ متوسط عمر المصابين بالجلطات في الأردن 57 عاما، بينما في الغرب 67 عاما.
هل مرض كورونا السبب؟
في الآونة الأخيرة، تزايد الحديث حول ارتفاع معدلات الجلطات القلبية بين الشباب، وهو ما يتناقض مع الاعتقاد السائد وفقا للدراسات، بأن الرجال الذين تتجاوز أعمارهم 45 عاما والنساء فوق سن 55 هم الأكثر عرضة للإصابة بهذه النوبات.
إلا أن استشاري أمراض القلب والشرايين، الدكتور بشار الجيوسي، يؤكد أن الحديث عن زيادة حالات الجلطات القلبية لدى الشباب هو أمر غير دقيق ومبني على معلومات خاطئة، موضحا أن نسبة إصابة الشباب بالجلطات القلبية لا تزال نادرة، في المقابل، تظل الجلطات أكثر شيوعا لدى الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 45 عاما.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الجلطات القلبية ومرض كورونا، يشير الجيوسي إلى أن هذا الارتباط صحيح، حيث أن شدة الإصابة بفيروس كورونا، وخاصة لدى أولئك الذين تلقوا اللقاح، كانت تترافق مع حدوث تجلطات في الشرايين، سواء شرايين القلب أو الرئة، بالإضافة إلى التهابات في عضلة القلب وغشاء القلب، وهو ما تم إثباته في العديد من الدراسات.
ويضيف الجيوسي أن هذه الحالات كانت شائعة خلال فترة الجائحة، لكن الآن، بفضل المناعة المجتمعية المكتسبة من التطعيم وإصابة معظم الناس بالفيروس، أصبحت حدة المرض أقل خطورة مما كانت عليه خلال فترة الجائحة.
التدخين سبب رئيسي للجلطات
هناك العديد من العوامل التي تساهم في حدوث الجلطات لدى الشباب، من أبرزها الضغوطات العصبية المستمرة في العمل، نمط الحياة غير الصحي، قلة النشاط البدني، والنظام الغذائي غير المتوازن، ومع ذلك، يبقى التدخين بأشكاله المختلفة من أهم الأسباب الرئيسية للإصابة بالجلطات.
يؤكد الدكتور بشار الجيوسي أن ما بين 65% إلى 92% من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما وتعرضوا لجلطات قلبية كانوا مدخنين، مقارنة بنسبة تتراوح بين 24% إلى 56% بين من هم فوق 45 عاما، وهذا ما يجعل التدخين السبب الأكثر شيوعا للجلطات بين فئة الشباب.
كما يضيف الجيوسي أن التدخين ومرض السكري هما من أبرز أسباب الإصابة بالجلطات القلبية، حيث أن 50% إلى 60% من المصابين بالجلطات كانوا مدخنين، وتصل هذه النسبة إلى 95% لدى الشباب الذين تقل أعمارهم عن 45 عاما.
وبالرغم من أن الإقلاع عن التدخين قبل سن 45 يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالجلطة بنسبة تتراوح بين 80% إلى 90%، إلا أن الجيوسي يشير إلى أن الدراسات أظهرت أن 70% من المدخنين الذين أصيبوا بالجلطة عادوا إلى التدخين بعد شفائهم.
وتشير دراسة المسح الوطني التدريجي لعام 2019 إلى أن 42% من الأردنيين فوق سن 18 عاما، أي حوالي 3 ملايين شخص، يدخنون السجائر التقليدية، وأكثر من 9% يدخنون السجائر الإلكترونية، ومن المتوقع أن تكون هذه النسب قد ارتفعت مع انتشار الأرجيلة والسجائر الإلكترونية.
عوامل إضافية
من العوامل أيضا التي تسهم في حدوث الجلطات القلبية لدى الشباب هو التاريخ العائلي للإصابة، فقد أظهرت الدراسات أن 41% إلى 64% من الشباب الذين يعانون من جلطات قلبية قبل سن الأربعين لديهم تاريخ عائلي للإصابة المبكرة بالنوبات القلبية، سواء من جهة الأب الذي تعرض للجلطة قبل سن الـ45 أو الأم التي أصيبت بها قبل سن الـ55، بحسب الجيوسي.
في المقابل، يشير الجيوسي إلى أنه فقط 28% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و65 عاما لديهم تاريخ عائلي للإصابة، وتنخفض هذه النسبة إلى 12% بين من هم فوق سن الـ65 عاما، وهذا يشير إلى أن الشباب الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة لم يتخذوا الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من خطر الجلطات القلبية.
ويضيف أن هناك عوامل إضافية مثل تصلب الشرايين، بالإضافة إلى تأثير الظروف النفسية السيئة في مكان العمل، مثل عدم تكافؤ الجهد مع الأجر، التنمر، ساعات العمل الطويلة، الضغط العالي، وانعدام الأمان الوظيفي، والاكتئاب، وكلها عوامل ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالجلطات القلبية وفقًا لدراسات متعددة.
الوقاية من الجلطات القلبية
تكمن المشكلة في أن الكثير من الناس لا يزورون الأطباء إلا بعد ظهور الأعراض أو حدوث المشكلة، داعيا الجيوسي الى ضرورة أن يقوم الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي في الإصابة المبكرة بالجلطات القلبية بمراجعة الأطباء من سن مبكرة، بدءا من عمر 12 أو 18 عاما، لإجراء فحوصات سنوية للسكر، الكوليسترول، وضغط الدم.
للوقاية من أمراض القلب لدى الشباب، ينصح الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاما بإجراء فحوصات دورية سنوية لدى طبيب الأسرة أو الطبيب الباطني أو حتى طبيب القلب.
وتشمل هذه الفحوصات فحص ضغط الدم، مستوى الكوليسترول، ومراجعة التاريخ العائلي، وذلك لاتخاذ التدابير الوقائية الضرورية قبل تفاقم المشاكل الصحية مثل الجلطات القلبية، ومضاعفات أمراض السكري والضغط والكوليسترول.