"أي أو": الناجون يحاولون استرجاع الأرض حتى النفس الأخير

"أي أو": الناجون يحاولون استرجاع الأرض حتى النفس الأخير

تبدو مهمة إنقاذ الأرض أبعد بكثير من طاقة الإنسان، لكن سينما الخيال العلمي غالبا ما ضخمت تلك المعاناة وقدمت صورة إنسان يحاول أن يصنع جنة أرضية بديلة لكل ذلك الخراب، ولنتخيل أن كل من بقي على سطح الأرض اثنان أو ثلاثة هم الناجون، فيما تم ترحيل آخرين إلى كوكب آخر صالح للعيش، وتلك هي الثيمة الأساسية في الفيلم الجديد “أي أو”.

تراجيديا البقاء يرسمها هذا الفيلم للمخرج جوناثان هيلبيرت وهو من آخر إنتاجات “نتفليكس” لهذا العام، ويمكننا من خلالها أن نتخيل الكائن الفرد الأعزل وهو يجوس في أرض مسمومة وغير صالحة للسكنى، ومرة أخرى لا هواء صالح ليتنفسه البشر، بل لا يصمد الكائن البشري إلاّ لثوان فيموت من دون قنينة الأوكسجين.

لكن الأمر بالنسبة لسام (الممثلة ماركريت كوالي) يبدو تلقائيا، إنها تعيش في مستعمرة خاصة بها في بقعة معزولة عن العالم، وهناك تزرع الخضار وتطعم نفسها مما تزرع، وفي الوقت نفسه تجري تجارب علمية متطورة، خاصة على النحل، لإثبات أن فرص العيش على سطح الأرض ممكنة حتى الرمق الأخير.

وخلال ذلك تتسلم دعوات من صديقها إيلون (الممثل توم باين) الذي انتقل مع من تبقى من البشر إلى كوكب آخر صالح للعيش، يدعى “أي أو” الذي يعود لكوكب المشتري وهو ينتظر التحاقها به، حيث يجري تنظيم رحلات مكوكية للمتبقين من سكان الأرض في أماكن وأوقات محددة على الرغم من أننا لن نرى شيئا من ذلك الإجلاء.

تبدو تلك اليوميات رتيبة للغاية، تلك التي تعيشها الشابة الجميلة سام، ولا جديد فيها ما عدا أننا سوف نكتشف أنها تواصل مهمة والدها (الممثل داني هيوستن) والمتخصص بالاحتباس الحراري وله نظرياته وأبحاثه المعمقة فيها، حيث سام تستمع إلى بعض تلك المحاضرات.

وفيما يبدو أنه اقتفاء لأثر ذلك الأب العبقري، يحط ميكا (الممثل أنتوني ماكي) بشكل مفاجئ قادما من مكان ما بواسطة منطاد لغرض التواصل مع ذلك العالم، ولكنه لن يعثر عليه وتتهرب ابنته من الإجابة عن مصيره حتى نكتشف أنه قد مات فيما هو يجري أبحاثه.

تتزامن مهمة سام مع ميكا في البحث عن سبيل للخلاص مع فشل تجربتها على النحل، ثم الرسالة القاتلة التي تصلها من حبيبها إيلون، بأنه سوف ينتقل إلى كوكب آخر وأنه ليس من المحتمل أن يلتقيا قريبا ويحثها على ترك الأرض قبل فوات الأوان.

 

تتنازع سام قوتان، فهي من جهة تريد الوفاء لأبحاث وذكرى والدها الذي يحاول إيجاد أسباب فيزيائية وتجارب معمقة بهدف إيجاد مساحات أرضية غير ملوثة وتتوفر على أسباب الحياة، ومن جهة أخرى النداءات المتكررة من حبيبها للالتحاق به قبل دمار كل شيء. لكن المأزق الحقيقي هو ساعة يكتشف ميكا صعوبة التحاقه هو الآخر بالكوكب الآخر وما يتبعه من تقرّب سام إليه، ربما أرادت أن توجد نسلا يبقى ويديم الأرض، لكنها أمنية لم تتحقق على أي حال.

 

إنه نوع من الخيال العلمي الذي لا تموت فيه العاطفة ولا مشاعر الوفاء في هذه المعالجة التي سهر عليها ثلاثة من كتّاب السيناريو هم كلاي غيتر وتشارليس سبانو وويل باسنتا، ومن ذلك العاطفة التي تكنها سام باتجاه إيلون، ولكن ما هو أكبر من ذلك هو الوفاء للمبدأ على الرغم من فداحة التضحية من أجله.

 

الأب الباحث والعالم يمنح رمزية خاصة لمسار الأحداث من خلال تشبثه بالبقاء على سطح الأرض مراهنا على أن الظروف المناخية سوف تتحسن وسوف يأتي الهواء النقي وتختفي سحابة السموم المسيطرة على الكوكب، ونتيجة ذلك يجد أتباعا كثر، لكنهم يخسرون حياتهم بسبب تشبثهم بهذا الخيار الأقرب للمجازفة وكذلك يخسر حياته هو أيضا نتيجة تشبثه بالبقاء على الأرض حتى آخر نفس، وفي المشاهد الأخيرة سوف تتبعه ابنته.

 

قد يحمل هذا السرد الفيلمي أبعادا هي أبعد من حدود أفعال الشخصيات، وخاصة فكرة التشبث بالأرض والفناء من أجلها، لكن في المقابل لا يغيّر ذلك الخيار المأساوي من الحقيقة الواقعة شيئا، بأن الأرض لم تعد صالحة لسكّانها.

 

يمكننا عدّ هذا الفيلم من نوعية الأفلام قليلة التكلفة إنتاجيا لجهة البناء الدرامي المحدد بالشخصيات الثلاث، وامتداد مساحة تقترب من ربع وقت الفيلم مع سام لوحدها، كل ذلك تم تجسيده مكانيا من خلال مجموعة خيام ومبان تكمل فيها سام ما بدأه أبوها من أبحاث، وما عدا ذلك فلا مدن معلومة ولا بلدان.

 

نال فيلم”أي أو” اهتماما نقديا ملحوظا وكتبت عنه العديد من الصحف البريطانية والأميركية، وأحسب أنه لو لم يكن من إنتاج “نتفليكس” ولو كان إنتاجا مستقلا لما حضي بمثل هذا الاهتمام، لأنه لم يقدم دراما استثنائية في هذا النوع من أفلام الخيال العلمي لما بعد الفناء.

أضف تعليقك