مفاوضات سورية ثلاثية.. للتقسيم

مفاوضات سورية ثلاثية.. للتقسيم
الرابط المختصر

سواء أضيفت إلى وفد المعارضة السورية الذي سيفاوض نظام الأسد في جنيف، الأسماء التي تطالب موسكو بوجودها، أم لم تُضف؛ فإن هذه المفاوضات ستظل مفاوضات ثلاثية، ولو من دون حضور فعلي مباشر للوفد الثالث المصنف "معارضة" أيضاً.
وإذا كانت روسيا هي من هدد باللجوء إلى هذه الآلية، وتم اعتبار ذلك وسيلة للضغط على المعارضة، وصولاً إلى تعطيلها من الداخل خلال المفاوضات المرتقبة، إلا أن الوفد الثالث، الكردي في جوهره، هو في الحقيقة مطلب أميركي بالدرجة نفسها، بل ويجري العمل معه فعلاً بشأن الترتيبات النهائية على الأرض.
وبالالتقاء الروسي الأميركي على ذلك، تصير جلية وجهة "الحل" الذي يجري تطبيقه، وهو التقسيم، الذي ربما يحتاج فقط إلى مفاوضات تمنحه الشرعية السورية، بعد الشرعية الأميركية-الروسية القائمة.
إذ إن أبرز اسمين تطالب موسكو بإدخالهما وفد المعارضة، هما صالح مسلم وهيثم مناع، المحسوبان في الوقت نفسه على واشنطن. فالولايات المتحدة لا تخفي أن حليفها الأوثق المتمتع بالمصداقية في الحرب على تنظيم "داعش" في سورية، كما في العراق، هم الأكراد. وطالما أن الحديث عن حرب، فيكون صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته الأقوى في المنطقية الكردية "وحدات حماية الشعب"، هو المعني أساساً بالعلاقة الوثيقة مع الأميركيين.
الأمر ذاته ينطبق على هيثم مناع المحسوب على موسكو تاريخياً، لكنه لا يستمد حضوره اليوم إلا من رئاسته (المشتركة!) لما يسمى "مجلس سورية الديمقراطية"، المنبثق أصلاً عن "قوات سورية الديمقراطية" التي أنشاتها وتمولها الولايات المتحدة وليس روسيا! وتقوم أساساً على المقاتلين الأكراد، لاسيما "وحدات حماية الشعب" الكردية ذاتها.
وفيما كان الحديث قبل فترة وجيزة عن وجود قوات أميركية خاصة في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات شرقي سورية، فإن الحديث الآن هو عن إنشاء قواعد عسكرية أميركية هناك، بما فيها مطار لا يبعد سوى خمسين كيلومتراً عن مطار آخر روسي في المنطقة ذاتها.
هكذا، يبدو جلياً أن الهدف الروسي-الأميركي هو تمكين الأكراد من حكم مستقل، سيقال إنه يأتي في إطار "سورية فيدرالية"، لكنه وفق المعطيات الحالية سيكون أكثر من ذلك بكثير، لاسيما مع تصريحات الشخصية الكردية الأقوى في المنطقة، مسعود برزاني، لصحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الجمعة الماضي، بأن "المجتمع الدولي بدأ يوافق على أن العراق وسورية على وجه التحديد لن يكونا موحدين أبدا وأن التعايش الإجباري في المنطقة قد أثبت فشله".
وبداهة، فإنه إذ تلتقي موسكو وواشنطن على الثقة بالأكراد وضرورة استقلالهم، فإن ذلك يمهد لإمكانية تنفيذ موسكو تحديداً، أمرا مماثلا إلى أقصى الغرب السوري، بإنشاء دويلة يقال أيضاً إنها تتمتع بـ"حكم ذاتي" في منطقة الساحل، وهو أمر لا تعارضه الولايات المتحدة، إن لم تكن تطلبه، طالما أنه يسمح لها بتمرير المشروع الكردي. هذا عدا عن أن التقسيم، فعلياً وليس قانونياً على الأغلب، يخدم بداهة المصلحة الأخيرة المتبقية لواشنطن في الشرق الأوسط، أي إسرائيل، والتي تكاد تكون في الوقت الحالي أقرب حلفاء روسيا أيضاً في المنطقة.
بالنتيجة، ليس هناك من خلاف بين روسيا والولايات المتحدة بشأن "مستقبل" سورية، يبرر الحديث عن تراجعات أميركية. وربما لم يكن هناك خلاف يوماً بينهما منذ بدء الثورة السورية.