سورية: معركة النظام وحرب الشعب
اعتداء الإسرائيليين الجديد داخل سورية، واغتيالهم أشخاصا منهم عميد الأسرى اللبنانيين المحررين، سمير القنطار، مساء السبت الماضي، لا يمكن أن يشكل إلا خبرا سيئا للشعب أو الشعوب العربية. فالأرض العربية تستباح مجددا، فيما الانشغال على أشده بالمعارك الداخلية؛ والفشل في ذروته في ترتيب الوضع السياسي، والتدخل الخارجي يتزايد، حتى لم يعد أحد يلاحظ الأطراف العربية الأساسية في ملف مثل الملف السوري. فالإسرائيليون وروسيا وتركيا، هم محور التفكير والترقب حالياً. وغياب النظام السوري هذه المرة يبدو حتى الآن متجاوزاً الغياب العسكري، والمادي التقليدي، إلى الغياب الإعلامي أيضا، وعدم التعليق، والجميع يسأل "هل يرد حزب الله؟"، ولا أحد يسأل ماذا يفعل النظام السوري؟
عدم السؤال عمّ سيفعل النظام السوري، لا يأتي من باب عجز هذا النظام وانشغاله بمعارك السلطة الداخلية وحسب، بل ولأن الضربات العديدة جداً التي وجهت لأطراف فلسطينية ولبنانية وإيرانية، لم يجر الرد عليها أبداً، وهذه الضربات منها ما جرى قبل اندلاع الحرب الأهلية/ الإقليمية/ الدولية الجارية في سورية، ومنها ما جرى بعدها.
تبدد الضربة الحالية الشك في أنّ الروس نسقوا أمرهم مع الإسرائيليين، في معادلة أعلنها الإسرائيليون مراراً في الأسابيع الأخيرة: لا مانع من جهد موسكو لحماية الأسد ونظامه في سورية، ونحن ننسق مع الروس حتى لا تحدث مواجهة معهم بالخطأ، وفي الوقت ذاته لا يعيق الوجود الروسي، ولا يعني شيئا بالنسبة لنيتنا ضرب حزب الله أو الإيرانيين أو أي طرف في سورية. فالروس دخلوا معركة النظام للبقاء، ولكن وجودهم لا يعني شيئاً بالنسبة للمعادلات الإقليمية، أو ما قد يسميه النظام السوري وأنصاره باسم "الممانعة" أو "المقاومة".
الموقف الإسرائيلي الضمني هو: "حياد مربح في سورية؛ حيث نشاهد الكل يتقاتل ويستنزف بعضه، وحيث نقوم هناك بما نقوم به ضد الشباب والأطفال الفلسطينيين. فكما نقتل الفلسطينيين لأقل شبهة أو من دون شبهة، نضرب في سورية لأي شبهة أو من دون شبهة، ولا نتوقع رداً من أحد".
الوجود الروسي لا علاقة له، مثلا، بنوع الوجود أو الحسابات السوفيتية في زمن الحرب الباردة، عندما كان يعتقد أنّ السوفييت جزء من تعزيز الموقف في مواجهة المعسكر الغربي حينها، ومن ضمنه الإسرائيليون.
في الوقت ذاته، لا أحد يتخيل أنّ تركيا أو أي طرف عربي يعادي النظام السوري، يمكن أن يضع في حسبانه أي تحرك يذكر، أو توقف فعلي، لمناقشة الاستباحة الإسرائيلية لسورية.
وتلعب الاحتمالات أو الآمال الروسية-الإيرانية أنها قد تحظى بموجب الاتفاق الذي تمخض عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، بآلية تبقي نظام الأسد في الحكم، وربما تحيّد بهدنة عسكرية جزءا كبيرا من خصوم الأسد، بينما يشترك الجميع في ضرب "داعش"، دوراً إضافياً، على الأقل، في الحسابات الإسرائيلية؛ أنّه لن يكون ضمن حسابات إيران وحزب الله تسخين الجبهة معها الآن، أو أن تسمح موسكو بذلك.
بل إنّ المصادر الإسرائيلية، كما كشفت تقارير إعلامية، تراهن أن علاقة القنطار بحزب الله لم تكن على ما يرام مؤخرا، وأنّ القنطار كان يحاول تنسيق هجمات ضد الإسرائيليين بشكل مستقل، وإن كان هناك التقاء على أرضية دعم النظام السوري، والمكانة الرمزية للقنطار، ولنجاح الحزب في هزيمة الإسرائيليين وإطلاق سراحه العام 2008.
سيكون محرجاً جداً لحزب الله أن لا يقوم برد فعلي يتذكره الناس؛ فهو لم يقم بمثل هذا الرد لا عندما اغتيل عماد مغنية، ولا عندما اغتيل ابنه وضابط إيراني كبير، قبل نحو العام. والجميع يذكر الاغتيالات ونسي ردود الفعل المحدودة.
الحرص على بقاء بشار الأسد تفوق على أي عامل آخر، حتى مواجهة الجانب الإسرائيلي. هذا ما تأكد في السنوات الفائتة. والآن، يتأكد أن التدخل الروسي لا يمكن وضعه في سياق مواجهات عالمية، وسياق توازنات دولية جديدة كما يحلم البعض، بل في ذات سياق المعركة الصغيرة في أهدافها، المدمرة في نتائجها: "الحفاظ على نظام الأسد" ولو أدى ذلك إلى التضحية بسورية، رغم أن وجوده وغيابه يمكن أن يجري من دون أن يؤثر في السياسات والتوازنات الإقليمية.