ماذا لو قسّمت سوريا فعلاً
سؤالنا المرعوب للداخل السياسي، فما يطرب له الداخل هو ما يحب أن يسمعه لا ما يجب أن يسمعه خصوصا في هذا الضباب السياسي الكثيف الذي يلف المشهد العام، وللأسف فإن الضباب لا يعطي العين خاصية الرؤية بالمناظير الخارقة، ولهذا فإن خير خطوة علينا القيام بها حتى لا نتعثر أو نُضيع طريقنا عند أول مفترق هي أن نعرف أين وكيف نضع أقدامنا، هذه نظرية بسيطة وليست صناعة مسبار لغزو الفضاء، وللإجابة عن السؤال: أين الضباب نقول إنه في شمالنا الأردني، إنها سوريا التي باتت هي الشغل الشاغل للقوى العظمى والصغرى لحل مسألة الصراع على السلطة والسيادة والنفوذ فيها،ولنكرر المرة تلو المرة ، أين نحن من خطة الخلاص لسوريا،ونحن أقرب وأكثر الدول تأثرا بسوريا ويجب أن نكون الأكثر تأثيرا حولها.
عندما ذهب الرئيس بشار الأسد الى موسكو قبل إسبوعين لم يذهب للإستجمام،ورغم أنه طبيب عيون ماهر فإنه كان بحاجة الى (...) مباشرة من الرئيس السوري فلاديمير بوتين الذي وجد في سوريا حلبة ليثبت وجوده كمنافس أوحد في وجه الولايات المتحدة وأوروبا، وعند الرئيس الأسد وحده المعلومات الحقيقية عن مستقبل سوريا، أكان بوجوده أو بغير وجوده على رأس السلطة، مؤقتا أوذهاب بلا عودة ، فالحديث عن تقسيم سوريا لم يكن وليد الساعة ، بل نهضت فكرته أكثر مؤخرا رغم فحوى بيان المجتمعين في «مؤتمر فينا2» الجمعة ، الذي أكد على وحدة الأراضي السورية ضمن بنوده التي ليس لها أصل على واقع الصراع هناك اليوم.
الأردن باتفاقه مع روسيا عسكريا خطف ورقة رابحة من على طاولة مفاوضات خاسرة، وذلك بضمان الهدوء على الجبهة الجنوبية في سوريا، والتنسيق مع الجانب الروسي أفضل من عدمه خصوصا عندما يتعلق الأمر بتحليق الطيران الحربي الروسي وقصف المناطق والمدن التي تتواجد فيها الأهداف المنتقاة للضربات الجوية، فكل ضربة يتبعها حركات هروب ونزوح بشري ولجوء الى مناطق أخرى ، والأردن فاض وعاؤه بما عنده من اللاجئين الهاربين من ويل الحرب، ومع هذا يبقى السؤال ماذا لو تم فعلا تقسيم سوريا على أساس الوجود العرقي والطائفي والقوى المتطرفة ؟!
آخر التصريحات كانت أمس السبت لـ «تشارد هاس»، الدبلوماسي الأمريكي السابق ورئيس مجلس العلاقات الدولية، الذي قال «إن نجاح خطة إرسال قوة أمريكية إلى المناطق الكردية سيؤدي إلى تقسيم سوريا» ، وأضاف هاس في حديثه لمحطة سي إن إن،»هذه ليست استراتيجية لسوريا بأكملها وليست بداية لاستعادة سوريا كدولة... وما سينتهي إليه الأمر هو أنه وفي حال نجحت هذه الخطة فإنه سيكون هناك قرابة ست مناطق في سوريا واحدة للنظام السوري وأخرى للأكراد وثالثة لداعش وأخرى للنصرة وغيرهم وهذا ما ننظر إليه إن نجحت الخطة الجديدة».
وهذه التوقعات ليست جديدة،فقد أثارت تصريحات رئيس جهاز الإستخبارات الفرنسية «برنارد لاجوليت» الأسبوع الماضي في أحد المراكز الأكاديمية الأمريكية، أن الشرق الأوسط الذي نعرفه قد انتهى ولن يعود،مؤكدا واقع الحال في سوريا عندما وصفه بالمقسّم ما بين منطقة تحت سلطة الأكراد وأخرى لداعش وثالثة للنصرة وغيرها لبقية القوى ، فيما أيده نظيره الأمريكي «جون برينان» مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بقوله «الدول التي تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تتغير جذريا الآن»، ولكن الإستخباري الفرنسي ذهب أيضا للتأكيد على تقسيم العراق فعليا أيضا.
هذه الخريطة الجديدة التي ستمتلىء بالألوان الجديدة يجب أن لا تعفينا من مسؤوليتنا الوطنية بوضع شروطنا على الطاولة لمنع أي تغيير أو مساس بالسيادة الأردنية هناك ، فأي تغيير حولنا سيؤثر علينا حتما، ونحن لا نزال نظريا ننتظر أن ينقشع ذلك الضباب، ومع إن ثقتنا عالية بقدرة استخباراتنا وجيشنا وعدم تحميله أكثر من اللازم، ولكن من نافلة القول أن الجيوش تتحرك حسب رؤية السياسيين وخططهم، فما هي الخطة ب إذا وقع المحذور، وتخلى الأسد عن السلطة وفتحت الأبواب للأعراق والقوى للإستحواذ على المناطق المسيطر عليها، فيما الجنوب السوري مفتوح على مصاريعه وعلى امتداد ثلاث محافظات من القنيطرة غربا فدرعا والسويداء بما فيها من كثافة سكانية، واختراقات غير مرغوب بها ، ومتى يعود اللاجئون لوطنهم، وما التعويض الذي يستحقه الأردن جراء ما أصابه؟