حلب التاريخ.. عن صمودها ونشيدها وقدودها !
لا أريد الكتابة عن حلب في التاريخ كواحدة من اكبر واقدم المدن في العالم القديم ، ولا عن حلب المدينة الأكبر في سوريا المعاصرة ، التي تحولت الى عاصمة اقتصادية بصناعتها وتجارتها ومهارة اهلها المهنية ، ولا اتحدث عن تراثها وفنونها وقدودها وحدودها الواسعة التي امتدت الى الموصل في زمن الدولة الحمدانية ، أو حلب في عشرينات القرن الماضي حيث تعرضت ممتلكاتها الى التقسيم بالتوافق بين اتاتورك والاستعمار الفرنسي ، حين تم اقتطاع اضنة وعينتاب ومرعش ومرسين ، بهدف الفصل بينها وبين البحر ، وبينها وبين الموصل ، الى أن تم سلخ لواء الاسكندرون بكامله عن سوريا في العام 1939.
اتحدث اليوم عن حلب الجريحة النازفة وصمودها ، وهي التي تواجه التدمير والتخريب والحرائق باسلوب ممنهج له اهدافه ومقاصده ، وفي المقدمة مشروع التقسيم. الثابت أن الهدنة الاولى أعطت التنظيمات المتطرفة فرصة لالتقاط الانفاس واعادة ترتيب الصفوف والتزود بالسلاح والعتاد والرجال والحصول على الدعم اللازم لشن هذا الهجوم الواسع على الشهباء النازفة من كل الجهات. وياتي هذا الهجوم الشامل الكثيف بعد وصول طلائع الجيش الاميركي الى الجيب الكردي في شمال سوريا تحت عنوان تدريب الاكراد لمحاربة داعش ، ولكن القصد من هذه الحركة الاميركية هو تحصين هذا الجيب وحمايته وتحويله الى أمر واقع (كردستان سوريا ) ، على غرار ما حدث في شمال العراق.
واللافت ايضا أن الهجوم على حلب جاء عقب الاعلان الاسرائيلي بأن مرتفعات الجولان المحتلة هي ارض اسرائيلية الى الأبد , وهي الخطوة الاسرائيلية التي تجاوزت الشرعية الدولية ، وأثارت السخط العالمي ولا اقول السخط العربي ، بل الصمت العربي. وهنا اقول إن التنظيمات الارهابية التي تحاصر حلب ، وتقصفها بالصواريخ والاسلحة الثقيلة تريد تدمير المدينة واستباحتها ، ودخولها من اجل تحويلها الى عاصمة للتنظيمات المتطرفة الارهابية ، كخطوة تمهيدية لتكريس مخطط التقسيم.
وهنا نتساءل: من اين جاء هذا الزخم العسكري غير المسبوق ، ومن يدعم ويسلح هذه التنظيمات المتطرفة ، في الوقت الذي تعلن فيه الدول الاقليمية والغربية شن حرب شاملة على الارهاب ؟
كل القادة ، في كل العواصم ، وفي كل يوم ، يتحدثون عن مخاطر الارهاب ، ويعلنون اصرارهم ونواياهم الصادقة من اجل القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد السلم العالمي والامن القومي للدول العربية والغربية ، ولكنهم عندما يصلون الى قضية الارهاب في سوريا ، تخفت اصواتهم ويتراجعون خطوة الى الوراء ويقلبون الصفحة ، وتتحول عباراتهم الى لغة غير مفهومة ، بحجة ان النظام سيستفيد من ضرب داعش والنصرة. ولكن الكل يعرف أن القصد هو تفكيك الدولة السورية ، على قاعدة عرقية وطائفية ، أو طرح مشروع الفدرالية.
وما نراه في تفاصيل المشهد ، وفي نشرات الاخبار بالصوت والصورة ، يؤكد أن لا نية صادقة وحقيقية عند دول عديدة للقضاء على داعش ، رغم التبجح الاعلامي اليومي ، لأن الهدف هو اطالة أمد الحروب العربية ، وليس في سوريا وحدها. وفي النشرات الاخبارية اليومية نرى مسلحي داعش يظهرون فوق سيارات مكشوفة مجهزة باحدث الاسلحة الثقيلة ، تسير في قوافل طويلة ، وبطريقة استعراضية علنية ، ليس في سوريا فقط بل في ليبيا وتونس وسيناء وجنوب اليمن والعراق ، وهي رسالة تؤكد أن هناك من يدعم هذه التنظيمات ، التي « لا تكشفها « الاقمار الصناعية ولا الطائرات الغربية... معقول ؟!
في النهاية اقول إن الذين يهاجمون حلب بهذه القساوة ، لايعرفون تاريخ المدينة ، ولا يحبون اهلها، ولا يسمعون نشيدها، ولا يطربون لقدودها، هم غرباء عالقون في الماضي.