أطفال الأغوار ضحية تجارة الكحول غير الشرعية

الرابط المختصر

اشتكى أهالي في منطقة الطوال الشمالي في لواء ديرعلا من وجود ظاهرة بيع المشروبات الكحولية في المنازل للأطفال تحت السن القانوني، 18 سنة، وبحسب أحد الشباب الذي كان له تجربة في طفولته بتناول المشروبات الكحولية فإن عدد المنازل التي اتخذت بيع المشروبات الكحولية للأطفال تجارة يزيد عن ثمانية منازل.

هناك أطفال اعتادوا على تناول المشروبات الكحولية في أعمار لا تتجاوز ال13 وال 14 عاماً، بحسب أحد الأطفال الذي رفض ذكراسمه وتسجيل صوته حيث يتم بيع "العرق"، وهو أحد أنواع المشروبات، بنسبة عالية من الكحول، متوسط الحجم بـ 3 دنانير ونصف، والحجم الكبير بـ6 دنانير ونصف بينما يباع اللتر الواحد بـ5 دنانير .

ويروي الطفل الذي لم يتجاوز عمره ال 15 عاماً قصته مع المشروبات الكحولية التي بدأت منذ عام دون علم أهله، كان يشاهد أصدقاءه في المدرسة يزورون أحد المنازل التي تبيع المشروبات الكحولية لمختلف الأعمار، ويقول، "سهولة شرائها في أي وقت نريد، من الأسباب الدافعة لتناولها باستمرار، بالإضافة الى أن أغلب اصدقائه يتناولون "العرق". "

أما الطفل "محمود علي" والبالغ من العمر 15 عاماً أيضاً فقصته مختلفة إذ هو يشتري المشروبات الكحولية من تلك المنازل لوالده وذهابه المستمر لشرائها ومشاهدة أبناء جيله بالطابور لشراء تلك المشروبات ولّد عنده حب الفضول ليجربها.

بدأ "محمود" بتناول المشروبات الكحولية منذ كان في الـ14 من عمره، فضلاً عن التدخين الذي رافقه من الصف الثاني الابتدائي، وكان يشتريه من المحلات التجارية بالرغم من أن بيعه ممنوع للأطفال تحت السن القانوني، وقال "محمود" إنه تعلم تناول الدخان من والدته المدخنة حيث كان يسرق الدخان منها في الثامنة من عمره.

لتأمين ثمن المشروبات الكحولية والدخان ترك "محمود" مدرسته للعمل كعامل بناء مقابل أجر زهيد لشراء المشروبات الروحية التي لا يستطيع العيش بدونها كما قال لنا أثناء زيارته في بيت صديقه الذي يكبره عمراً لعدم معرفة أهله بأنه يتناول تلك المشروبات.

وحال "محمد" ابن ال 16 عاماً لا يختلف عن حال "محمود" فوضع الأطفال الذين يتناولون المشروبات الروحية متشابه وشبه موحد من حيث الوضع المادي المتدني.  فمحمد أيضاً ترك مدرسته للعمل في القطاع الزارعي ليتمكن من شراء المشروبات.

ويؤكد الطفل "محمد" أنهم يستخدمون الحديقة العامة لتناول المشروبات الكحولية وخصوصاً في ساعات الليل المتأخرة وفي الأعراس.

وقال "محمد" إنه يتناول المشروبات الكحولية مع أصدقائه الذين لم تتجاوز أعمارهم ال 17 عاماً منذ 3 سنوات، فضلاً عن تناول الدخان موضحاً بأنه تعرض لعقوبات شديدة من أهله للاقلاع عن التدخين ولكن دون جدوى فهو لا يستطيع ترك هذه العادة التي أصبحت شريكة حياته في ظل غياب الرقابة من الجهات الحكومية المعنية التي لا تحاسب أصحاب المحلات التجارية الذين يبيعون الدخان في المحلات.

ويؤكد الطفل "رجا" ابن ال 15 عاماً أنه يضطر هو وأصدقاؤه الى سرقة الدخان من أهلهم ومن الجيران والمحلات التجارية في حال عدم توفر المال لشرائه، وحالات السرقة حدثت كثيراً لأن الأوضاع الاقتصادية للأهالي لا تسمح بشراء الدخان، والأطفال على حد تعبيرهم لا يستطيعون الاستغناء عنه.

ويقول "رجا" إن بعض الأهالي في المنطقة يقبلون أن يدخن أطفالهم راجين ان يتوقف الأمر عند التدخين ولا يتعدى الى تناولهم المشروبات الكحولية كباقي الأطفال.

"عدي"  طفل آخر اعتاد على شراء الدخان من مصروفه اليومي ويشتري الدخان من أماكن يمنع بيعها للأطفال ولكنها بمتناول أيديهم بكل سهولة، ويرى "عدي" التدخين أنه سلوك طبيعي ومقبول كون معظم أطفال المنطقة يمارسون هذه العادة.

أثناء تجوال فريق عمل برنامج صوت الأغوار في المنطقة التقينا العديد من أولياء الأمور الذين اكدوا أن عدد المنازل التي تبيع المشروبات الروحية بازدياد، مشيرين الى أن التجار هم من أصحاب الأسبقيات.

وأوضح الأهالي المتضررون من وجود تلك المنازل بينهم بأن الزوجة وبنات التاجر هم من يبعن للأطفال في حال غياب التاجر لشراء كميات جديدة من المشروبات الكحولية من خارج اللواء.

واتهم المواطن "عزيز العلاقمة" الجهات الأمنية والحاكم الإداري بالتقصير والإهمال بعدم ايجاد عقوبات رادعة بحق أصحاب تلك المنازل التي تدمر مستقبل أطفال المنطقة على حد  تعبيره.

وقال "العلاقمة" بأن الإجراءات القانونية التي تتخذ بحق بائع المشروبات الروحية في منزله لا تذكر، حيث يتم توقيفه عدة أيام ويخرج بكفالة، وهذه الإجراءات هي عامل رئيسي في انتشار بائعي المشروبات الروحية للأطفال.

  من جانبه مدير مركز أمن ديرعلا الرائد "محمد الخطيب" أكد على  وجود شكاوى رسمية من المتضررين، ووعد "الخطيب" بارسال دوريات مراقبة الى المنطقة.

 وعن الإجراءات التي ستتخذ بحق بائعي المشروبات الكحولية في حال تم ضبطهم فيقول "الخطيب"، "سيتم تحويلهم الى القضاء ومن ثم الى الحاكم الإدراي، بالإضافة إلى فرض كفالة مالية لردعهم وحماية الأطفال من وجود هذه الظاهرة في المنطقة.

 وقال مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين الدكتور  "جميل العناني" إن تناول المشروبات الكحولية بهذه الأعمار تسبب مرض تشمع الكبد والإصابة بالسرطان، إضافة إلى فقر الدم وارتفاع الضغط وتلف في الدماغ والتي تؤدي الى الإصابة بنوبات صرع وتخلف عقلي وجنون مؤقت وفي أغلب الأحيان جنون دائم، بالإضافة الى إصابة  الأطفال بسكتات قلبية التي تؤدي الى الوفاة.

 وأوضح "عناني" أن المنازل التي تبيع المشروبات الروحية للأطفال غير مرخصة مما يزيد من نسبة الخطورة على حياة الأطفال، مشيراً الى  أن مليونين ونصف شاب  في العالم يتوفون سنوياً جراء تعاطيهم المشروبات الكحولية ونسبة  9% من هذا العدد  تتراوح أعمارهم بين (15-26 عاماً).

 ويرجع أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور "حسين الخزاعي" السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة  عدم توفر الرقابة الكافية من قبل الأهل لابنائهم ومن قبل الجهات الأمنية.

 وبيّن "الخزاعي" أن  المنازل التي تبيع المشروبات الكحولية تشكل بؤرة فساد وتخرج أجيالاً منحرفة  تلجأ للسرقة لتوفير ثمن المشروبات، مما يعني انتشار الجرائم بين الأطفال وهذا يؤثر على مستقبلهم الاجتماعي ويشكل خطورة أمنية على المجتمع .

 عدد كبير من أهالي المنطقة يعانون من هذه المشكلة ومن آثارها السلبية على أبنائهم ومستقبلهم ويطالبون المسؤوليين بايجاد حل لهذه المشكلة وإيجاد عقوبات رادعة لمن يتاجرون بهذه المشروبات وبحياة أبنائهم.