ذاكرة المعلم غرايبة في منتدى الرواد الكبار"

ذاكرة المعلم غرايبة في منتدى الرواد الكبار"
الرابط المختصر

استضاف منتدى الرواد الكبار يوم السبت الدكتور عبد الكريم غرايبة في اطار برنامجه "ذاكرة انسان" في مقر المنتدى، الندوة التي قدم فيها الغرايبة شهادة خاصة، أدارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان الذي أستعرض ملامح من سيرة الضيف الذي وصفه بشيخ المؤخين الأردنيين.

الغرايبة استعرض السيرة التاريخية للمنطقة مستهلا شهادته بأبيات شعرية تقول:

أنا لا أشكو دنى في أمتي/ فبقومي كان أدلال الجسور

إنما يوشك أن يبكيني/ غفلة القاة منت والصدور.

وبعد استعراضه لتاريخ المنطقة أنذاك –زمن مولد غرايبة- قال للحضور: "أعتذر عن هذا الانحراف، ولكن اسمي وحياتي جزءمن هذا التيار الجارف، رغم اشتهار بالدنا بالجفاف وقلة الماء، فقد أطلقوا علي اسم "عبد الكريم" كما أطلقوه على كثيرين ولدوا اوائل العشرينات من القرن الماضي تيمنا واعتزازا ببطولات وانجازات بطل الريف "عبدالكريم الخطابي" الريفي والأمازيغي، والذي كان اول من هزم جيشا أوروبيا في العصر الحديث".

وزاد غرايبة: "احتفلت وحدي يوم السبت الثاني والعشرين من أيلول 2012 ببلوغي الحادية والتسعين حسب التقويم القمري، وأرجو أن لا تقولوا امد الله في عمرك، لأنكم لو جربتموها لما قلتم ذلك، وكنت قبلها بأربعة أيام قد احتفلت بمرور خمسين سنة على صدور إرادة ملكية بتعييني أول معلم في الجامعة الأردنية، لذا بادرت بإرسال رسالة إلى الجامعة اعتذر فيها عن مواصلة التدريس والعمل، بسبب تقدمي في السن، وعجزي عن تقديم ما يستحقه الطلاب من من عطاء معلم".

قبل ثمانين تقدمت إلى " عمر فائق الشلبي "، بطلب الإلتحاق بالرابع ابتدائي في اربد وكان الصف الرابع الوحيد في المنطقة مابين نهر الزرقاء ونهر اليرموك وقال لي: يا أفندي الأمر يحتاج إلى امتحان قبول وتتم ذلك، وسألوني عن هويتي فقلت: أنا مسلم عربي حوراني من الأردن.

ولم يكن جوابي فلتة عبقرية بل رددت ما قاله الناس حولي، وأكثرهم من الأميين، ولو سئل إنسان قبل ذلك بأربعة قرون: هل انت سوري لأجاب ما معناه: أنا لم أسمع بهذه الكلمة ولم تستعمل كلمة سوريا قبل عام 1800 إلا في موقعين في الطبري ومعجم البلدان أما الجزائر فكانت الضفة الشرقية لشط العرب والبلد الوحيد الذي لم يتغير وثبت حدوده هو مصر ومصر ليست كلمة عربية شمالية بل يمانية.

ويبدو أن الحكام الذين وصلوا إلى السلطة بطريق ليلة القدر أو في غفلة من الدهر، أدركوا أن الشعب الذي يقبل بهم حكاماً ويرفعهم جدير بالإذلال والإحتقار هذه مأساة الحكم في بلادنا خلال أكثر من 1000 سنة حكام أغبياء أذلاء يطيب لهم أن يذلوا ويذلوا وفقد الأغبياء سلطاتهم بسرعة ليفسحوا المجال أمام أغبياء جدد ليصلوا للسلطة بالغفلة أو في ليلة قدر، ونكب عالمنا بحكام كان مكانهم الطبيعي مصحات الأمراض العقلية.

هذا هو النص الرابع الذي أكتبه بهذه المناسبة، وأنا غير راض عن أي من هذه النصوص، لا أريد خنق الأمل بالمستقبل لأنني مؤمن بأن المستقبل

أفضل من الحاضر وأن الحاضر خيرٌ من الماضي لا أريد لأحد أن يفقد الأمل وقد جمعت نصوصاً ووثائق عن النضال السوري مابين 1900-1950 ووضعته في صندوق وشمعته وسلمته إلى الجيش السوري عام 1958 ورجوتهم أن لايسمحوا لأحد بالإطلاع على ما فيه لفترة طويلة من الزمن، أردت تجنيب الشباب خيبة أمل قاسية بزعماء النضال.

نجح الأمريكيون في كل مكان في سلب عقول المستضعفين والأغبياء والحالمين بالحرية والديموقراطية وتحولت مشاعر الخوف من الفقر والمرض وحب الحرية إلى عداء شديد لبلدهم يتجاوز احتجاجهم على أنظمة الحكم وطالب السوريون عام 1919 بحك أمريكي ولو حدث هذا لاصبحت سوريا مثل هونولولو، ليس فيها أحد ينتسب إلى السكان الأصليين، انهم خبراء في الإبادة وأذكر مرة أخرى بما قاله بطرس غالي بأن إسرائيل صناعة أمريكية وأن ولسون هو الذي صاغ وعد بلفور وشجع على تنفيذ سايكس بيكو، ودعا إلى حرية الشعوب الأروبية فقط.

ويستحيل علينا خلع جلدنا لتصبح بشراً من نوع جديد، لذا لابد لنا من تنمية الجلد القديم وحمايته، فلا جلد لنا غيره.

سيرة غرايبة

هو شيخ المؤرخين الأردنيين وأول من حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ في الدولة الأردنية.

عُرف بأنه عربي الهوى وأردني الانتماء فأصبح موضع الاقتداء والتقدير ومحط احترام الآف مؤلفة من الأفراد والأشخاص الذين عرفوه عن كثب فأصبح لقب (المعلم) قريناً له، إنه المعلم الفاضل والأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبة.

اقترن الدكتور عبد الكريم الغرايبة بالسيدة الفاضلة بيهمال العنبري وهي من عائلة عريقة في دمشق وأنجبت له ولده الدكتور رائد وهو طبيب في مستشفى الجامعة الأردنية ودرس الطب ليحقق حلم جده الذي أراده لوالده.

ولد عبد الكريم الغرايبة في العشرين من حزيران من عام 1923 في قرية المغير شمال محافظة إربد وكان عدد سكان القرية لا يزيد عن 200 نسمة وأُطلق عليَّ اسم عبد الكريم كغيري من الأطفال الذين ولدوا في تلك الفترة نسبة إلى عبد الكريم الخطابي المغربي الذي قاد ثورة ضد الاسبان وهزم جيشهم وأسس جمهورية الريف بعدها تم اعتقاله ونفيه إلى جزيرة في المحيط الهندي إلى أن قام المصريون بتهريبه وعاش في مصر إلى حين وفاته.

الدكتور عبد الكريم الغرايبة وُلد لعائلة معروفة ومرموقة، وتقدر العلم والمتعلمين.

وهو الابن الأكبر لشيخ عشيرة الغرايبة المرحوم محمود باشا الخالد الذي كان يعمل مديراً لناحية عجلون ثم أصبح قائمقام في عدة مناطق منها جرش ومأدبا وفي فترة الأربعينيات شغل منصب رئيس بلدية إربد.

تلقى الدكتور عبد الكريم الغرايبة تعليمه الأولي (مبادئ الحساب والقراءة والكتابة) في كتّاب القرية على يد الشيخ علي الخليل الحوراني.

ودرس الصفوف الأول والثاني والثالث في عدة مدن أردنية وذلك بحكم تنقل والده في عمله من مكان لآخر وتعدد مواقع إقامته، أما الصفوف من الرابع إلى الثامن فقد أتمها في إربد.

وبعد اجتياز الصف الثامن انتقل إلى مدينة السلط وذلك عام 1939م حيث التحق بمدرستها الثانوية العتيدة والتي تخرج منها معظم رجالات الرعيل الأول في الدولة الأردنية الغراء وهناك – في السلط – أتم الصفين التاسع والعاشر وتخرج منها حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية عام 1941.

وكان أحد الطلاب العشر الأوائل في دفعته وقد زامل كل من أحمد الهنداوي وجميل زريقات وفؤاد قاقيش ويعقوب الزيادين – مع حفظ الألقاب .

انتقل لمتابعة دراسته الجامعية في بيروت فقد كان احد طلاب الجامعة الأمريكية المرموقة وملأت والده رغبة شديدة بأن يدرس نجله الطب ليصبح طبيباً معروفاً في مدينة إربد وليزداد فخر ذويه وعائلته به.

التحق عبد الكريم الغرايبة عام 1944م بكلية الطب استجابة لرغبة والده وخلال أحد دروس التشريح شعر الدكتور عبد الكريم الغرايبة بحمى شديدة تجتاح جسده فما كان منه إلا أن انهار وسقط على الأرض فتم إرساله إلى غرفة الإنعاش الفوري. وقد تبين أنه مصاب بمرض الحمى الوافدة والتي انتشرت أثناء الحرب العالمية الثانية وهي حمى الدنجي فتم فرض الحجر الصحي عليه وبعد أن استرد صحته وعافيته، عاد لمتابعة دراسته اكتشف بأنه قد فاته الشيء الكثير من الدروس والمحاضرات وليس لديه أي فرصة للحاق بزملائه حين ذلك اتخذ قراراً مصيرياً صعباً وهو الانسحاب من كلية الطب والالتحاق بكلية الآداب لدراسة التاريخ.

حصل الدكتور عبد الكريم الغرايبة على درجة البكالوريوس في التاريخ عام 1947م وعاد إلى أهله واستقبلوه بحفاوة بالغة.

بعدها قام بمراسلة جامعة لندن ليقوم بدراسة الدكتوراه فيها وبالفعل فقد قوبل طلبه بالموافقة بعد أن نجح في اجتياز امتحان الكفاءة لخريجي الماجستير حيث أنه لم يكن حاصلاً إلا على درجة البكالوريوس وقد قامت الحكومة بإبتعاثه بمنحة حكومية خلال سنوات دراسة الدكتوراه مقابل الحصول على تعهد منه بالعمل لدى الحكومة بعد إكمال الدراسة، وقد تتلمذ في جامعة لندن على يد أساتذة معروفين منهم البروفسور ماكس مالوان والدكتور برنالد لويس والدكتور جوردون ستايلد.

وفي فترة دراسته في لندن وتحديداً في عام 1948م تقدم عبد الكريم الغرايبة بشكوى ضد كلوب باشا حيث قام الدكتور الغريبة بإرسال رسالة إلى رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كليمنت أتلي طالبهُ فيها بإخراج كلوب باشا من الأردن ولكنه أجاب بأن الأردن بلد مستقل ولا يمكننا التدخل في ذلك و أن كلوب باشا متعاقد مع الدولة الأردنية.

بحث الدكتور عبد الكريم الغرايبة في رسالته للدكتوراه عن العلاقات التجارية بين انجلترا والدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وكان من الطلاب القلائل الذين استخدموا مراسلات التجار المحفوظة في المتحف البريطاني كما استفاد من المصادر العربية المتعلقة بالموضوع.

عاد الدكتور عبد الكريم الغرايبة إلى وطنه عام 1951م ليعمل مفتشاً في دائرة الآثار الأردنية التي كان يرأسها المرحوم لانكستر هاردنج وخلال هذه الفترة كانت الجامعة الأمريكية تطرح برنامجاً للقيام بأبحاث تاريخية جغرافية لمنطقة بلاد الشام لمدة ستة أشهر.

التحق بالجامعة الأمريكية في نيسان عام 1953م واتصلت جامعة دمشق وعرضت عليه التدريس فيها بلقب أستاذ زائر في تاريخ العرب الحديث لمدة سنتين ليعود بعد ذلك إلى وطنه الأردن للعمل بمنصب رئيس لقسم التشريع في ديوان الموظفين وبعد شهرين جاء طلب إلى الحكومة الأردنية من الحكومة السورية ليقوم الدكتور الغرايبة بالتدريس في جامعة دمشق نظراً لحاجة الجامعة لجهده العلمي.

وفي عام 1956م عاد الدكتور الغرايبة إلى عمان ليتم تعيينه مديراً عاماً لدائرة الآثار، وأثناء وجوده في سوريا نشر الدكتور الغرايبة مجموعة من المؤلفات العامة منها: تطور مفهوم النضال العربي ضد الاستعمار 1959م مقدمة تاريخ العرب الحديث 1960 والجزيرة العربية والعراق 1960، أفريقيا العربية في القرن العشرين 1960، العرب والأتراك في التاريخ 1960، سوريا في القرن التاسع عشر 1971م.

انتقل في بداية عام 1962 للعمل في جامعة الرياض وهناك استطاع التعرف على تاريخ الدولة السعودية وقيامها وبعد البحث واستيفاء المعلومات الهامة تمكن من إعداد كتاب يحمل مسمى (قيام الدولة السعودية الأولى) وبعد أن أمضى سنة دراسية في السعودية عاد إلى الأردن في الفترة التي يتم فيها إنشاء الجامعة الأردنية ولأنه أول من حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ فقد كان من الطبيعي أن يتم تعيينه في الجامعة الأردنية منذ نشأتها فعمل فيها أستاذاً مساعداً ثم مشاركاً ثم أستاذ شرف حتى تقاعده من العمل عام 1997م.

تنقل الدكتور الغرايبة في العديد من المواقع الأكاديمية خلال عمله في الجامعة الأردنية فمن رئيس لقسم التاريخ إلى عميد لكلية الآداب لأربع مرات إلى نائب رئيس الجامعة لشؤون التخطيط والعلاقة مع المجتمع، ومشهود للدكتور الغرايبة أنه كان يمضي سنة التفرغ العلمي في البحث والدراسة والتأليف وتعلم اللغات الأخرى.

يعد الدكتور عبد الكريم الغرايبة واحداً من جيل العمالقة ورجلاً أصيلاً ووفياً فذكائه الوقاد وأخلاقه العالية وإخلاصه المطلق ووطنيتهُ الصادقة جعلت منه نموذجاً يجدر بالجميع السير على خطاه ولأنه المعلم ومربي الأجيال فقد قام عدد من زملائه في العمل وطلابه الذين نهلوا من معين خلقه ومعرفته وعلمه بإعداد كتاب تكريمي للدكتور عبد الكريم الغرايبة عام 1988م.

حمل مسمى «بحوث ودراسات مهداة إلى عبد الكريم غرايبة بمناسبة بلوغه الخامسة والستين.

كما وقامت بلدية إربد الكبرى بتكريم المؤرخ الدكتور عبد الكريم الغرايبة كونه أبرز المؤرخين الأردنيين وأهم ركائز الحركة الثقافية الأردنية، فقد عُرف أبو رائد من خلال سيرة حياته الطويلة الحافلة بالإنتاج والعطاء والإخلاص والصدق ولكي ننصفه يجب القول أنه الأردني العروبي الصادق إنه الشيخ المعلم.

صدر للدكتور الغرايبة:

- كتاب عام 1984 يعتبر مرجعاً هاماً لكل باحث ومهتم وهو تاريخ العرب الحديث 1200-1350هـ، كما صدر له كتاب موسوم بـ (العرب وأمريكا، 2009) هذا الكتاب يستشرف آفاق المستقبل بعد أن يلم بأحداث الماضي وهو نتاج فكر واسع منقح.

أطال في عمر الأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبة شيخ المؤرخين الأردنيين ليبقى منارة شامخة ورافداً لكل الأجيال تنهل من علمه الغزير الذي لا ينضب ووفائه وإخلاصه لعلم التاريخ والتوثيق التي يحدد مستقبل هذه الأمة فالماضي يصنع الحاضر ويوثق المستقبل فلا خوف على صناعة التاريخ ما دامت بأيدي الشيخ المعلم والمربي الفاضل الدكتور عبد الكريم الغرايبة.