"رايق" حمزة نمرة… النجاح عبر البقاء في الـ"كومفورت زون"
خطوات عدة اتخذها المغني والملحن المصري حمزة نمرة قبل أن يطرح ألبومه الأحدث الذي اجتذب شرائح عمرية مختلفة عند صدور أغنياته تباعاً في منتصف أغسطس/ آب المنقضي.
هذه الخطوات كان من شأنها أن تعزز صورة ذهنية جديدة عنه بعد أن ظل لسنوات موصوماً بالانتماء لتيار الإسلام السياسي، ما جعل حضوره وحضور أغانيه في الفضاء العام المصري محل تخوف ورفض، إلى أن أعلن نمرة علناً في حوار صحافي أنه لا يؤمن بفكر جماعة الإخوان ولا ينتمي إليها.
وقت نشر الحوار احتفت وسائل الإعلام المصرية المملوكة للشركة المتحدة للإنتاج الإعلامي بإعلانه، وزفته إلى قرائها بعبارات قوية من عينة "حمزة نمرة يحرق قلوب الاخوان"، و "صدمة داخل الأخوان" بعد تبرؤ حمزة نمرة من التنظيم".
"رايق" هو الألبوم الغنائي الثاني لحمزة نمرة عقب العودة إلى مصر، ويبدو فيه تردد حمزة بين التجديد والبقاء في المنطقة الآمنة "الكومفورت زون"، فهل يحسم قراره في الألبوم القادم؟
اكتمال حضوره واعتماده مقبولاً ظهر من خلال النجاح الذي حققه ألبومه الماضي "نمرة لاونج" الصادر في العام 2022 وعاد فيه للتعاون مع صناع الأغنية في مصر. وتعزز وجوده وقبوله في رمضان الماضي عند مشاركته في إعلان خاص ببنك مصر تبثه القنوات العاملة في مصر المملوك منها للدولة وتلك المملوكة لمجموعات إعلامية عربية، وبعد خمسة أشهر من نجاح ذلك الإعلان يظهر للنور ألبومه الجديد الذي نراجعه في هذا التقرير.
حمزة "رايق"
ألبوم نمرة الأحدث حمل عنوان "رايق" وهو سابع ألبوماته وأنجحها منذ الألبوم قبل السابق "مولود سنة 80" الصادر في 2020، فيما لم يحظ ألبومه الموسيقي "نمرة لاونج" بنجاح واسع. وهو ألبوم ركز على توزيعات تخت شرقي لأشهر أغنياته الصادرة في ألبومات سابقة.
في "رايق" يعود حمزة لشاعره محمود فاروق الذي بدأ معه الرحلة، وأكثر من شاركه في كتابة أغنياته ومن أشهرها "داري يا قلبي".
واعتمد نمرة في ألبومه الصادر في 2020 "مولود سنة 80" على شعراء آخرين وفتح مجالاً لاستقبال أغنيات من شعراء غالبيتهم هواة، لكن عودته إلى مصر فتحت المجال للعودة للتعاون مع شعرائه الاثيرين ومنهم صديقه وشريك مشروعه الغنائي، ليسيطر فاروق على الألبوم الذي صدرت منه حتى الآن ثماني أغنيات كلها من كلمات محمود فاروق، عدا "اسكندرية" التي شارك في كتابتها محمد السيد وأغنية "لعله خير" للكاتب عمر طاهر في ثاني تجاربه مع نمرة.
وتبقى خمس أغنيات تصدر خلال الأسابيع القادمة منها أربع لنفس شاعر الألبوم محمود فاروق وهي "أكيد راجعين" و"مرايات" و"يا سفينة" و"ورجعنا لوجع القلب".
ألبوم حمزة نمرة الأحدث حمل عنوان "رايق" وهو سابع ألبوماته وأنجحها منذ الألبوم قبل السابق "مولود سنة 80" الصادر في 2020، فيما لم يحظ ألبومه الموسيقي "نمرة لاونج" بنجاح واسع. وهو ألبوم ركز على توزيعات تخت شرقي لأشهر أغنياته الصادرة في ألبومات سابقة
زهوة البدايات والبحث عن أسلوب خاص
كان أول ظهور لافت لحمزة نمرة في ألبومه الصادر عام 2009 بعنوان "احلم معايا" والذي ظهر فيه اختلافه عن السوق وقتها واتجاهه الذي يشبه تيار الأندرغراوند.
جاء الألبوم بعد سنوات طويلة من العمل ومحاولات التواجد بدأت في نهايات التسعينيات وأوائل الألفية، وجوده في الإسكندرية التي كانت تشهد حركة قوية لموسيقى الأندرغراوند ليتعرف على الفنان الراحل نبيل البقلي الذي آمن بموهبته وضمه إلى فرقته السكندرية "الحب والسلام". وقال عنه نمرة إنه تعلم منه - أي البقلي- الحياة والمبادئ قبل الموسيقى.
من وحي هذه النشأة ظهرت في الألبوم الأول أغنية "شد الحزام" لسيد درويش، وكان يغني في حفلات منفردة بعض أغنيات "الحب والسلام" مثل "عصفورين" و"اسمي مصر" حتى قامت ثورة يناير 2011، والتي أصدر معها ألبومه الثاني إنسان والذي استمرت فيه الثيمات نفسها في البحث عن معاني الحب والوطن والهموم الاجتماعية، وضمنه أغنية "اسمي مصر" لأستاذه نبيل البقلي، كما ضم الألبوم أغنيات على نفس الخط مثل "الميدان" و"بلدي يا بلدي" و"ابن الوطن".
ورطة حمزة نمرة في الألبوم تظهر بداية من هذه الأغنية، إذ غيرت كلماته المعتادة جلدها لتكون أكثر خفة و"شبابية" ربما، وإن لم تختلف الموسيقى كثيراً عن السابق لكن اختلاف طابع الكلمات جعل الأغنية وكأنها تنتمي لمطرب آخر غيره
اتساع الجماهيرية والطابع "السياسي"
خلال السنوات التي تلت الألبوم "الوطني" وألبوماته التي توالت بعده، تشكلت الوجهة والرأي نحو أغنيات حمزة نمرة، فأصبحت أغنياته درامية تميل إلى الحزن وربما "الكآبة"، على الرغم من محاولاته تقديم أغنيات فَرِحَة أو ذات طابع متفائل، لكن الموسيقى والتوزيعات التي يضعها أو يختارها لأغانيه لا تساعده كثيراً، فظل الانطباع السائد والمسيطر لدى الجمهور، أن أغنياته "تراجيدية" وبها كثير من الدراما والحكي وتمكن من النجاح عبر تلك الأغاني مثل "داري يا قلبي" و"فاضي شوية".
في عام 2016، ومن لندن حيث بقي في أعقاب العام 2014، قدم نمرة برنامج "ريمكس" الذي قدم من خلاله إعادة توزيع لأغنيات تراثية من مختلف أرجاء العالم العربية التي أمكنه الارتحال إليها للتعرف على تاريخها وقصتها وحكاية من غناها ثم يعيد توزيعها. هذا البرنامج أيضاً أكد على ارتباط نمرة بالتراث الغنائي وأشكال الموسيقى التطريبية وتقديمها في توزيعات جديدة تخرج بها عن قالبها إلى قالب مختلف مثل "قصة أيوب وناعسة" التي تعاون فيها مع عازف القانون التركي ايتاتش، وكذلك أغنية "ساري سرى الليل".
عودة إلى "رايق"
"رايق" هي أولى أغنيات الألبوم الذي يحمل عنوانها. خدعة حمزة نمرة في الألبوم تظهر بداية من هذه الأغنية، إذ غيرت كلماته المعتادة جلدها لتكون أكثر خفة و"شبابية" ربما، وإن لم تختلف الموسيقى كثيراً عن السابق لكن اختلاف طابع الكلمات جعل الأغنية وكأنها تنتمي لمطرب آخر غيره.
قد يرى متابعوه في هذا أمراً سلبياً ينتقص منه، لكنه - في رأيي- توجيه إيجابي في محاولة الخروج عن القوالب المعتادة لأغانيه ومعانيها وإن ظل موضوع الحنين والنوستالجيا والبكاء على الزمن الماضي، وهي التيمة التي قادت ألبومه الغنائي السابق- هي نفسها مسيطرة على كلمات "رايق" وبعض أغنيات الألبوم الجديد.
اللافت أن الاقتراب من كلمات أكثر شبابية جعل أغنياته على الفور تشبه أغنيات أخرى منها مثلاً أغنية محمد منير "أنا رايق" التي صدرت قبل أشهر قليلة.
يواجه نمرة تحدياً في أغنية "إسكندرية" حيث محبته الخاصة للمدينة وذكريات بداياته الموسيقية، لكنه لا ينجح في ذلك التحدي، فعلى الرغم من ذكرياته الخاصة مع المدينة التي تجعله واحداً من أبنائها وإن لم يولد فيها، لم تخرج أغنيته لها عن مجرد التغني بمناطق المدينة وأحيائها كالكورنيش، واستدعاء لرموزها المشاهير مثل سيد درويش ومحمد الموجي فجاءت أغنيته مشابهة لأغلب الأغنيات التي غنِّيت للمدينة، لكن كانت تيمة اللحن جيدة ومنحت الاغنية بعض من الاختلاف الذي كانت بحاجة إليه.
ربما يفسر هذا النجاح المحدود للاغنية، فهي الاقل استماعاً بين أغنيات الألبوم على المنصات المختلفة، خاصة وأن الإسكندرية تحديداً من بين كل المدن لا ينقصها أغنية جديدة عن شوارعها وأحيائها والكورنيش وعظمة سيد درويش.
واستكمالا لبعض الأغاني التي تبتعد عن الحزن والانهزام وتعبر عن عنوان الألبوم إلى حد ما، ففي أغنية "لعله خير" يبحث نمرة عن جانب إيجابي للغناء عنه رغم التردد الذي يشعر به فالقول بجملة "لعله خير" تتردد عادة عند وقوع مكروه.
كانت لمحات الحزن تظهر بشكل خفيف في أغنيات الألبوم، إلى أن تظهر أغنيات "رياح الحياة" و"مش سليم" لتعود الحالة المعتادة لكثير من أغنيات حمزة نمرة بكامل طاقتها، هذه الأغنيات عادة ما تكون أنجح أغنياته وتتناسب ألحانها وكلماتها مع صوته
في الأغنيات التالية تستمر محاولات التنوع التي يسعى إليها، لتأتي أغنية "أنا الطيب" وهي محاولته الثانية مع الأغنية ذات الإيقاعات الشعبية، وتدور حول موضوع مكرر ومحبب في الأغاني الشعبية التقليدية حيث بطل الأغنية "المطرب" الطيب الشهم الصريح الذي يتعرض للخيانة والغدر ممن حوله، لكن خامة صوت نمرة من الصعب أن تنافس في مثل هذه النوع من الأغاني التي يبرع فيها أمثال أحمد شيبة وعبد الباسط حمودة ورضا البحراوي وأحياناً أحمد سعد.
في أغنية "شيخ العرب" يعود نمرة لواحدة من محاولاته في اكتشاف الموسيقى التراثية واستلهامها، هذه المرة الموسيقى البدوية العربية.
ترك مهمة وضع اللحن لأحمد الحاج والتوزيع لكريم عبد الوهاب الذي تعامل معه في العديد من الأغنيات وكان موفقاً في استخدامه آلات الربابة والمزمار والناي، لأغنية في كلماتها تمثل لوناً محبباً شعبياً إذ تحوي سرداً لقيم وحكم ووصايا من شيخ إلى شاب وتتكرر معها تيمة "لا شيء يبقى على حاله" كما في كثير من أغنيات الألبوم الأخرى.
عودة إلى الحزن
إلى هنا كانت لمحات الحزن تظهر بشكل خفيف في أغنيات الألبوم، إلى أن تظهر أغنيات "رياح الحياة" و"مش سليم" لتعود الحالة المعتادة لكثير من أغنيات حمزة نمرة بكامل طاقتها، هذه الأغنيات عادة ما تكون أنجح أغنياته وتتناسب ألحانها وكلماتها مع صوته، مثل أغنيات "داري يا قلبي" و"فاضي شوية" ضمن أغنيات شبيهة نجحت في ألبومات سابقة.
في أغنية رياح الحياة التي كتبت بطريقة سردية لا تعتمد على الكورس والسينيه بل كتبت متدفقة ولحنها حمزة كما هي فلم يكرر بها كوبليهات، ورغم صعوبة ذلك على المتلقي نجحت في أن تلعب بالمشاعر
هذه الأغنيات ذات الحمل التراجيدي التي تواجه النفس وتلومها وتواجه الماضي وتشخصه في كيان يؤرقه في حاضره ويعذبه هي ما تمس المستمع الذي يميل عادة للدراما، كانت أغنية مش سليم كأنها امتداداً لرياح الحياة حيث الصراع النفسي.
في أغنية رياح الحياة التي كتبت بطريقة سردية لا تعتمد على الكورس والسينيه بل كتبت متدفقة ولحنها حمزة كما هي فلم يكرر بها كوبليهات، ورغم صعوبة ذلك على المتلقي نجحت في أن تلعب بالمشاعر. بنيت الأغنية على أن دوام الحال من المحال.
هذه الأغنية هي الأبرز في الألبوم حتى الآن، ولعلها ستظل في المقدمة فيما تصدر باقي الاغاني تباعاً لأنها تمثل الشكل المثالي للأغنية "النمراوية"، وهي تتصدر عدد مرات الاستماع بين أغنيات الألبوم على كافة المنصات الرقمية للموسيقى.
بشكل عام، يثبت حمزة نمرة في هذا الألبوم أنه مصر على البقاء في مساحة متفردة، وإن جرب اختراق مساحات أخرى بعيدة عن مساحته المعتادة، لكنه يعود إلى منطقة الأمان في موضوعاته وألحانه وموسيقاه التي يرتاح لها صوته وجمهوره، ولا يثنيه هذا التجريب، وإن كان لا يسمح لنفسه بأن يجدد في صوته عبر التعاون مع ملحنين آخرين يخرجونه من القالب نفسه الذي يدور فيه.