معرض صور أردني يبثّ الأمل لدى ضحايا الحروب والعنف

معرض صور أردني يبثّ الأمل لدى ضحايا الحروب والعنف
الرابط المختصر

 

أظهرت البورتريهات الـ11 بالأسود والأبيض التي عُرِضت في إطار معرض "فجر الشفاء" بين السابع والتاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في غاليري راس العين في العاصمة الأردنية عمان، الوجوه المأسوية للحرب والعنف: بشرة وشفاه محروقة، أصابع وأيادٍ مبتورة، ووجوه مشوَّهة. وعلى مقربة من كل بورتريه صورة ملوّنة للشخص نفسه بعد خضوعه لجراحة تقويمية أو ترميمية – حيث لا تزال آثار الندوب ظاهرة، لكن الصورة تحمل على الأقل بارقة أمل وفرح.

قال فارس الجواد، مدير التواصل في المستشفى التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" في عمان، ومنظِّم المعرض، لموقع "المونيتور": "منحَتْهم [العمليات الجراحية] فرصة استعادة حياة شبه طبيعية".

من اليمن إلى سوريا، ومن العراق إلى فلسطين، يتحمّل المدنيون الأبرياء باستمرار وطأة النزاعات التي تجتاح الشرق الأوسط. لقد شقّ بعضهم، على غرار الأشخاص الـ11 الذين عُرِضت بورتريهات لهم في معرض الصور، طريقهم إلى المستشفى التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" في عمان. انطلق المعرض في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر في إطار فعاليات متأخّرة للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس المستشفى الذي أبصر النور في أيار/مايو 2006. وكان الهدف من المستشفى في الأصل مساعدة ضحايا الحرب العراقيين الذين لم يكونوا قادرين على الحصول على العلاجات الطبية اللازمة، لكن مع اندلاع النزاعات والحروب في الشرق الأوسط، استمر المستشفى في عمله في معالجة المرضى.

تُظهر الصور الملوَّنة، فضلاً عن الشروحات المرافِقة لها، المرضى ليس كضحايا وحسب إنما أيضاً كأشخاص أحياء يتنفّسون، ويقومون بأمور على غرار عزف الغيتار أو ركوب الدراجة. وتُبرِز البورتريهات أن الصغار والكبار استعادوا حياتهم، ولو جزئياً على الأقل.

يروي الجواد: "يصل المرضى إلى المستشفى من مناطق مختلفة تشهد نزاعات في الشرق الأوسط". ويلفت إلى أن أسباب الإصابات هي "الحروق، والرصاص، والقصف والتفجيرات. يقصدنا المرضى لأن المرافق الصحية في بلدانهم عاجزة عن تأمين الرعاية المناسبة".

يعتقد مارك شاكال، رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في عمان، أن عدداً كبيراً من المرضى في المنطقة يُفيد من الجودة العالية للجراحة الترميمية. تشتهر منظمة "أطباء بلا حدود"، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 1999، باستجابتها الطارئة خلال الأزمات الطبية، في حين يركّز المستشفى على التعامل مع التداعيات الطويلة المدى للحروب عن طريق تحسين الحياة، وليس إنقاذها وحسب.

أضاف شاكال أنه بعد حصول المرضى على "علاج طارئ لإصاباتهم في [منطقة النزاع]، نقوم [أي فروع منظمة أطباء بلا حدود أو الأطباء التابعون لها في البلدان المختلفة] بإحالتهم إلى عمان للخضوع لجراحة تقويمية. الهدف من البرنامج هو مساعدة المرضى على استعادة القدرات الوظيفية، والحركة والاستقلالية الذاتية".

نظراً إلى تعقيدات الإصابات التي يتعرض لها المرضى، غالباً ما يستمر الأطباء ذوو التخصصات الجراحية المتعددة في العمل مع المريض نفسه، ويجرون له جراحات لتقويم العظام، وللوجه والفكَّين، وجراحات تجميلية. تدوم العلاجات من أشهر إلى سنوات عدة، وهكذا يتنقل المرضى ذهاباً وإياباً من عمان وإليها. وفقاً لشاكال، أجرى المستشفى 10332 عملية جراحية لـ4165 مريضاً، نحو عشرين في المئة منهم هم من الأطفال، بين العامَين 2006 و2016.

على الرغم من أن المستشفى متخصص في الجراحة التقويمية، يكمن جوهر عمله في المقاربة الشاملة التي ينتهجها، والتي تشمل العلاج الفيزيائي – أي مساعدة المرضى على تعلّم المشي والنطق والأكل من جديد – والمشورة النفسية والاجتماعية، ومواكبة المريض لمدّة عام بعد انتهاء العلاج. هذه المتابعة يتولاّها الطبيب المحلي التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" الذي أحال المريض للعلاج في عمان.

تغطّي منظمة "أطباء بلا حدود" كامل تكاليف العلاج، كما أنها تسدّد ثمن تذاكر السفر ذهاباً وإياباً من عمان وإليها، ورسوم التأشيرة، ومبلغاً صغيراً للنفقات الشخصية خلال الإقامة في الأردن.

الصور بعدسة المصوِّر أليسيو مامو، والنصوص المرافِقة لها من إعداد الصحافية والكاتبة المساهِمة في موقع "المونيتور"، مارتا بلينغريري، التي أمضت أسابيع عدًة في المستشفى التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" في ربيع 2016، ثم في صيف 2017، حيث التقت مرضى واستمعت إلى قصصهم.

التُقِطت الصور بالأبيض والأسود داخل المستشفى، في حين أن الصور الملوَّنة التُقِطت في مكانٍ، أو في وضعٍ على صلة بحياة المريض. قال مامو لموقع "المونيتور": "بما أن مارتا تتكلم اللغة العربية، كان من السهل عليها أن تنقل [إلى المرضى] أهمية المشروع. سألنا عن الحادثة التي أدّت إلى إصابة المريض، وعن عمله وحياته قبل الانفجارات والعبوات وبعدها؛ وسألناهم عن حياتهم اليومية في المستشفى، وكيف يتخيّلون مستقبلهم بعد كل العمليات الجراحية التي خضعوا لها".

أحد المرضى الذين يظهرون في الصور يُدعى يوسف (يُشار إلى المرضى فقط بأسمائهم الأولى في المعرض)، وهو عراقي في السابعة عشرة من العمر أحرقه لصوص سرقوا درّاجته النارية في بغداد. عندما وصل إلى المستشفى، "كان ذراعاه ملتصقَين بجسمه، وكان ذقنه قد ذاب والتصق بصدره"، كما يروي الجواد. خضع يوسف، على امتداد ستة أشهر، لثماني عمليات جراحية تجميلية تمكّن بعدها من استخدام ذراعَيه وعنقه من جديد كي يرتدي ملابسه ويتناول الطعام بنفسه.

أما قتادة، وهو أيضاً من الأشخاص الظاهرين في البورتريهات، فقد انفجر فيه لغمٌ أرضي أثناء قيادته سيارته في عدن في اليمن. وقد وُضِعت له ساقان اصطناعيتان، وخضع لعملية جراحية لتقويم العظام في الذراعَين في المستشفى التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" في عمان بعد سبعة أشهر من الحادثة. وبعد عمليات جراحية عدة، منها عملية زرع عصب، بات الآن قادراً على ارتداء ملابسه بنفسه. لدى سؤاله عن شعوره حيال إجراء الصحافيين مقابلات معه، أجاب: "أنا سعيد جداً".

قالت المعالِجة الفيزيائية ألييت بوتيجان التي حضرت معرض "فجر الشفاء"، لموقع "المونيتور": "في الصور الملوَّنة، جميعهم مبتسمون. وهذا يُجسّد الأمل".

 

*المونيتور

أضف تعليقك