مشروع قانون الانتخاب وتضارب المصالح
د. محمد طالب عبيدات
بدأ مجلس النواب الموقّر بمناقشة مسودة قانون الانتخاب المقدّم من الحكومة بعد الإنتهاء من مناقشته والتوصية به من خلال اللجنة القانونية بالمجلس والتي لم تألُ جهداً بالإلتقاء بمعظم أطياف المجتمع والاستماع لوجهات نظرهم وفق تنوّع طروحاتهم وتوجّهاتهم الفكريّة لإخراج قانون توافقي نسبي وليس بالمطلق ويشكّل قواسم مشتركة لكل الأردنيين أنّى كانت توجّهاتهم السياسية أو الفكرية على سبيل أن يكون هذا القانون أول قانون ليس مؤقّتا ستجري على أساسه انتخابات نزيهة وشفافة وحيادية.
بيد أن التساؤل الكبير المطروح الآن – ورغم أن الدستور يُجيز ذلك- هل من الحصافة والمسؤولية الأخلاقية والأدبية بأن يُشرّع النواب لأنفسهم؟ أليس في ذلك نوع من تضارب المصالح؟ أليس في ذلك تعزيز للأنانية في التشريع ومحاولة كسب ما يمكن لغايات ضمان النجاح للنائب وتفصيل المناطق الجغرافية ومواد القانون برمّته على مقاسات السادة النواب؟
بمعنى أن السجال الذي دار في مجلس النواب في اليومين الأوليين لمناقشة مسودة مشروع القانون أظهر بوضوح تنامي مطالب بعض السادة النواب المحترمين للمناطقية والإبقاء على الحقوق -غير منقوصة- في مسألة التوزيع الجغرافي للمناطق الانتخابية على الأقل، ومحاولة كسب ما يمكن وفق المصالح الضيّقة والشخصيّة وخصوصاً أن الجميع يستشعر قرب رحيل المجلس بعد اكمال هذا القانون المهم ضمن منظومة القوانين الناضمة للحياة السياسية.
الكثير من المواطنين يتحدّثون في هذا الموضوع ويقترحون بل ويرجون من السادة النواب المحترمين الحاليين تضمين مواد القانون مادة تستثنيهم من الترشّح للانتخابات القادمة على سبيل إثبات حُسن النوايا والتأكيد على تغليبهم المصلحة الوطنية والعامة على المصالح الخاصة والضيّقة، وبالطبع فإن المواطنين يؤكّدون بأنه في حال لم يتم تضمين مشروع القانون لهذه المادة فإننا نستشرف وسنرى معظم النواب الحاليين تحت قبة البرلمان في الانتخابات القادمة، وهذا سيؤشّر على أن السادة النواب المحترمين يكونون قد فصّلوا قانوناً انتخابياً ليس توافقياً بين فئات الشعب الأردني بل قانوناً توافقياً بينهم فقط.
التخوّفات القديمة من استخدام البعض للمال السياسي واستغلال حالة الفقر العام والبطالة ربما تؤول لإفراز مجلس نواب غير كفؤ وغير قادر على تجسير حالة عدم الثقة الموجودة بين النواب والشعب.
ونخشى أيضاً بأن تؤول حالة الإحباط العام من عدم طرح قانون انتخاب عصري بمعنى الكلمة ويناسب المرحلة بأن يُحجم المواطنين –وحتى الذين شاركوا سابقاً بالانتخابات- يحجمون عن المشاركة مما سيؤدي إلى هبوط نسبة المشاركة في الانتخابات وكأن الإصلاحات السياسية التي أساسها قانون الانتخاب لم تؤتِ أكلها بالرغم من الجهود المُضنية والمشكورة التي بُذلت من قبل السلطات والأجهزة كافة في هذا الصدد.
أعتقد جازماً بأن قانون الانتخاب أمانة ووديعة وطنية في ذمة السادة النواب المحترمين وعليهم أن يُحسنوا استخدام مهامهم وواجباتهم الوطنية بالتطلّع للأمام والمساهمة في إخراج قانون انتخاب مُفصّل لأغلبية الأردنيين وبتوافقية نسبية أساسها مخافة الله في هذا الوطن وأهله الطيبين، وليس فقط مُفصّلا لمن هم تحت القبة الآن، وإلا فإن المطالب الشعبية ستزداد للطلب من السادة النواب المحترمين بعدم الترشّح سواء من خلال مواد القانون نفسه أو من خلال تحكيم ضمير الشعب عند صناديق الاقتراع لإفراز الأفضل والأكفأ من الأردنيين ليمثّلهم خير تمثيل.
بصراحة نخشى أن يتم قولبة القانون القديم للانتخاب بنسخة جديدة جوهرها نفس القانون القديم لغايات خدمة المُشرّعين أنفسهم وهنا تتجلّى ظاهرة تضارب المصالح على أوجها ويتم فرز نفس الأسماء القديمة لتعود ولتطفو على السطح من جديد، وعندها نكون لم نسمع لتوجيهات جلالة الملك المعزّز ورؤيته الإصلاحية وخارطة الطريق التي رسمها جلالته للإصلاح السياسي المنشود.
*وزير الأشغال العامة والاسكان السابق