"استراتيجية المقاطعة": بين الواقع والمأمول
صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح" الذي شارك في تأليفه مجموعة من الباحثين، وكتب مقدمته المفكر العربي عزمي بشارة تحت عنوان "في تطبيع غير التطبيعي".
في مقدمته يتناول بشارة مسألة نشوء مفهوم التطبيع، وإشكاليات في حدود مفهوم "التطبيع"، وتحدّيات مقاومة التطبيع. ويقول إن القوى العربية المتمسّكة بالقضية الفلسطينية وعدالتها، والتي تعدّها قضيتها، وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، وترفض قبول إسرائيل جزءاً طبيعياً من المنطقة، تتبنّى رفض التطبيع بوصفه موقفاً بديهياً.
يضم الكتاب أبحاثاً قدّمت ونوقشت خلال مؤتمر يحمل العنوان نفسه، عقده "المركز العربي" في مدينة الحمّامات التونسية في صيف 2016، شارك فيه جمع من الباحثين والأكاديميين من بلدان مختلفة. ويأتي الكتاب في 15 فصلاً مقسّمة ضمن محورين الأول حملات المقاطعة في الوطن العربي: التاريخ والمسارات؛ والثاني، حملات المقاطعة دولياً: تجارب ونماذج.
في الفصل الأول، "مقاطعة الفلسطينيين للصهاينة والاحتلال الإنكليزي: قراءة في الأبعاد التاريخية 1920 – 1948" عرض عبد اللطيف الحناشي الجذور التاريخية لظاهرة المقاطعة، وتطور مفهومها وأشكالها تاريخياً في فلسطين إبان الاحتلال البريطاني، حيث شكلت المقاومة الشعبية جزءاً أساسياً من آليات مقاومة تمدد الحركة الصهيونية والاحتلال البريطانية.
في الفصل الثاني، "المقاطعة ومناهضة التطبيع: التراجع الرسمي العربي والاندفاع الشعبي المدني"، بحث أحمد قاسم حسين عوامل تراجع حركة المقاطعة رسمياً، واندفاعها شعبياً ومدنياً، وفي إمكان تحوّل هذه الحركة إلى جزء من المقاومة الشعبية المدنية في فلسطين، متناولاً التطور التاريخي للمقاطعة الرسمية العربية بعد قيام دولة الكيان الإسرائيلي في عام 1948.
أما في الفصل الثالث، فتناول ميشال نوفل "المقاطعة والاستراتيجيا الفلسطينية البديلة"، في ضوء التجاوب الكبير معها في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً، وفي ظل التراجع الفلسطيني والعربي اللذين يبرزان في تحويل جزءٍ من الطبقة السياسية الفلسطينية إلى شريك متواطئ في إدارة الأزمة، والتغطية على استمرار مخطط الاستعمار الاستيطاني والاحتلال الصهيوني، وكسر طوق المقاطعة العربية، ومقاطعة دول عدم الانحياز، وبداية التطبيع مع إسرائيل في المنطقة العربية، من خلال البوابة الفلسطينية الرسمية.
بدوره، حاول أشرف بدر عثمان في الفصل الرابع، "حركة المقاطعة ومقاومة التطبيع: قراءة في المعوقات وعوامل النجاح"، بحثَ الخطوط العريضة للاستراتيجيا الإسرائيلية المضادة لحركة المقاطعة، والتي استفادت من المناخ الدولي والقصور الفلسطيني، والغياب شبه الكامل لدور المؤسسات العربية والإسلامية.
في الفصل الخامس، "المقاطعة وفرص بناء اقتصاد وطني فلسطيني: تحليل لتجارب المقاطعة التجارية للكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية"، هدف أبو بكر عبد الرازق وربا العلاونة إلى قياس المدى الذي بلغته عملية المقاطعة الاقتصادية في حربي 2012 و2014 على غزّة، وأثر ذلك في القطاع الخاص الفلسطيني، وكشف جوانبها المختلفة، وتبلورها التلقائي، وتطورها في الوعي الشعبي، ومدى تأثيرها في تأسيس اقتصاد وطني فلسطيني.
وبعنوان "مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الأردن وأساليبها: دراسة ميدانية"، تناولت منى عوض الله حملات المقاطعة في الأردن من خلال 13 مقابلة أجرتها مع ناشطين قادوا حملات مقاومة التطبيع في الأردن أو شاركوا فيها. وهي أشارت إلى أنه على الرغم من تعدّد حملات مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن هناك تراجعاً ملموساً في نشاطها عموماً، بسبب تراجع الحريات في البلاد، وتعرُّض الناشطين للمُساءلة القانونية.
في الفصل السابع، "المقاطعة البحرينية للكيان الصهيوني (1938 – 2016): من ظهور مفهوم المقاطعة حتى أفوله"، قدم راشد عيسى الجاسم عرضاً تاريخياً للمقاطعة في البحرين، اعتمد في إعداده على الأرشيف البحريني والمقابلات الميدانية؛ ما يقدم، بحسبه، فهماً أعمق وأوسع لطبيعة الأدوات والآليات والأدوار التي استخدمها البحرينيون في دوائر التأثير وتكوين الرأي العام وصنع القرار، ومدى انسجام تلك الدوائر المختلفة أو تباينها في التعامل مع مقتضيات المرحلة من خلال تفعيل المقاطعة بوصفها سلاحًا داعمًا للقضية الفلسطينية.
" بالرغم من تعدّد حملات مقاومة التطبيع في الأردن تراجع نشاطها مع تعرُّض الناشطين للمُساءلة " |
تناول ستيفن فريمان في الفصل الثامن، "مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا: مقومات النجاح والدروس المستفادة منها فلسطينياً"، حيث درس عوامل هزيمة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من خلال حملة المقاطعة وكيفية الإفادة منها على الساحة الفلسطينية، واستخلاص المقومات الرئيسة التي مكّنت المقاطعة في جنوب أفريقيا من تحقيق أهدافها، بتأطير النضال بوصفه حملة من أجل حقوق الإنسان وخلق علاقة بين المقاومة الداخلية وحركة التضامن الدولي.
وتطرق أسامة أبو ارشيد في الفصل التاسع، "محاولات الصهيونية رفع الشرعية عن حركة المقاطعة في الولايات المتحدة: أساليبها وأثرها وآفاقها"، وتناول أساليب اللوبي الصهيوني وحلفائه، في محاولة نزع الشرعية عن جهد المقاطعة لإسرائيل في الولايات المتحدة، والتي بلغت حدّ تجريم الناشطين فيها. وأبرز بعض استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة التي تُظهر تصاعد نسبة التعاطف مع الفلسطينيين مقارنة بإسرائيل، ما دفع باللوبي الصهيوني إلى الاستنفار للتصدي لحملة المقاطعة هذه، من خلال محاولة تمرير مشروعات قوانين في الولايات، والتعدّي على العمل الطالبي الجامعي من خلال أدوات إدارية، ومحاولة خنق أي صوت أكاديمي مؤيد للمقاطعة.
أما في الفصل العاشر المعنون بـ "المقاطعة في الإجراءات الأوروبية: نصف مقاطعة للمستوطنات ودعم مطلق لإسرائيل"، فتناول الباحث طارق حمود حركة مقاطعة إسرائيل في أوروبا، حيث تمثّل المقاطعة الأوروبية هاجسًا كبيرًا لإسرائيل، نظرًا إلى عاملين مهمين: الأول متعلق بأوروبا بصفتها بيئة حاضنة للمشروع الصهيوني تاريخيًا، والآخر متمثّل بارتباط الاقتصاد الإسرائيلي ارتباطًا جيوسياسيًا بأوروبا؛ إذ قام هذا الاقتصاد على أساس العزلة في محيط عربي معادٍ. من أجل ذلك، تُعد أوروبا الشريك الطبيعي لإسرائيل اقتصاديًا.
وبحثت أماني السنوار في الفصل الحادي عشر في "وسم بضائع المستوطنات في أوروبا بين الاقتصاد والسياسة: آفاق جديدة للمقاطعة" وتناولت فيه في إقرار الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 توجيهاتٍ تُلزم المتاجر الأوروبية وسم بضائع المستوطنات بملصقات تشير إلى تصنيعها في "مستوطنة إسرائيلية"، وذلك بعد عشرة أعوام من استثناء هذه البضائع من امتيازات منطقة التجارة الحرة بين أوروبا وإسرائيل.
" يمكن للإعلام أن يعطي زخماً إيجابياً لحركة المقاطعة حتى في أشد السياقات عدائيّة " |
في الفصل الثاني عشر، "فهم حركة المقاطعة العالمية وتأطير قيمتها ومشروعيتها بوصفها قوّة لتحويل الصراع في مجالات الاتصال الجماهيري: دروس من السياق الأسترالي" ناقشت إميلي بليزارد دور وسائل الاتصالات في تثقيف شريحة واسعة من الرأي العام، وقدرتها على استقطاب الدعم للقضية الفلسطينية عمومًا، وحملات المقاطعة خصوصًا. تُحاجّ بليزارد أنه يمكن إعطاء زخم إيجابي للشرعية المتصورة لحركة المقاطعة حتى في أشد السياقات عدائيّة، مثل أستراليا، من خلال التلاقي بين دعوات المقاطعة ووسائل الإعلام الجديدة ووسائل الإعلام الجماهيرية.
من جهته، عرض بيتر سلزاك في الفصل الثالث عشر، "حركة مقاطعة إسرائيل في أستراليا: حالات عيانية عن الاحتجاج السياسي الشعبي"، تجربة حركة المقاطعة في أستراليا والجمعيات التي تدعمها، مثل جمعية "أستراليون من أجل فلسطين" في ملبورن، و"تحالف العدالة والسلام لفلسطين" في سيدني، و"شبكة دعم فلسطين في أستراليا"، و"فريق سيدني في حركة مقاطعة إسرائيل".
في الفصل الرابع عشر، "حملة المقاطعة في تشيلي: قصة موجزة وتحديات"، تطرق كمال قمصية مرزوقة إلى واقع حملة المقاطعة في تشيلي والتحدّيات التي تواجهها، ورصد نموّها منذ عام 2010، ودرس مساهمتها من منظور الخطاب والاستراتيجيا.
بينما تطرق الفصل الخامس عشر إلى "التحديات الحالية التي تواجه حركة مقاطعة إسرائيل في ماليزيا"، في بحث أجراه محمد نزاري حول نشأة حركة المقاطعة في ماليزيا وتجربتها، نظراً إلى تعاطف الماليزيين مع قضية الشعب الفلسطيني، ومن أجل ثبات ماليزيا في عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ومواصلة التزامها دعم القضية الفلسطينية. ويتوقف الباحث عند جملة من التحديات تعترض هذا الدعم، كالافتقار إلى دعم شرائح المجتمع الماليزي، والاعتماد الماليزي على التجارة الدولية، وانشغال ماليزيا بنموها الاقتصادي ومواجهة ديونها المتنامية.