أدب الرعب العربي يخرج من الظلام: كيف صنع توفيق والمسلم وفلمان عالمًا جديدًا؟

الرابط المختصر

 لطالما ارتبط أدب الرعب في الثقافة العربية بالحكايات الشعبية والأساطير المتوارثة، من قصص "النداهة" في الريف المصري إلى "الغول" و"الجن" الذين يسكنون الخرائب والمغارات، لكن هذا النوع الأدبي بقي لعقود أسير التراث الشفوي، لا يتطور إلا نادرًا في أوساط النخبة الأدبية. حتى جاء جيل جديد من الكتّاب، قرر أن ينقل الرعب من الظل إلى الواجهة، ويمنحه بعدًا أدبيًا وإنسانيًا واجتماعيًا يواكب تطورات القارئ العربي الحديث.

أحمد خالد توفيق.. الأب الروحي للرعب المعاصر

لا يمكن الحديث عن أدب الرعب العربي دون ذكر الطبيب والكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق، الذي يُعتبر حجر الزاوية في بناء هذا النوع الأدبي عربيًا، وتحديدًا من خلال سلسلته الشهيرة "ما وراء الطبيعة". عبر شخصية الدكتور رفعت إسماعيل، قدّم توفيق مزيجًا مذهلًا من الرعب، السخرية، والتحليل النفسي العميق، وجعل من قصص الجن، الأشباح، المومياءات، وحتى الأساطير الغربية مثل "مصاصي الدماء" و"الذئاب البشرية"، مادة أدبية مشوقة، موجهة للمراهقين والكبار على حد سواء.

تميز أسلوب توفيق بقدرته على التسلل إلى عقل القارئ، وإثارة توتره دون الحاجة إلى مشاهد دموية أو رعب مباشر. يكفي أن يُلمّح، حتى تبدأ مخيلة القارئ في العمل. لقد نجح توفيق في تأسيس ذائقة رعب عربية خالصة، ما تزال تؤثر في أجيال من الكتّاب حتى اليوم.

أسامة المسلم.. رعب بصبغة ملحمية

من السعودية، جاء اسم أسامة المسلم ليشكل موجة جديدة من أدب الرعب الذي يعتمد على حبكات ملحمية طويلة، وشخصيات تنتمي لبيئة عربية خالصة. في أعمال مثل "خوف"، "صخب الخسيف"، و"وهج البنفسج"، نرى كيف يصوغ المسلم عوالم متداخلة من الميثولوجيا، الدين، النفس، والظواهر الخارقة، بأسلوب بسيط وجذاب، يناسب جمهورًا واسعًا من الشباب.

ما يميز أسامة المسلم هو استخدامه الماهر للغة السردية المتوازنة، فلا يثقل القارئ بالفصحى الجامدة، ولا يبتعد عن العمق والرمزية. كما أن انحيازه لخلق سلاسل روائية طويلة جعل من كتبه مادة دسمة لمحبي الرعب المستمر، القائم على التشويق والتعلق بالشخصيات.

لؤي فلمان.. رعب يرتدي قناع العقل

أما الكاتب السعودي لؤي فلمان، فهو يميل أكثر إلى الرعب النفسي والفلسفي، حيث يقدّم قصصًا تدور في متاهات العقل، وتعبّر عن مخاوف الإنسان من ذاته، أكثر من الكائنات الخارقة. رواياته وأعماله تتجه غالبًا إلى إعادة قراءة المفاهيم الدينية أو الأخلاقية من زوايا رمادية، وتستلهم أسلوب الغموض النفسي الذي يذكرنا بكتاب مثل إدغار آلان بو أو دان براون.

فلمان يمثل جانبًا أكثر تجريبًا ونخبوية في أدب الرعب العربي، لكنه لا يقل أهمية، إذ يسهم في توسيع حدود النوع، ودفعه إلى آفاق فلسفية وفكرية أعمق.

أسماء أخرى في ساحة الرعب

لا يتوقف مشهد أدب الرعب العربي عند هذه الأسماء، فهناك كتّاب صاعدون ومخضرمون تركوا بصمتهم الخاصة، مثل:

  • محمد عصمت (مصر): بأعمال مثل "الدمية" و"الآن أفهم"، يقدّم رعبًا يمزج الواقعية بالخيال الشعبي.

     
  • تامر إبراهيم (مصر): من مؤلفي الجيل الثاني في "روايات مصرية للجيب"، تميّز بميله إلى الرعب العلمي والنفسي.

     
  • منى سلامة (مصر): قدمت أعمالًا مثل "مزرعة الدموع" التي تمزج الرعب الاجتماعي بالعاطفة والغموض.

     
  • ياسين عدنان (المغرب): في روايته "هوت ماروك"، رغم أنها ليست رعبًا تقليديًا، إلا أنها تنضح بجو خانق وكوابيس نفسية، تفتح أبوابًا جديدة للرعب الرمزي.

     

رعب عربي بروح محلية وهوية عالمية

الميزة الكبرى لأدب الرعب العربي المعاصر أنه بات يستلهم واقعه المحلي، ويتجاوز مجرد تقليد النماذج الغربية. الرعب هنا لم يعد مجرد حكاية أشباح أو جنّ، بل وسيلة لفهم المجتمع، الدين، السلطة، والخوف الوجودي الذي يحيط بالإنسان العربي وسط تحولات كبرى سياسية واقتصادية وثقافية.

بل إن بعض الأعمال باتت تمثل محاولات جدية لصناعة "هوليود رعب عربية"، من خلال روايات قابلة للتحويل إلى أفلام ومسلسلات، مثل مسلسل "ما وراء الطبيعة" على نتفليكس، المقتبس من أعمال أحمد خالد توفيق.

أدب الرعب العربي اليوم يقف على أعتاب نهضة حقيقية، لا تنقصها إلا مزيد من الدعم النقدي والمؤسساتي، ليأخذ مكانه الطبيعي في خارطة الأدب العربي الحديث. وبين الجيل المؤسس كأحمد خالد توفيق، والجيل المعاصر ممثلًا في أسامة المسلم ولؤي فلمان، هناك مشهد متنوع، مثير، ومتجدد يستحق المتابعة والاكتشاف.