المتباكون على حلب .. !
تتواصل حملة التضليل المُنظَمة التي تقودها جهات واطراف عديدة, لا يجمع بينها شيء سوى محاولة لي اذرع الحقائق وتزييفها والترويج لها، رغم ما يكتنفها من ارتباك وقصور وغياب للمنطق وامعان في زج الخلافات الطائفية والمذهبية واخرى لتحقيق اهداف سياسية, بعد ان فشلت في «حروبها» العسكرية (اقرأ الإرهابية) التي موّلتها واشرفت عليها ورعتها, تدريباً وتسليحاً, اكثر من عاصمة دولية وغرف عمليات التقت عند هدف تمزيق سوريا وبث الفوضى وسفك الدماء فيها, واستخدامها منصة لاعادة رسم خرائط المنطقة ودائما في الطمس على فكرة العروبة وبعث الفتن والضغائن واستحضار الخلافات التي مرت عليها قرون عدة، دون ان ينجحوا في بلوغ اي من الاهداف الخبيثة التي وضعوها لحربهم البشعة على الشعب السوري, الذي بات له آباء كثيرون ورعاة اكثر, ولم يستفد منهم سوى زيادة اعداد الارامل واليتامى والثكالى والمعوقين والجموع التي بلا مأوى او غذاء او دواء.
في الفصل «الجديد» من المأساة السورية، اطل المتباكون على حلب علينا بهمروجة اقرب الى المراثي والفجائع منها الى اي شيء آخر, يتحدثون فيها عن مجزرة تتعرض لها العاصمة الاقتصادية لسوريا، ينعون فيها الشهباء التي تتعرض لِتوَحّش «روسي علوي صفوي», وكأن ما يجري في سوريا منذ خمس سنوات, مجرد حرب بين مذاهب وطوائف، وليس مشاريع استعمارية بأدوات ارهابية ذات توجّهات سلفية تكفيرية, تواطأت فيها وانخرطت على نحو مشبوه ومثير للريبة والشكوك, اطراف عربية رسمية واخرى ذات ايديولوجية اسلاموية لم تعرف ذات يوم الوفاء او تفي بالتعهدات والوعود التي قطعتها على نفسها, سواء في تحالفاتها ام في صداقاتها حتى لأنصارها ومحازبيها الذين بدأوا بالابتعاد عنها، بعد ان تيقنوا انهم استُخدموا كمنصات وسلالم كي يصعد اصحاب الاجندات والمصالح الشخصية والحزبية غير البريئة, ذات البُعد المذهبي والتحالفات الاقليمية، بالضد من المصالح الوطنية والمشكلات التي تواجه شعوبها على النحو الذي تشهد فيه ارتماء تنظيمات الاسلام السياسي في حضن المشروع التركي العثماني, الذي لا يقيم وزناً أو يحفظ ودّاً للعرب والعروبة.
ماذا عن حلب؟
يدرك كثيرون, ان ما تبثه وسائل إعلام الجبهات والفصائل، المتحالفة مع دول اقليمية واخرى دولية, من صور وفيديوهات ومزاعم منقولة او مفبركة عن شهود عيان، انما تنقصها الدقة ويعوزها الدليل على ان مجزرة تقع في احياء شرقي حلب الواقعة منذ ثلاث سنوات ونيف تحت سيطرة الجماعات الارهابية, وفي مقدمتها جبهة النصرة المصنفة ارهابية, تماماً كما هي حال تنظيم القاعدة.
يحاول هؤلاء الطمس او تجاهل حقيقة ان القتال الذي بدأ في حلب قبل عشرة ايام, انما جاء بعد ان قررت جبهة النصرة ومجموعات مسلحة اخرى في مقدمتها الحزب الاسلامي التركستاني, اقتحام أحياء حلب الغربية «وتحريرها» من سيطرة النظام, وكان ان شنت هذه المجموعات الارهابية هجوماً متعدد الاذرع والجبهات من الريفين الغربي والجنوبي للمدينة, مُطلِقة اكثر من الفي قذيفة بين صاروخ وهاون واسطوانات غاز مُذخّرة وقذائف تعرف باسم «مدفع جهنم»، مستهدفة المدنيين والمساجد والمشافي وفي مقدمتها مشفى الرازي في المنطقة المعروفة بجمعية الزهراء، ناهيك عن احياء الاشرفية والخالدية وسيف الدولة وحلب الجديدة.
هي إذا «حرب» بدأتها الجماعات الارهابية في حلب, بلغت ذروتها في قصف احد المساجد ظهر الجمعة الماضي ما ادى الى استشهاد واصابة عشرات المصلين، ما دفع بخطيب المسجد الى تعليق الصلاة ودعوة المصلين لاداء صلواتهم في بيوتهم.
فهل هي احياء حلب الشرقية التي تدور فيها المجزرة المزعومة؟، أم انها حلب المدينة والتاريخ والحضارة وسكانها في كامل مساحتها هي التي تدفع ثمن خطط البرابرة وعصابات القتل؟ وهل التحالف الروسي العلوي الصفوي هو الذي يفتك بحلب؟ ام ان الذين قرّروا احراز «انتصار» مهما كان ثمنه وأكلافه, هم الذين يتحملون وحدهم وزر ما يجري؟
ثمة حاجة للتدقيق في ردود الفعل واهداف الذين يرفعون عقيرتهم بالشكوى والتحريض الطائفي والمذهبي, كي يعرف المرء مدى وحجم المؤامرة التي ما تزال في «بعض» زخمها السابق، الذي يراد لسوريا ان تكون ضحيتها ولشعبها ان يدفع أكلافها.. فحديث المنطقة الآمنة (بما هو مشروع تركي) عاد الى الواجهة مجدداً, وكيف لهؤلاء أن يقنعوا ساذجاً بأن ما يجري في حلب هي مجزرة ضد شعبها, فيما يقول الناطقون باسم جبهة النصرة الارهابية: ان مجاهدي النصرة ماضون نحو «فتح» حلب مهما كَلّفهم ذلك.
دموع التماسيح التي تذرفونها, لن تحرف الانظار, ولن تنجحوا في تغطية نور الحقيقة بـ«غرابيل» أكاذيبكم.