دوافع وقف إطلاق النار في سوريا

دوافع وقف إطلاق النار في سوريا

 يبدو ان عدم الرضا الإقليمي والدولي عن الدور الأميركي من الاحداث السورية ، قد دفع الإدارة الامريكية الى إعادة النظر بهذا الدور بحيث يصبح أكثر فاعلية وقبولا، بعد ان انفردت روسيا بإدارة هذا الملف بالطريقة التي تتوافق وتحقيق مصالحها وبعث حضورها في المنطقة من جديد. الامر الذي دفع بعض الأطراف الإقليمية كالسعودية وتركيا اللتين شعرتا بخطورة الوضع ، بان تنهضا بدورهما وتفرضا حضورهما الإقليمي حفاظا على أمنهما ومصالحهما في ظل موقف أمريكي سلبي ويثير الشكوك ، وآخر روسي قائم على ما تعتقد موسكو بأنه فرصة سانحة لطرح تصورها في تحديد مستقبل سوريا السياسي بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. وما رافق ذلك من تعزيز الوجود الإيراني في المشهد السوري وهو ما يقلق السعودية تحديدا التي ترى في الاجندات الإيرانية الطائفية خطرا إقليميا يستهدف امنها ورمزيتها الدينية السنية ، ما حدا بها القيام باتخاذ خطوات استباقية متمثلة بتشكيل تحالفات عربية وإسلامية سنية  كالتحالف الإسلامي والتحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين ومناورات رعد الشمال ، وصولا الى ما ابدته من استعداد لخوض حرب برية ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا الى جانب تركيا التي ترى ان القصف الجوي الروسي قد منح الاكراد فرصة الاقتراب من حدودها وبشكل اخذ يهدد امنها القومي ، لدرجة انها أعلنت عدم التزامها بالاتفاق الذي توصلت له كل من أمريكا وروسيا لوقف اطلاق النار في سوريا في حال تهديد امنها من قبل المقاتلين الاكراد من وحدات حماية الشعب الكردية الجناح المسلح للحزب الديمقراطي السوري الكردي. إضافة الى قيامها باغلاق حدودها في وجه اللاجئين السوريين بصورة كشفت حجم الاضرار التي لحقت بالمدنيين والبنى التحتية في سوريا جراء القصف الروسي، واخذت تهدد بالمزيد من موجات اللجوء الى دول أوروبا.
لقد جاء اتفاق وقف اطلاق النار على وقع هذه الأجواء المتوترة والمشحونة التي تنذر بالتصعيد والتهديد باشتعال حرب في المنطقة ، ما دفع الولايات المتحدة الى إعادة حساباتها والتفكير جديا بالخروج من دائرة الموقف السلبي والحرج الذي وضعت نفسها فيه ، وهي ترى ان الأمور قد تخرج من يدها ، وان الأطراف الإقليمية (السعودية وتركيا ) اخذت تعد العدة للدفاع عن مصالحها وامنها دون الحاجة لها. في المقابل فان روسيا التي بدأت تدرك صعوبة حسم الملف السوري عسكريا، الى جانب الأكلاف المالية والاقتصادية والعسكرية (والسياسية) الباهظة التي اخذت تتكبدها نتيجة تنفيذها عمليات عسكرية كبيرة ومكثفة، وما صاحبها من استهداف للمدنيين والبنى التحتية السورية، إضافة الى شعورها بانها قد تخسر مصالحها وعلاقاتها مع الأطراف العربية والإسلامية السنية التي ترى بالتدخل الروسي تهديدا لامنها. وقد تجد هذه الأطراف نفسها مضطرة للذهاب بعيدا في موقفها من هذا التدخل ، كأن تفكر بقطع علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا، خاصة ان المصالح التي تربطها بروسيا كطرف دولي له نفوذه وتأثيره في الساحة الإقليمية والدولية، اقل بكثير من حجم المصالح التي تربطها بالطرف الدولي الاخر الأكثر نفوذا وتأثيرا في هذه الساحة، ممثلا بالولايات المتحدة ، ما يجعلها مستعدة لاتخاذ مثل هذه الخطوة المهمة. وبنفس الوقت تبعث برسالة الى الجانب الأمريكي بان دول المنطقة تستطيع الاستغناء عنه ايضا اذا ما أجبرت على ذلك في سبيل الدفاع عن وجودها وامنها، وهي قادرة على الذهاب بهذا الاتجاه، بدليل نجاحها بتشكيل تحالفات عسكرية عربية وإسلامية بصورة عاجلة وتنفيذها مناورة رعد الشمال بشكل غير مسبوق.

أضف تعليقك