نساء خلف القضبان بجريرة "قروض المرأة"

نساء خلف القضبان بجريرة "قروض المرأة"
الرابط المختصر

حذّر مختصون من أن أعدادًا متزايدة من النساء بتن يجدن طريقهن إلى السجون نتيجة عجزهن عن الوفاء بمتطلبات قروض حصلن عليها من شركات ينشط بعضها في الزرقاء، تحت شعار تمويل المرأة، ويعمل وفق أنظمة معقدة ومصممة للتربح فقط.

 

وتشهد الزرقاء حاليًا تواجدًا ملحوظًا لمثل تلك الشركات، والتي كان دورها مقتصرًا في بداياته على إقراض المرأة من أجل مساعدتها على بدء مشاريع تنموية صغيرة، ثم لم تلبث أن أطلقت العنان للتمويل الاستهلاكي الصرف.

 

وتلجأ النساء إلى شركات التمويل سواء الربحية أو غيرها بدافع الحاجة، وأيضا الإغراءات المتمثلة بالتسهيلات، حيث أنها لا تطلب ضمانات كالتي تفرضها البنوك، وغالبًا ما تكتفي بكفيل واحد للقرض الذي يتراوح عادة بين 350 و1500 دينار.

 

غير أن غياب الوعي وأحيانا الجهل المطبق، سواء لجهة أنماط الاستهلاك الرشيد أو التبعات المالية والقانونية المترتبة على الإقتراض، كان سببًا في وقوع كثير من النساء في المحذور، وتواريهن خلف القضبان بعدما عجزن عن سداد قروضهن.

 

ملاحقة قانونية

 

جمعية معهد تضامن النساء الأردني، إحدى الجهات التي أخذت على عاتقها مساعدة أمثال تلك النسوة، لإخراجهن من المأزق الذي وجدن أنفسهن فيه، وأيضا توعية غيرهن حتى لا يلاقين نفس المصير.

 

وبحسب ما تبينه مستشارة الجمعية المحامية إنعام العشا، فإن دورهم على هذا الصعيد "ينقسم إلى شقين: الأول اجتماعي يتعلق بالتوعية والتدريب والتثقيف، والثاني قانوني".

 

وأوضحت أن الشق التوعوي "يركّز على تعليم النساء وتدريبهن ورفع حساسيتهن حيال خطورة التوقيع على أيّة وثيقة، حتى لو كانت لأجل القروض الصغيرة، فالمرأة يجب أن تعرف أنه يمكن أن يتم ملاحقتها قانونيًا في حال عجزها عن السداد".

 

واعتبرت العشا أن "إغراق النساء بالديون نتيجة إقراضهن قروضا صغيرة من غير أن يقدم لهن ما يكفي من توعية وتدريب وتأهيل في كيفية التعامل الصحيح مع القروض، يضيف عبئا إلى المرأة التي تكون في الأصل رازحة في الفقر الشديد".

 

وأكدت أن الجمعية "التقت مع بعض النساء في السجن ممن أخذن قروضًا من قبل وعجزن عن السداد، ولم يكن يدركن خطورة التوقيع على أيّة وثائق، مثل الكمبيالات أو أيّة ضمانات أخرى بشأن القروض"، مبينة أن الشق الثاني من نشاط الجمعية يتمثل في الترافع عن أمثال هؤلاء أمام القضاء.

 

وأوضحت العشا "نحن نبذل جهدًا حثيثًا مع الجهات المقرضة لإعادة جدولة ديون من يلجأن إلينا بعد أن يصبحن مهددات بالسجن لعجزهن عن السداد، ونحاول دائمًا الترافع عنهن وتمثيلهن أمام القضاء في حال تمت إحالة الشكوى إليه من الجهة المقرضة".

 

ثقافة استهلاكية

 

بدوره، وصف الخبير الاقتصادي أحمد السليمان سياسة الإقراض التنموي في الأردن بأنها "خاطئة"، مؤكدا أن تعثر سداد قروض المرأة، يعود إلى غياب المعرفة بأسس الإدارة المالية المنزلية، وتفشي ثقافة الاستهلاك في المجتمع.

 

وقال السليمان "إسلوب تقديم القروض في الأردن خاطئ، فهي تعطى عندنا بكفالة الأشخاص بعضهم لبعض، ولكن لا يسبق ذلك أيّ تدريب للفئات المستفيدة" من تلك القروض.

 

واعتبر أن "على المرأة المقترضة أن تفكر دائمًا بعقلية المستثمر لا عقلية المستهلك، فعقلية المستثمر تقول أن أي مال يأتي من خلال الاستثمار يجب أن يدخر من أجل تقوية رأس المال، وبعد فترة من الزمن يمكننا أن نقتطع جزءا من الأرباح لقضاء حوائجنا الاستهلاكية بحيث لا يؤثر ذلك على رأس المال".

 

وأضاف إن "إفضل نصيحة يمكن أن تقدم الآن هي أنه إذا أرادت المرأة أن تنهض بأسرتها فعليها أن لا تنظر لمن حولها، وأن تعيش ضمن إمكانياتها ولا توسع خطوتها أكبر من حجمها، فالمظاهر الكاذبة جزء من مشكلة تعانيها الأسرة الأردنية".

 

كما شدد على ضرورة أن "يكون لدى الأسرة وعيّ حول كيفية إنفاق ما يأتيها من مال، وإذا كان الإنفاق بحاجة إلى دخل أكبر فيجب عليها البحث عن مصدر دخل من خلال العمل وليس الحصول على قرض استهلاكي".

 

"جرمونا جرم"

 

أم اكرم، إحدى السيدات التي كانت الحاجة قد دفعتها إلى الحصول على عدة قروض من شركات التمويل، وهي تصف تلك التجارب بأنها كانت سيئة جدًا، خصوصا لجهة الفوائد المرتفعة، أو أسلوب فرض الغرامات الباهظة عند تاخر سداد الأقساط.

 

وتقول هذه المرأة مختزلة بلغتها البسيطة القرار الذي خلصت إليه بعد تلك التجارب "الحمد لله رب العالمين، بطلنا نوخذ قروض، أخذنا.. وجرمونا جرم، ودفعونا الخامر فطير زي ما بحكوا".

 

وحسب ما توضحه أم اكرم، فقد حصلت مرة على قرض بقيمة 1200 دينار، ووصل المبلغ الذي سددته في نهاية المطاف إلى 2000 دينار، بينما دفعت عن قرض آخر غرامات تأخير بلغت 700 دينار.

 

وقالت "عندما كان يتأخر السداد عن موعده ولو يومًا واحًدا تبدأ موظفات الشركة بملاحقتنا بالاتصالات الهاتفية والتهديد بالحبس"، ثم أضافت بنبرة حازمة "والله والله لو بموت من الجوع وبشحد في الشوارع ما برجع بوخذ قرض".

 

من جانبها، تبدي أم رعد رضاها عموما عن تجربتها مع القروض، باستثناء تحفظها على بعض أنظمة الإقراض، والتي تتم تحت مسمى "التضامن"، وتلحق ظلما بالمقترضات على حد وصفها.

 

وقالت أم رعد "اتعامل منذ سنوات مع هذه الصناديق، وكان القرض الأخير الذي حصلت عليه قبل شهر من أجل تامين إيجار البيت، وأحد القروض فتحت به محلا لمواد التنظيف"، مؤكدة أنها كانت ملتزمة في كل مرة بمواعيد السداد.

 

لكنها أشارت إلى تجربة خاضتها عند حصولها من إحدى الشركات على قرض بموجب نظام تضامني يشترط كفالة مقترضتين على الأقل كل منهما للأخرى، وإن تأخرت إحداهما عن السداد، يقوم المقرض بفرض غرامة التأخير عليهما كليهما.

 

وقالت مستنكرة "إذا هي تأخرت في سداد الدفعة فما ذنبي أنا حتى أدفع غرامة تأخير مع أنني ملتزمة دفعتي في وقتها..هذا حرام"، مؤكدة أن هذا الأمر جعلها تصرف النظر عن اللجوء لهذه الجهة مرة أخرى بعد أن تنتهي من هذا القرض.

 

"لا تجربوا"

 

من ناحيتها أيضا، قالت أم ليث "مع هذه الجهات ممنوع أن تتجاوز الدفعة موعدها ولو بيوم واحد، وإذا كان هناك تجاوز فيترتب على المقترضة غرامات تضاف إلى المبلغ المقترض بقيمة دينار إلى ثلاثة دنانير في اليوم وحسب قيمة القرض".

 

وقالت أم ليث التي حصلت على قرض بقيمة 1500 دينار وترتب عليها ربع هذه القيمة على شكل فوائد، أن الأمر "لا يقف عند الغرامات، ولكن إذا أرادت المرأة تأجيل دفعتها الشهرية فإن جهات الإقراض تفرض عليها مبلغًا كبيرًا يصل إلى 30 دينار" مقابل الموافقة على التأجيل.

 

واعتبرت هذه المرأة أن "الجميعات الشهرية التي ينشئها الناس أفضل بكثير من هذ الجهات، على الأقل لا يترتب عليها حرام، ولا فوائد، فأنت تقترض من هذه الجهات 1000 دينار وتسددها 1500 دينار". كما توجهت إلى غيرها من النساء بنصيحة مفادها: "لا تجربوا ولا تقعوا بالحرام".

 

وكانت "هنا الزرقاء" سعت خلال إعداد هذا التقرير للحصول على تعقيب من شركات تمويل في المحافظة على ما ورد بخصوص أنشطتها وأنظمتها التمويلية، لكنها جميعا أحجمت عن الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات.