أين «اختفى».. جيش سوريا «الجديد»؟
لم تَلْقَ احداث مدينة البوكمال السورية الحدودية (مع العراق) التي حصلت الاسبوع الماضي، الاهتمام الكافي من وسائل الاعلام والمتابعين للمعركة ضد داعش، بعد ان بدا للحظة ما وبخاصة بعد الاعلان عن بدء جيش سوريا الجديد (تشكيل حديث يظهر لاول مرة على الساحة) عملية تحرير المدينة بهدف فصلها عن الحدود العراقية وقطع شريان الاتصال بين البلدين، حيث يستخدم داعش الطرق الرئيسية وتلك الصحراوية بحرية تامة في مناطق نفوذه على الاراضي السورية والعراقية، مُخترقاً القيود العشائرية وربما وجد لدى بعضها – او معظمها – بيئة حاضنة لاسباب عديدة.
المواجهات التي تمت بين داعش وجيش سوريا الجديد الذي يقوده ضابط سوري منشق اسمه مهنّد الطلاع، أخذت طابعاً دراماتيكياً عندما أعلن الناطقون باسمه انه تم تحرير مطار الحمدان القريب من المدينة بعد انزال جوي من طائرات مروحية وقيل ايضاً ان تحرير المدينة (البوكمال) مسألة وقت، لتنتهي المعركة في غضون ساعات بهزيمة ذلك «الجيش» ويُسدل الستار على تلك المعركة ذات الاهداف العسكرية المُعلنة, والتي لو نجحت لكانت اسهمت في توجيه ضربة موجعة لداعش وبخاصة ان الاخير يواجه «معارك» عديدة على جبهات متعددة وواسعة يصعب عليه ادارتها او المحافظة على ما يسيطر عليه بالقوة من مناطق سكانية ومواقع استراتيجية, سواء في شمال سوريا ام في منطقة الرقة وخصوصاً بعد تحرير الفلوجة وبدء الاستعدادات لمعركة الموصل التي لن تكون سهلة لكلا الطرفين.
ما علينا..
لا يبدو ان جيش سوريا الجديد قد هبط من السماء, وثمة من أعدّه لهذه المهمة واختاره لتنفيذها في تلك المنطقة بالذات لاسباب عشائرية صِرفة, ناهيك عما يمكن لهذه المساحة الصحراوية الواسعة ان توفره للقوات والجهات الداعمة من خدمات لوجستية واخرى قتالية تتيح توجيه ضربة لداعش او إحداث خرق في خطوط اتصاله وتواصله على حد سواء, لكن ما تكشف من معلومات عن ذلك «الجيش» الذي حُمِّل – في ما يبدو – ما لا طاقة ولا قدرة به، أماط اللثام عن مسألة غاية في الاهمية وهي الخِفَّة التي يتم التعاطي بها مع المسألة السورية المعقدة بل الاكثر تعقيداً في العقود الاخيرة، بعد ان دخل «الكل» على خط الأزمة وراح ينتقي لنفسه ما يريد من اهداف لتحقيقها او لتصفية حساباته مع اطراف – او طرف معين – آن الوقت – في نظره – للخلاص منها في هذه الفرصة المتاحة، فإذا به يتورط ولم يجد القدرة او المساعدة للابتعاد او عدم الغوص في هذه الورطة.
المؤشرات تشي بأن الجانب الاميركي هو الذي راهن على جيش سوريا الجديد، لكن المعلومات التي نشرتها وسائل اعلام عديدة, عربية وغير عربية, افادت بان عديد الجيش «العتيد» لم يتجاوز مائتي جندي او لِنقُل ان الذين خاضوا معركة مطار الحمدان – التُرابي بالمناسبة وليس المطار الحقيقي بمعناه المدني او العسكري – لا يتعدون هذا الرقم، فيما عدد الجيش, على ما ذكرت تلك الوسائل, لا يتجاوز الألف رجل، فهل بهذا العدد يمكن تحرير البوكمال وضمان فصل كامل بين الحدود العراقية والسورية وقطع خطوط امداد واتصال... داعش؟
ثم... إذا ما تابع المرء تصريحات خالد الحمّاد امين عام «جبهة الاصالة والتنمية» التي ينضوي جيش سوريا الجديد تحت لوائها، فإنه يكتشف في غير عناء, حجم المرارة التي يشعر بها وإن كان في بداية تصريحاته اراد الظهور بمظهر «القادر» عندما قال: ان عملية البوكمال تسببت بكسر «صنم» قوة داعش وانها (اي العملية) ستدفع الى المزيد من العمليات والاستفادة من الاخطاء، ثم لا يلبث ان يقع في مربع المرارة والشعور بالخذلان ليقول في صراحة (المهزوم): الدعم الذي قُدِّم لجيش سوريا الجديد «متواضع جداً» من حيث التسليح او تجميع المقاتلين، وهذا سبب – والقول ما يزال له – من اسباب فشل «التحرير».. ليختتم باستنتاج سمعناه من معظم قيادات الجبهات والجيوش والكتائب المُعارِضة, التي انتهت الى الفشل او الاختفاء: لا توجد نيّة من المجتمع الدولي لقتال داعش والنظام, مُستنتجاً لنفسه: الوقت لا زال مبكراً في نظرهم. قال خالد الحماد.
هكذا تنتهي الأمور بالنسبة الى الذين ظنوا انهم فرسان الحرية وقادة الثورات مثل جمال معروف مؤسس وقائد جبهة ثوار سوريا, ولا داعي للتذكير بما انتهت اليه الفرقة (30) التي صُرِف عليها نصف مليار دولار لتنتهي في حضن داعش اسلحة وثوارأً, كذلك حركة حزم «الإخوانية» مثال آخر.. أم يواصل المرء ليتحدث عن «شيء» كان اسمه ذات يوم «الجيش الحر»؟