470 يوما من الحرب على غزة ... مشاعر متباينة بين الفقد والإعمار

الرابط المختصر

بعد نحو عام ونصف من القصف المستمر والخوف الذي خيم على تفاصيل حياتهم اليومية، استقبل سكان قطاع غزة وقف إطلاق النار بمشاعر متباينة، ما بين فرحة النجاة وبين الحزن العميق على من فقدوا، وقلق من المستقبل، وسط دمار واسع أصاب المنازل والبنية التحتية، وترك القطاع في مواجهة تحديات كبيرة.

مشاهد العائلات التي عادت لتفقد منازلها، وأصوات الأطفال الباحثين عن لحظات أمان وسط الركام، تعكس حجم الألم الذي تعايش معه الغزيون خلال 470 يوما من الحرب.

وعلى الرغم من أن الهدوء المؤقت يعيد بعض الأمل إلى قلوبهم، إلا أن القلق من المستقبل يظل حاضرا، في ظل غياب ضمانات حقيقية تمنع تجدد العنف واستمرار افتقار القطاع إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

وبين الاحتفال بوقف إطلاق النار والوقوف أمام الدمار الهائل، يواجه سكان القطاع واقعا قاسيا البعض عاد ليجد أسرته ناقصة، وآخرون فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، مع ذلك، بدأت تظهر مظاهر الحياة مجددا، حيث عاد البعض إلى مناطقهم رغم الخراب، وامتلأت شوارع القطاع بمشاهد مختلطة من الاحتفال والحزن.

وفي ظل هذه التحديات، تتجه الأنظار إلى إعادة إعمار القطاع، الحرب لم تدمر فقط البنية التحتية، بل أعادت الاقتصاد الفلسطيني عقودا إلى الوراء، مع وصول معدلات الفقر إلى ما يقارب 100%، والبطالة إلى 80.


 

80% من المباني السكنية مدمرة

من جنوب قطاع غزة  الصحفي محمد الجربوع يوضح في حديث لـ "عمان نت" حجم الدمار الهائل الذي شهدته المناطق هناك بعد توقف الحرب، موضحا أن هذه المناطق تعرضت لمستويات غير مسبوقة من الدمار شملت البنية التحتية والمباني السكنية وحتى حياة السكان، مضيفا أن نسبة الدمار في بعض المناطق بلغت حوالي 80% من المباني السكنية، ما ترك الكثير من العائلات بلا مأوى.

ويشير الجربوع إلى أن الوضع الحالي للمناطق المتضررة لم يتضح بشكل كامل بعد، موضحا أن عملية تقييم الأضرار تتطلب وقتا وجهدا مكثفة لتحديد الأولويات في إعادة الإعمار، مؤكدا أن السكان يعانون من واقع مرير، حيث وجدوا أنفسهم بلا منازل، مضطرين للإقامة في الخيام أو في ظروف صعبة، مما يعكس أزمة إنسانية تحتاج إلى تدخل عاجل.

كما تحدث عن أهمية فتح الطرق الرئيسية وإعادة تأهيلها للسماح للسكان بالوصول إلى منازلهم أو ما تبقى منها، مشيرا إلى أن الجهات المختصة تعمل على تنظيم هذه العملية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، مؤكدا أن المساعدات الطارئة للسكان تشمل توفير المياه النظيفة والطعام والدواء، وهي ضرورية لتخفيف معاناة الأهالي في ظل الظروف الحالية.

فيما يتعلق بالزراعة والصيد، وهما المصدران الرئيسيان لعيش السكان في قطاع غزة، أوضح الجربوع أن الدمار أثر بشكل كبير على هذه القطاعات، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي، مشيرا إلى أن إعادة تأهيل الأراضي الزراعية والبنية التحتية المرتبطة بالصيد تحتاج إلى سنوات من العمل والموارد.

وشدد على أهمية تكثيف الجهود المحلية والدولية لإعادة الإعمار وتوفير المساعدات الطارئة للسكان، مؤكدا أن قطاع غزة يحتاج إلى تدخل شامل لإعادة الحياة إلى طبيعتها.


 

تحديات سكان القطاع

في أولى تصريح له بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يعلن رئيس بلدية رفح أن المدينة أصبحت منكوبة، موضحا أن  60 % من منازل رفح تعرضت  للتدمير، مع تسوية 16 ألف بناية بالأرض، وإزالة  35 ألف وحدة سكنية من الخريطة، كما شهدت رفح تدميرا كاملا لأربع مدارس.

ويشير أيضا إلى خروج تسعة مراكز طبية عن الخدمة، بينها أربعة مستشفيات رئيسية، بالإضافة إلى تدمير 81 مسجدا بشكل كامل في المدينة.

من جنوب القطاع في المحافظات الوسطى الصحفية سيلفيا حسن توضح التحديات الكبيرة التي تواجه سكان المحافظات الوسطى في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، مشيرة إلى أن هذه التحديات تتنوع بين توفير المياه الصالحة للشرب والمياه المستخدمة في الحياة اليومية، وبين الظروف غير الملائمة في مراكز الإيواء وخيام النزوح، خصوصا لكبار السن والأطفال والنساء الحوامل، ولفتت إلى خطورة الأوضاع الصحية في ظل انتشار الأمراض الناتجة عن المياه الملوثة.

وتوضح سيلفيا عن المعاناة خلال فصول الصيف والشتاء، حيث أدت درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة إلى وفاة العديد من الأطفال وكبار السن. 

وتؤكد أن نقص المواد الأساسية كالغذاء والدواء كان له أثر مباشر على السكان، خصوصا مع غياب العدالة في توزيع المساعدات، مما زاد من الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.


 

الاحتياجات العاجلة
 

توضح الصحفية سيلفيا أن الاحتياجات الفورية تشمل إنشاء مستشفيات ميدانية، توفير الكوادر الطبية، إصلاح شبكات المياه، وتوفير الغذاء، وتدعو  إلى ضرورة إعادة بناء المؤسسات التعليمية التي توقفت لأكثر من عامين، وإطلاق خطة طوارئ تعليمية لإعادة الأطفال إلى المدارس وتعويضهم عن الفاقد التعليمي.

وتشيد بجهود بعض المبادرين المحليين الذين سعوا لتقديم المساعدات رغم الانتقادات والصعوبات، حيث تم توفير الملابس والأغطية للأطفال النازحين، وتأمين احتياجات أساسية مثل الحليب والأدوية في ظل انقطاعها.

وتأمل أن تتحسن الأوضاع المعيشية في المستقبل القريب، مشيرة إلى الأمل الكبير الذي يحمله السكان رغم المعاناة، وتدعو الجهات السياسية والوطنية إلى العمل بجدية لإعادة إعمار القطاع وتوفير فرص عمل وتحقيق حياة اقتصادية أفضل، مؤكدة أن التحديات الراهنة تتطلب تضامنا محليا ودوليا حقيقيا لرفع المعاناة عن سكان غزة.

بتوجيهات ملكية، سعى الأردن من خلال القوات المسلحة ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة، إلى تقديم العديد من المساعدات الإنسانية والإغاثية والصحية لصمود سكان قطاع غزة .

واستمرارا لهذه الجهود، أعلن الأمين العام للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، حسين الشبلي، اليوم الأحد، بأن 100 شاحنة مساعدات أردنية ستدخل إلى شمال قطاع غزة فور إنجاز ترتيبات وقف إطلاق النار.

ويضيف أنه سيكون هناك أكثر من 100 شاحنة مساعدات أردنية سترسل إلى غزة يوميا في المرحلة المقبلة، وصولا إلى تغطية الاحتياج الكامل في القطاع وفقا لخطة متفق عليها.


 

الاتفاق يختتم المرحلة الأولى من الحرب

على الصعيد السياسي، يؤكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، أن العملية العسكرية، رغم مرور سنة وثلاثة أشهر على انطلاقها، لم تحقق أهدافها المعلنة، مشيرا إلى أن استمرار العملية دون تحقيق النتائج المرجوة قد يؤدي إلى أزمة حكومية داخلية، خصوصا إذا ما فقدت السلطة الحالية سيطرتها.

ويضيف شنيكات أن هناك تأثيرات واضحة للأطراف المختلفة، مثل سموترتش وبن غفير، اللذين يسعيان الآن للانسحاب من المشهد دون تلقي ضمانات حقيقية بشأن العودة إلى الحرب، مشيرا إلى أن تهديدات سموترتش بالانسحاب من الحكومة لا تزال قائمة، ما يضع الائتلاف الحاكم أمام أزمة كبيرة، ويمنح الأحزاب اليمينية فرصة لإعادة تقييم مواقفها.

وفيما يتعلق بالاتفاق الأخير، أوضح  شنيكات أن هذا الاتفاق يمثل نهاية للمرحلة الأولى من الحرب، التي تمتد 42 يوما وتشمل تبادل الأسرى وإجلاء 33 أسيرا فلسطينيا، إضافة إلى 10 أسرى آخرين كانوا في عيادات ومستشفيات ميدانية، مؤكدا أن المرحلة الثانية من الاتفاق لم يتم التفاوض عليها بعد، وأن المفاوضات مستمرة لضمان عدم العودة إلى الحرب حتى التوصل إلى تفاهمات جديدة.

ويشير إلى أن الاتفاق جاء بضغط دولي كبير، خاصة من الولايات المتحدة والدول المشاركة في الحوار، التي تسعى لضمان استمرارية المفاوضات، مشددا على أن الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في قطاع غزة والحد من التوغل إلى عمق 700 متر فقط في الأطراف، يشير إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية.

من جهة أخرى، وصف بعض السياسيين الإسرائيليين المتطرفين هذا الاتفاق بأنه خنوع واستسلام لحماس، معتبرين أن الأهداف التي أعلن عنها بنيامين نتنياهو، ومنها الإفراج عن الأسرى بالقوة العسكرية، لم تتحقق إلا من خلال صفقة تبادل.