إدواردو غاليانو: حارس تاريخ المهمشين

إدواردو غاليانو: حارس تاريخ المهمشين
الرابط المختصر

رحل الأديب الأروغواياني إدواردو غاليانو (1940- 2015) بعد سنواتٍ طويلة قضاها في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي بعيداً عن مونتيفيدو، بسبب مواقفه من طغاة أمريكا الجنوبيّة ومزوّري تاريخها الحقيقي.

 

تشكلّت آراء صاحب الاسم الأكثر تداولاً في القارة الجنوبية أيام دراسته التاريخ حين وجد الماضي في كتب التاريخ ميتاً، أجوف وأخرس، حيث يقول: "علّمونا عن الماضي بطريقةٍ جعلتنا نستكين للحاضر بضمائر جافة". فترك دراسته وذهب لخوض حربه الخاصه على الورق ضد مدوّني التاريخ المدعومين من سلطة البزات العسكرية داخل القارة وخارجها، وضد التاريخ الرسمي الذي "يقتصر على استعراض عسكري، لطغاة يرتدون بزات عسكرية لم تستخدم من قبل" رافعاً مكانه حكايات السكان الأصليين من الهنود الحمر "على فراش الموت, تحدث رجلٌ يعمل في الكروم في أذن مرسيليا, قبل أن يموت كشف السر هامساً: إن العنب مصنوعٌ من الخمر.هذا ما روته لي مارسيليا بيريث سيلبا, وبعدها فكرت: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن" كان هذا إحدى أدواته في النهل من مشافهات السكان الأصليين للقارة وتوظيفها داخل ثلاثيته ذاكرة النار، والتي حوت كتب" الوجوه والأقنعة، قرن الريح، وسفر التكوين".

 

 

على أن صاحب كتاب المعانقات لم يكتف بمقارعة المؤرخين، فذهب لخوض حربه ضد النسيان الذي هدد فقراء ومنسيي أحياء أمريكا اللاتينية، فكان يتجوّل في الأحياء الفقيرة ويدون ما يجده على جدرانها، ويلاحق مدوني الشعارات على الجدران من منتظمي الأحزاب اليسارية "على مدخل حارة براثو أونتال الفقيرة" أهلاً بالطبقة الوسطى، وفي مكان آخر، "هنا نجلس نراقبهم يقتلون أحلامنا" كتب ذات انتخابات.

 

ولم يكتفِ غاليانو بذلك، فكتب عن كرة القدم، لعبة فقراء القارة الأكثر شعبيّة، وعن نجومها، وصفقاتها المشبوهة، وما آلت إليه من تجارةٍ من خلال عمله" كرة القدم بين الشمس والظل، والذي أهداء لأطفال كاليا دي لا كوستا حيث راقبهم مرة عائدين من لعبة كرة قدم وهم يغنون" ربحنا أم خسرنا لن تتبدل متعتنا، متعتنا تظل على حالها".

 

 

­­­­­­­ومع كل ذلك كان غاليانو رافضاً وبشدة لمسألتين في حياته، الأولى أن لا يؤخذ على أنه مؤرخ، "أنا كاتب يحب أن يساهم في إنقاذ الذاكرة المخطوفة، لكل أمريكا وخصوصاً لأمريكا اللاتينية، ولا أرغب بكتابة كتاب موضوعي ولا أستطيع ذلك، ولا يوجد شيء حيادي حيال هذا السرد التاريخي، ولأنني لم استطع أن أبعد نفسي اتخذت موقفاً متعاطفاً، أعترف بذلك ولست أسفاً".

 

 

يجمع غاليانو في كتاباته بين المعلومة التاريخية وفن الحكي ليصوغ نصاً أدبياً يعمد فيه لإظهار المفارقات في تاريخ البشرية، والذي كان يعتقد حياله أن أبطاله الحقيقيون مهمشون ومنسيون تعمدت السلطة بكافة أشكالها لشطبهم من خريطة الحضور، خاصة تاريخ الشرق، والذي أفرد له صفحات طويلة في كتابه "أطفال الزمن - تقويم للتاريخ البشري" منذ ما قبل التاريخ وحتى غزو العراق في 2003 وقبله في 15 آيار من العام 1948 "في مثل هذا اليوم ولدت إسرائيل، وفي غضون بضعة أشهر رُحّل أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني ودمرت أكثر من خمسمائة قرية، كان اضطهاد اليهود رياضة أوروبيّة على الدوام، والآن يدفع الفلسطينون الثمن".

 

 

راجت أعمال غاليانو بين جميع الأوساط الثقافية وغير الثقافية واعتبرت موازياً لكتب التاريخ، لدرجة دفعت الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز مرة في مثل هذه الأيام من عام 2009 وبعد قطيعة طويلة بين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية، بإهداء نسخة من كتاب غاليانو "عروق أمريكا اللاتينية المفتوحة-خمسة قرون من النهب" للرئيس الأمريكي باراك أوباما حين إلتقيا على  هامش قمة الأمريكيتين في ترينداد توباكو.

 

 

رحل حارس تاريخ أمريكا الجنوبيّة في يوم 13 نيسان، وتحت هذا التاريخ كتب في أطفال الزمن: قبل أربعة قرون ونصف، أحرق أخٌ فرنسيسكانيّ يُدعى دييغو لاندا كتب المايا، وأحرق معها ثمانية قرونٍ من الذاكرة الجمعية".

أضف تعليقك