الضرورة الفلسفية للإصلاح الديني

الضرورة الفلسفية للإصلاح الديني
الرابط المختصر

 

ظل السؤال الذي طرحه الكثير من الفلاسفة والمفكريين على أنفسهم دون جواب حاسم وما زال متردداً على شفاه الكثيرين وفي عقولهم:

 

إذا كان الدين هو المهيمن على وعي وعقول وقلوب الجماهير في بقاع كبيرة من العالم، فما هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الظاهرة وهذا الواقع؟ أهي الثورة وقلب وعي الجماهير رأساً على عقب، وتخليصها من هذا الوعي الزائف الذي يكبلها؟ وهل من السهل فعل ذلك بعد مئات السنوات من التدين؟ أم الإصلاح أي تصحيح المفاهيم وفتح العقول وتحريرها رويداً رويداً، من هذه الهيمنة  دون صدم وعيها ودون الإستخفاف بوجدانها وشعورها، والإنتقال بها من مرحلة إلى أخرى ومن درجة إلى درجة أعلى من الفهم والوعي؟

 

هناك من يرى الثورة هي السبيل إلى تخليص الجماهير مرة واحدة من هذا "الأفيون" كما يسمونه ومن هذا الإستلاب، وهناك من يرى أن الموقف يتطلب حكمة، وأن الثورة ستنقلب عليهم، وأن الشعوب تعود مرة بعد أخرى تنشد وجدانها وتجد في أديانها وأساطيرها ملجأ نفسياً أميناً.

 

فمؤيدو الإصلاح يرون أن الجماهير قاصرة عن تحقيق "ثورة الوعي"، فلا تستطيع الإنتقال من مرحلة إلى أخرى، فقط الأفراد هم القادرون على ذلك، أي قادرون على أحداث ثورة في وعيهم، كما ان هناك بين الجماهير والنخب صراعاً وجدلاً، بعض المرات تترك الجماهير للنخب أن تقودها وفي المرات الأخرى، تنقلب عليها لتطحنها تحت أرجلها بعقلها الواعي واللاواعي. فالمعادلة صعبة: معادلة الثورة أم الإصلاح ؟ النخب أم الجماهير؟ العقل العلمي أم العقل الديني؟ ومع ذلك نقدم مساهمتنا النظرية لصالح الإصلاح الديني، ولنفسر أولاً ما هو التأسيس الفلسفي أو "الضرورة الفلسفية للإصلاح الديني".

 

نعني بالضرورة أو التأسيس الفلسفي، إقامة البناء النظري المنطقي الذي يخلو من التناقضات ويؤسس لبناء حقيقي للفكر الديني الإصلاحي المأمول.

 

الإصلاح الديني: أصلح الشيء أي أزال عيوبه وأخطاءه وجعله صحيحاً ومعافى. ولا نتحدث هنا عن عملية تجميل أو عملية إعادة تأهيل، أو إصلاح خارجي، بل عن زرع مجموعة من المبادئ النظرية والعملية في داخل المنظومة الدينية عليهما أن يحدثا ثورة في الوعي الديني كما عليهما أن يعيدا توجيه الدين نحو فهم الإنسان المعاصر.

 

أما لماذا نجد أن هناك ضرورة لتدخل الفلسفة في الإصلاح الديني؟ فلاننا نعتقد بأن الدين اليوم في وضع بائس من منظور عقلي وعلمي، وبأن في قدرة الفلسفة أن تساعده ليؤسّس للعقلانية وليتبنى قواعد منطقية قادرة على إرشاده كي لا يقع في تناقض مع ذاته، ومع الواقع الذي يعيشه الإنسان المعاصر. فالدين من دون عقل ومن دون فلسفة ومن دون علم، يعود إلى حضن الخرافه. والدين من دون فهم ومنطق، يناقض ذاته في كل لحظة.

 

لذا سنضع مقترحات ثلاثة كبرى مستمدة من العقل والواقع سترشد لتحقيق إصلاح عميق للدين عموماً، ومن شأنها إذا طبقت أن تحدث ثورة حقيقية في المفاهيم الدينية السائدة وهي:

أ- عقلنة الدين.

ب- أنسنة الدين.

ج- تصالح الدين مع العلم.

 

وساجيب أخيراً إذا كان هناك مثالاً أو نموذجاً يمكن إتباعه من عالم الواقع، أو هل كان هناك في الماضي أو الحاضر إصلاح ديني بناء على تأسيس أو ضرورة فلسفية؟

 

أ- عقلنة الدين

من واقع الحروب الطائفية والدينية التي تعيشها منطقتنا العربية، والتي تزهق ارواح الآلاف من البشر الآبرياء، يتساءل الإنسان العربي ما الخطأ الذي حصل؟ ذنب من يقتل كل هؤلاء الناس؟ هل من الصحيح قتل الأبرياء بأسم الله، أو بأسم الطائفة أو باسم المعتقد الديني؟ وهل من الصحيح أن يهجّر الملايين من بلادهم لأنهم ليسوا من الطائفة أو من تلك الجماعة التي تحكم السيطرة على الأرض، أو لا يشتركون معها في المعتقد ذاته؟

 

الجواب الجاهز دائماً: الخطأ في التطبيق وليس في المبدأ، الإسلام أو المسيحية ليستا كذلك، هناك في كل دين جموع المتطرفيين الذين يرتكبون الجرائم باسم الله، وفي المنطقة العربية تحركهم المخابرات الغربية أو العربية أو المؤامرة الخارجية، ولا يمتون بصلة إلى الدين.

 

الجواب صحيح جزئياً أو نسبياً من جهة المعتدليين الدينيين والذين يعتمدون على تفسيرات معتدلة للنص الديني، ولا يريدون رؤية التأسيس النظري والعملي للعنف الديني.

 

إلا أنه خطأ من وجهة نظر المتطرفيين، فهم يرون أن ما يفعلونه صحيحاً وتقرباً من الله وتطبيقاً لشريعته الحرفية، حتى لو كل الناس كانوا مخالفين لهم، ويرون في المعتدلين كفرة أو زنادقة. وهم أنفسهم يعتمدون نصوصاً وآيات تدعو إلى الجهاد ومحاربة الكفار اعتماداً على نفس النص المقدس.

 

لم يفطن أحدهم إلى أن المقدس والعنف متلازمان في الأصل، فالعنف ينبع من " المُقدّس" ويرتبط به في معظم الأحيان، والمقدس لا يتقدس إلا إذا مارس العنف أحياناً.لو أخذنا إبراهيم مثلاً، فلو لم ينوِ ذبح إبنه لما عُد مؤمناً، حسب الكتب المقدسة.

 

يتجلى هذا العنف في ارتباطه بالمقدس بهذه الأمور الخمسة:

1. الذبح: وهو عنف نمارسه على الحيوان باسم المقدس وإكراماً له، ويمكن استبداله بأي لحظة بذبيحة بشرية.

2. التبشير بالدين وفرضه على جماعة مختلفة في المعتقد هو عنف فكري نمارسه على الآخر المختلف عنا، لأننا نحكم عليه بأنه على خطأ، بينما نحن على صواب.

3. العصابية الدينية: أي ادعاء امتلاك الحقيقة هو عنف بحد ذاته، ولو كان معنوياً، فادعاء وامتلاك الحقيقة، يعني إقصاء الآخر الذي لا يملكها.

4. الطائفية والمذهبية: أي اقتناع جماعة معينة أنها مختارة من قبل الله، أو (الفرقة الناجية) أو القناعة بأننا "شعب الله المختار" أو "خير أمة أخرجت للناس" أو "أننا ملح الأرض" دون الآخرين، هو عنف بحد ذاته، لأننا عندما نريد تطبيقه، علينا اقصاء الآخر أو قتله.

5. ربط الدين بالدولة: يعني فرض شريعة وعبادة معينة على القانون والدولة، وهذا عنف وإكراه لأنه يستثنى الكثيرين ويلغي التعددية، ولأن الدولة جهازاً ومؤسسات يجب أن تكون مدنية ومحايدة.

 

فالعنف هو احتياطي موجود في جعبة المقدس، بل في تركيبته نفسها، وما على المتطرفين إلا الرجوع إلى هذا المخزون وتفعيله عند الحاجة.لذا وعت المجتمعات المتقدمة هذه الحقيقة ونزعت العنف من الدين وأخضعته إلى سلطة القانون، فالدولة أصبحت المحتكرة للعنف المقنن.

 

ومن هنا بحث العقل البشري عن منظومة بعيده عن الطائفية والعرقية والإقليمية والعشائرية تسمح بالتعددية المجتمعية. فوجد المنظومة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة والتي اثبتت أنها أكثر صلاحية لحكم الناس من كل الديانات والشرائع والطوائف، بحيث يعيش المواطنون تحت مظلة القانون فالواجبات والحقوق متساوية للمواطنين من كل الطوائف والأديان وترتكز العلمانية على مفهوم "المواطنة" الذي ظهر إبان الثورة الفرنسية، وطبق فيما بعد في أنحاء كثيرة من العالم.

 

2. أنسنة الدين

 

خلص فلاسفة ما بعد الحداثة في انكبابهم على تفسير "السرديات الكبرى" والنصوص التاريخية والكتب المقدسة وفي فحصهم لبنية أي خطاب أو أي نص، إلى مجموعة من القواعد أصبحت مقبولة لدى كل طلاب وأساتذة العلوم الإنسانية، بل أصبحت قواعد للانطلاق إلى تحقيق المزيد من الفتوحات العلمية وهذه القواعد هي:

1. كل خطاب أو نص أو معرفة، هو خطاب أو معرفة تاريخية بالضرورة أي مرتبطة بالزمن الذي كتب فيها. فالنص إبن تاريخه.

2. كل خطاب أو نص أو معرفة هو جغرافي بيئي بالضرورة أيضاً، لأنه كتب في بيئة أو جغرافيا معينة، فالسمات البيئية ظاهرة فيه وإنعكست عليه.

3. كل نص أو معرفة أو خطاب هو تراكمي، فقد استعمل المعارف التي سبقته ووصلت إليه، ليصيغ نفسه أو ليصاغ منها.

4. كل معرفة أو نص أو خطاب هو إبن لبنية لغوية وفكرية معروفة، وخاضع لشروط تلك اللغة من ترميز وقواعد نحو وصرف وأساليب القول.

5. كل معرفة أو نص أو خطاب هو "محدود" ببنيته وبالمواضيع التي خاض فيها وبالمخاطبين الذين عناهم أو توجه إليهم.

6. كل نص أو خطاب هو سلطوي بالضرورة، لأنه نابع من سلطة معينة، هي التي تقف خلفه.

 

 

وإذا دققنا بهذه القواعد وجب علينا، إعادة أنسنة النصوص المقدسة، أي "أنسنة الدين" لأنه خاضع لشروط المعرفة الإنسانية، أما من يعتبرون أن النص الديني هو خطاب الله الموجه إلى الإنسان كما يعتقد المؤمنون به "ويسعى إلى خيره وصلاحه"، فعليهم أيضاً أن يؤنسنوا ذاتهم ويضعوا الإنسان في مركز اهتمامهم ولا يُعلوا شيئاً فوقه. وقد إكتسب الإنسان على مدى تاريخه مجموعة حقوق صاغها في وثيقة حقوق الإنسان، فأي مخالفة تشريعية دينية لمجموعة هذه الحقوق المكتسبة، لن يكون لها مستقبل في عالم يسعى لتطبيقها. لذا على الخطاب الديني، نبذ كل عنف وكل قمع وكل تهميش يمارس على الإنسان، ويدعوه إلى قتل أخيه الإنسان، بل عليه أن يحقق للإنسان إنسانيته، بدل أن يهمشه.

 

أما أهم ما تطرحه "العقلانية المؤنسنة" فهو: أنه في مقابل النص الديني المقدس والجامد، هناك عقل أو عقول تؤوله وتستنطقه وتفهمه وتشرحه، وهي خاضعة بدورها لظروف الواقع التي تعيش فيه. وكلما كان العقل معاصراً واسعاً وشاملاً ومدركاً لظروفه ولظروف النص ولبنية اللغة ورمزيتها وحدودها، استطاع ذاك العقل إدراك النص أو الخطاب بطريقة معاصرة واسعة وشاملة، مفككاً لغته ومتفهما رمزيته وحدوده. وكلما ضاق العقل وضعف أو تعّصب، ضيّق النص معه وتعصب له وأغلق منافذه ولم يدرك مقاصده. نلاحظ أن النص جامد وأن العقل متحرك، فشروط استنطاق وفهم وشرح النص، تقع في خارجه أي في العقل المؤول له وفي الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يحياها المفسر، فأي أصلاح أو تحديث أو إدراك يقع على العقل. وبما أن العقل في حركة وتحديث دائمين، فعليه أن يجعل النص يواكب حركة العصر، وعليه أن يبقى باب الاجتهاد والتأويل مفتوحاً لئلا يسقط ويتعثر في حركته.

 

هنا يأتي الشرط الضروري للإصلاح، فلن نستطيع تغيير أو تحريف أو زيادة نقطة اإلى النص الأصلي "المقدس"، إلا أننا نستطيع أن نوسع ونثقف ونحدّث العقول أو العقل المؤول للنص، بحيث يستطيع ذاك العقل أن يفسر ويؤول النص بطريقة ذكية وإنسانية قابلة للفهم، ومعاصرة، قابلة للتطبيق من قبل الإنسان المعاصر. ليس هناك نص ديني أرقى أو أفضل من نص ديني آخر بالمطلق، إنما هناك شعوب متقدمة فرضت عقلانيتها وتقدمها على تفسير النص المقدس الذي تحمله، وكلما تخلفت الشعوب وجهلت، يتم تجهيل وتخلف تفسير النص المقدس الذي تحمله. فعقلنة الدين واجب من واجبات الشعوب التي تسيرها العقلانية، والعلم.

 

3. ربط الدين بالعلم

 

لا يمكن للدين اليوم أن يفسر الكون والعالم، إذا اغفل نتائج العلوم الفيزيائية والطبية والتقنية والإنسانية التي أحدثت ثورة في عالم اليوم. ولا يمكن للدين أن يعيش محبوساً في الماضي ومكبلاً بإغلاله وعاداته. ولا يمكن إرجاع إنسان اليوم إلى عصور غابرة ضاربة في القدم دون أن تربطه أو تجعله بعلاقة مع عصره، وإلا عاش فصاماً في شخصه وقناعاته. لذا وجب ربط الخطاب الديني بالخطاب العلمي أو على الأقل، عدم القبول بوجود تعارض ما بين الخطاب الديني والخطاب العلمي، وهذه ضرورة منطقية وواقعية.

 

فالعلم هو الذي سيسوغ وسيقرر نوع الإنسان الذي سيكون عليه إنسان اليوم، وإذا أراد الدين أن يبقى دعوة للصلاح والخير والتقوى، فما عليه إلا أن يهتم بهذه الواقعية، ويسّهل ويساعد العلم في مهمته ولا يعارضه، إنما يؤيده ويتركه حراً في حقله، بينما يتجه الدين إلى حقل الأخلاق وإلى الحقل الروحي للرد على أسئلة الإنسان الاخلاقية والروحية.

 

فإذا كان العلم حقق كل هذه الإنجازات للإنسان على مدى تاريخه، فلن يتنازل إنسان اليوم عن العلم، الذي يجد أنه فسر له الظواهر الكونية وسهل له حياته اليومية وحقق له ما لم يحققه أي دين على مدى تاريخه من منفعة مادية ومن إنجازات حضارية. فلماذا يخاف الدين من العلم؟ ولماذا يصادمه؟ وهو يعرف أن المعركة خاسرة بالضرورة؟ فعلى من يسعى للإصلاح الديني أن يزيل أولاً كل معارضة وصعوبات وعراقيل وضعها الخطاب الديني في طريق العلم والمعرفة والتقدم، ووضعها رجال الدين في محاولة منهم لإعاقة التطور العلمي الذي أثبت في معظم توجهاته أنه يخدم الإنسان ويسعى إلى إسعاده. فالإصلاح الديني يحتم ربط الخطاب الديني بالعلمي حسب المؤشر العلمي وليس العكس.

 

هل هناك نموذج أو مثال للتعاون ما بين اللاهوت والفلسفة؟

 

استعان كل من اللاهوت المسيحي والإسلامي منذ لحظاتهما الأولى بالفلسفة المثالية اليونانية لتثبيت وشرح عقائدهما الدينية، فظهر في المسيحية القديس يوستينوس النابلسي سنة 162 ميلادي، كان أول من استعمل الفلسفة ليدافع وليشرح من خلالها الديانة المسيحية، وتتابع الأمر مع القديس اغسطينوس والقديس انسلم وتوما الأكويني ... الخ. وكان فيلون الاسكندري اليهودي سنة 50م قد سبقهم في استعمالها للدفاع عن اليهودية، واستعمل كل من الأشاعرة والمعتزلة ثم الفلاسفة العرب مثل الفارابي وابن سينا والرازي وإبن رشد، الافلاطونية والأرسطية والأفلاطونية الجديدة، للدفاع عن الإسلام ولشرحه، كما استعمل بعضهم فلسفة سبينوزا وكانط وهيجل للدفاع عن المسيحية واليهودية في العصور الحديثة، إلا أن هذه الفلسفات كلها لم تقدم خدمة حقيقية على أرض الواقع لهذه الديانات فقد اكتفت بالجدل والدفاع النظري.

 

وقد وجد اللاهوت المعاصر نفسه عاجزاً عن فهم الواقع وتحليله،ومن ثم مساعدة الشعوب في سعيها لتحرير ذاتها من الظلم والاستعمار والعبودية. فتبنى بعض اللاهوتيين في امريكيا اللاتينية أدوات التحليل الماركسية كما تبنوا فلسفة الفعل الماركسية "Praxis"، بعد أن نزعوا من الماركسية العنف الثوري والإلحاد، فوجدوا أن هذه الفلسفة ساعدتهم في فهم واقعهم واستطاعت أن تدفعهم إلى العمل لتحرير شعوبهم وذواتهم من الهيمنة الأمريكية ومن الديكتاتوريات العسكرية ومن الواقع المتخلف لشعوبهم. وقد سمّو لاهوتهم الجديد باسم "لاهوت التحرير" وكان هدفه تحرير الإنسان. ولاهوت التحرير عبارة عن تزاوج ما بين الفلسفة الماركسية وبين اللاهوت المسيحي. أعطى هذا اللاهوت لأول مرة ثماراً على أرض الواقع، فاستطاع أن يعقّلن ذاته ويصبح مفيداً، إذ حلل الواقع بأدوات علمية، وانتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة العمل على تحرير شعوب أمريكيا الجنوبية فقطفت تلك الشعوب ثمار التنمية الحقيقية، وتخلصت من الدكتاتوريات العسكرية الفاسدة.

 

خلاصة

قمت بجولة نظرية سريعة على الأسس الفلسفية التي وصل إليها العقل الإنساني في مقاربته للإصلاح الديني، ثم بينت أن هذه الأسس تساعدنا في فهم وإدراك معاصرين للإنسان من جهة وللنص الديني من جهة أخرى، ووضعت المسؤولية على عاتق العقل المستنطق والمؤول للنص الديني في نقل النص المقدس من نص جامد وماضوي، إلى نص مستنطق لشؤون الحاضر والمستقبل، على أن يلبي ثلاثة شروط أساسية هي: عقلنة الدين وأنسنته وتحديث الخطاب الديني بطريقة لا تخالف الخطاب العلمي. وما بين أيدينا من خطابات دينية يخالف هذه الشروط، لذا كان علينا القيام بجهد نظري لبيان ما هو الإصلاح الحقيقي العميق الواجب القيام به في الحقل الديني.

 

وقد أعطيت مثالاً من عالم الواقع للتعاون الذي تم ما بين اللاهوت والفلسفة، وطبق في أمريكيا اللاتينية تحت اسم "لاهوت التحرير"، ولاقى نجاحاً واستطاع الانتقال باللاهوت من التنظير إلى الفعل الجماهيري المباشر، الذي أثبت نجاحاته على الأرض، لأثبت أن الإصلاح الديني بحاجة إلى فلسفة جيدة ليصبح واقعاً.

 

فالنتيجة الحتمية تقول، لا تقدم للشعوب إلا بالرجوع إلى العقل وتحكيمه في مسألة الدين أولاً وفي مسألة التقدم العلمي والحضاري ثانياً. فهل يوجد غير العقل نبراساً للهداية والتقدم؟

 

ألقيت هذه الورقة في محاضرة للجمعية الفلسفية الأردنية أمس الثلاثاء في مقر منتدى الفكر الاشتراكي بعمّان

 

عضو الجمعية الفلسفية الأردنية وأستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية حاصل على دكتوراه في اللاهوت من جامعة اللاتران بإيطاليا، دكتوراه في الفلسفة من جامعة كليرمونت في كاليفورنيا دكتوراه في الفلسفة من جامعة الكسليك في لبنان

 

 

 

أضف تعليقك