...مدنية الدولة وسيادة القانون هل تبقى حبرا على ورق؟؟
لم يكد حبر الورقة النقاشية التي قدمها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الأحد الماضي، حول الدولة المدنية يجف؛ حتى ثار جدل كبير في الأوساط السياسية عن ماهية الدولة التي يعيش فيها الأردنيون، وهل هي دولة ناقصة المدنية؟ وأين تلتقي وتختلف رؤية الملك؛ مع طرح تيارات إسلامية وعلمانية لمفهوم "مدنية الدولة"؟
وتأتي ورقة الملك عبد الله الثاني النقاشية السادسة؛ ضمن سلسلة أوراق طرحها للنقاش خلال العامين الماضيين حول الإصلاح في الأردن، وجاء توقيت الورقة في خضم صخب وجدل حول "مفهوم الدولة المدنية" بين تيارات إسلامية وعلمانية.
ولخص العاهل الأردني محاور الدولة المدنية بـ"سيادة القانون، والمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص بين الأردنيين، ومحاسبة من هم في موقع المسؤولية، واحترام الرأي الآخر، والمحافظة على أفراد المجتمع؛ بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الفكرية".
وأبرز ما جاء في الورقة -بحسب محللين- تطمين الشارع الأردني بأن الدولة المدنية "لا تعني علمانية الدولة"، مستشهدا على ذلك بميثاق صحيفة المدينة الذي كتبه الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، عند هجرته إلى المدينة المنورة؛ من أجل تنظيم العلاقة بين جميع الطوائف والجماعات فيها.
هل تطبق الأردن مفاهيم الدولة المدنية؟
ويقول مراقبون إن الأردنيين يشعرون بأن سيادة القانون لا تطبق على الجميع، في ظل وجود توريث للمناصب، وعدم محاسبة متنفذين وجلبهم للمحاكمة؛ بعدما سرقوا ثروات البلد وهربوا إلى بلاد غربية، وانتشار السلاح بين مسؤولين؛ من بينهم نواب، كما أظهرت مقاطع فيديو، بالإضافة إلى عدم تكافؤ الفرص بسبب انتشار المحسوبية في التوظيف، التي تؤكد هيئة مكافحة الفساد الأردنية أنها من أكثر قضايا الفساد انتشارا.
وقال المحلل السياسي، لبيب قمحاوي، إننا في الأردن لسنا دولة مدنية، ونأمل في أن نصبح كذلك، لكن سيادة القانون غير قائمة إلا باتجاه واحد؛ هو الاتجاه الأمني، كما أن التمييز قائم في عدة مستويات، ومفهوم المواطنة الحقيقي غير مطبق، حيث يتم تقديم الولاء للنظام على المواطنة، ما يفقد المواطن غير الموالي حقوقه".
وأضاف لـ"عربي21" أن "المشكلة تكمن في تطبيق التشريعات، بالإضافة إلى القوانين التي تتعارض مع النصوص الدستورية التي تدفع باتجاه الدولة المدنية، ومنها قانون الانتخاب، إذ نص الدستور على أن يكون الانتخاب سريا ومباشرا".
أما بخصوص توقيت طرح الدولة المدنية؛ فأوضح قمحاوي أنه "جاء بسبب وجود دفع عالمي باتجاه الدولة المدنية، إذ إنه تمت إعادة تعريف الدولة المدنية، للتعبير عن مواقف معينة، ولتطمين الاتجاه الإسلامي من خلال التأكيد أن مفهوم الدولة المدنية لا يتعارض مع الدين".
الجميع يدعو لمدنية الدولة.. والتفسيرات مختلفة
وتلتقي تيارات إسلامية وعلمانية حول مفهوم الدولة المدنية، بينما تختلف حول علاقة الدولة بالدين، فيرى "تيار الدولة المدنية" الذي حصد مقعدين في البرلمان أن الدولة المدنية يجب أن تتضمن عدم خلط الدين بالسياسة، وعدم تسييس الدين أو استغلاله في العمل السياسي.
وعبرت جماعة الإخوان المسلمين عن تأييدها للدولة المدنية؛ على لسان القيادي زكي بني ارشيد، الذي أكد لـ"عربي21" أن "التحالف الوطني للإصلاح يرى مفهوم الدولة المدنية بعيدا عن المفهوم الثيوقراطي، وينظر إليها كدولة ديمقراطية تعزز الفصل بين السلطات، وتدير التداول السلمي للسلطة؛ بما فيها الحكومات البرلمانية، وتمكّن الشعب من أن يكون مصدرا للسلطات".
من جانبها؛ رحبت كتلة الإصلاح النيابية، المحسوبة على الحركة الإسلامية، بورقة الملك. وقال رئيسها النائب عبد الله العكايلة في تصريح صحفي الاثنين، إن الكتلة "تعبر عن ارتياحها لما ورد في الورقة النقاشية السادسة من تحديد لمكونات الدولة المدنية، ووضع حدٍ للغط الذي شاب مفهومها في الآونة الأخيرة".
أما رئيس اللجنة المؤقتة لحزب زمزم، ارحيل غرايبة، فيذهب إلى القول بأن الدولة المدنية ليست عدوة للدين، وإنما هي متصالحة معه.
وأضاف لـ"عربي21" أن "كل دول العالم فيها فلسفة قيمية تستمدها من التراث، أو من الديانة المسيحية، أو الفلسفة الرومانية، ونحن في دولتنا ليس من المعقول أن لا يكون لنا إطار قيمي، وبالتالي فإن العرب والمسلمين تشكلوا ضمن هذا الإطار، ويصنعون دولتهم وشكلها من خلاله".
بدوره؛ قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، أمين المشاقبة لـ"عربي21" إن الدولة المدنية هي التي يسود فيها القانون، وتشارك فيها مؤسسات المجتمع المدني في عملية صنع القرار، إلى جانب تعزيز مفهوم المواطنة القانوني بين الحقوق والواجبات.
ويطمح الأردنيون في أن يخرج النقاش حول مدنية الدولة من الخطابات والورق إلى أرض الواقع، وأن تطبق سيادة القانون على الجميع، وأن تعزز الحريات المدنية؛ من خلال عملية إصلاح تشمل النواحي السياسية والاقتصادية.