العالم يتغير.. في سوريا !
ندور داخل اطار المسألة السورية، نتابعها باهتمام، نكتب ونكتب عنها، لا نملك القدرة على الابتعاد عن هذه الازمة الدولية أو تجاهلها، لأنها أقرب الى الحرب الكونية متعددة الجنسيات، تدور رحاها داخل الاراضي السورية، ياتيها المسلحون من كل الجهات والثغور، وتتورط فيها عصبة من الدول العربية والاقليمية والعالمية، خصوصا الدول التي تستثمر في التنظيمات المسلحة المتطرفة، من اجل تحقيق مقاصدها واهدافها، واولها تفكيك الدولة ومؤسساتها وتركها نهبا للفوضى والتقسيم الطائفي والعرقي والقبلي على، غرار ما حدث في اكثر من دولة عربية، تحت عنوان الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وهي الشعارات التي تجولت الى سلعة اميركية كاسدة.
الدول الغربية صاحبة مشروع الشرق الاوسط الجديد تحاول تحقيق مشروعها المشبوه بقوة السلاح، وباستخدام الحروب الاهلية، وبمشاركة اقليمية ودولية، معلنة او سرية، بعدما تكسرت موجة «الربيع العربي» على صخرة الصمود الدمشقي في عاصمة السيف والياسمين. وهو صمود الدولة والجيش والشعب، الذي اربك واحرجها وأدخلها في متاهات غموض وضبابية الموقف.
وما يثير الدهشة والاستغراب هو التسابق المحموم والهرولة الوهمية في اعلان اكثر من دولة غربية الرغبة، غير جادة ولا صادقة، في الانضمام الى حملة القتال ضد التنظيمات المتطرفة ومحاربة داعش، كردة فعل على التفجيرات والجرائم التي ينفذها ويرتكبها الارهابيون في العواصم الغربية، أو للحاق بالتطورات المتسارعة لاحتوائها، لكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا، أو حسب القول الشعبي «أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أستعجب»!
يوسعون داعش والارهاب شتما، ويعلنون امام شعوبهم انهم ذاهبون لقتال داعش، ولكن في نشرات الاخبار فقط، ومن اجل تضليل شعوبهم الغاضبة المحزونة على الضحايا، ومواساة أهالي ضحايا الارهاب الذين يسهرون الليالي في عز البر بالساحات العامة، يشعلون الشموع ويكدسون باقات الزهور والورود في مشهد تراجيدي محزن. قادة هذه الدول يلوحون بالطائرات والبوارج وكل انواع الاسلحة، دون تحقيق اي نتائج واقعية على الارض، لأنهم من اصحاب المشروع الهادف الى تقويض الدولة السورية، وتفكيك المجتمع الواحد، ولاعتقادهم، قبل كل شيء، أن ضرب داعش والارهاب في سوريا يصب في مصلحة النظام.
هم يعرفون من يدعم التنظيمات المسلحة، ويعرفون اين يبيت قادة «داعش»، ومن يمولهم ويسلحهم ويفتح لهم الحدود على مصراعيها، وليس من خلال بعض الثغور، حسب تصريحات الرئيس الاميركي الاخيرة. هذه الدول قادرة على تجفيف كل موارد التنظيمات الارهابية المالية، وقطع مصادر السلاح، وشل حركة المسلحين عبر الحدود، وهذا لا يحتاج الى حرب طويلة، ولا الى الاستعانة بجيوش جرارة، بل يحتاج الى قرار صادق وحقيقي فقط.
الحقيقة ان ما يحدث أمر خطير وكبير لا يمكن تجاهله، لذلك سنظل نكتب في هذه القضية. وهذا الاهتمام الاعلامي العربي والاقليمي والدولي بالمسألة السورية، غير المسبوق، سببه ان الامر لا يتعلق بصياغة مستقبل سورية فحسب، بل يتعلق بمستقبل الدول العربية كافة، أو معظمها، وستكون الهوية العربية مستهدفة. وباعتقادي ان المعركة ليست عسكرية فحسب، بل هي معركة سياسية واقتصادية وثقافية واعلامية، خصوصا أن وسائل اعلام عربية وعالمية مجندة لدعم التنظيمات المسلحة، واخرى لا تزال خاضعة للضخ الاعلامي الغربي، في تلقيها للمعلومة وتشويه المعرفة والحقيقة، واعلام آخر ضعيف بصوته الخافت، الا في حالات نادرة وقليلة، وكأن العالم ما زال يخضع لنظام القطب الواحد، ولكن الحقيقة ان العالم يتغير عبر المسألة السورية.