سوريا.. الحسم العسكري قبل الحل السياسي
قرار مجلس الامن حول سوريا يستحق وقفة طويلة ، لأنه قرار تاريخي وفق ما وصفته المصادر الروسية. اما وزير الخارجية الاميركي جون كيري فهو على عجلة من امره ، فهو يريد الشروع في بحث سبل تشكيل الحكومة السورية الانتقالية خلال شهرين فقط ، بهدف الايحاء بمدى جدية وتأثير دور وجهد الولايات المتحدة في تحقيق هذا الانجاز الذي جاء نتيجة التفاهم الروسي الاميركي أصلا ، وقبل كل شيء هو نتاج حتمي وحقيقي للعاصفة الجوية الروسية التي قلبت الموازين العسكرية على الارض.
لا نتجاهل أن القرار الاممي أعاد دور الشرعية الدولية الى ساحة الفعل ، وخفف من تأثير تدخل الاطراف الاقليمية المتورطة في الصراع ، ولكنه لن يحمل السلام الى سوريا في المدى القريب ، بل فتح الابواب امام الحل الجدي ، ووضعه في مساره الصحيح ، لأن الحل السياسي للمسألة السورية عملية صعبة معقدة متعبة تحتاج الى جهد أكبر ووقت أطول.
الاهم هو أن قرار مجلس الامن الذي تم اقراره بالاجماع، سيكون بمثابة خريطة طريق لإعادة بناء سوريا دولة مدنية موحدة ارضا وشعبا ، والاهم انه ترك للسوريين حرية صياغة مستقبل بلدهم بلا وصاية أو شروط من أحد. وتشكلت خريطة الطريق من عدة مراحل ابرزها: الشروع بالمفاوضات عبر حوار بين الدولة والمعارضة ، ثم الدعوة لوقف اطلاق النار ، وتشكيل حكومة مشتركة انتقالية ، وبعدها اجراء انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية.
ولكن العقدة الصعبة التي ستعترض المسيرة السياسية تتعلق بتسمية المنظمات والفصائل والمجموعات العسكرية والسياسية التي يحق لها الجلوس حول طاولة التفاوض ، والمشاركة في تكوين السلطة في سوريا. فقد انجز الاردن المهمة بنجاح سريع وكامل ودقيق ، استحق الاشادة من كافة الاطراف والدول المعنية ومن الشرعية الدولية ، حيث أعد قائمة التنظيمات والمجموعات الارهابية التي تضمنت 160 تنظيما ومجموعة مسلحة بلا استثناء، وهي كلها تنظيمات مسلحة متطرفة ارهابية ، بعضها يجلس في حضن «داعش» بتسمية اخرى ، وبعضها يختقي وراء التنظيم الارهابي تحت مظلة سياسية بهدف التمويه ، قصد المشاركة في المفاوضات السياسية ، وبالتالي النجاة من القصاص.
الحقيقة أن طائرات السوخوي هي التي فتحت الابواب أمام الحل السياسي ، بل فرضته ، نتيجة التطورات التي غيرت الواقع على الارض في المدن والبلدات والارياف التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيمات المسلحة ، وهي التي فرضت اطرافا واحزابا من الاطياف السياسية السورية المعارضة للمشاركة في التفاوض المستقبلي المنشود ، وهي الاطراف التي كانت مستبعدة ومرفوضة اقليميا لإسباب كثيرة.
وبهذه المناسبة لا نحتاج الى اعادة تأكيد المؤكد ، وهو أن التحالف الغربي لم يقم بعمل عسكري جدي ضد التنظيمات الارهابية ، ولم يشارك فعليا بالحرب على الارهاب ، وطائراته التي حلقت في الاجواء السورية ، تحت مظلة اعلامية واسعة قامت بقصف معسكر للجيش السوري ، كذلك قصفت معسكرا للجيش العراقي قبل يومين ، وبسبب هذه « الاخطاء» ؟! لا نزال نشك ، حتى الآن ، في نوايا بعض الدول الغربية المراوغة الهادفة الى اسقاط النظام في سوريا وتفكيك الدولة ، بدل القتال ضد الارهاب.
هذه الدول ، ستقوم بشطب أسماء تنظيمات مسلحة متطرفة واردة في القائمة السوداء ، قصد حشرها في قائمة التنظيمات والاحزاب المعارضة المعتدلة ، والمشاركة في المفاوضات المستقبلية ، ولكن ليس بالضرورة ان تنجح هذه الدول في مسعاها ، لأن الايام القريبة المقبلة تحمل الكثير من التطورات والمستجدات والاحتمالات التي لن تسر المتورطين في الصراع السوري الاقليمي الكوني ، لأن القيادة في الكرملين مصرة على السير الى نهاية الطريق ، وحتى بلوغ مرحلة الحسم وفرض الحل السياسي الذي يحفظ سيادة ووحدة سوريا .