متى سيصل الباص؟

متى سيصل الباص؟
الرابط المختصر

يواجه سكان حي صالحية العابد، الواقع ضمن أحياء منطقة النصر في شرق عمان، مشكلة التردي في مواصلات النقل العام، الأمر الذي يؤثر بالضرروة على إنتاجيتهم، وعلى ممارستهم لحقوقهم الطبيعية، مثل التنقل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية المناسبة، بالإضافة إلى ما يسببه ذلك من إعاقة لمشاركتهم في التنمية الإجتماعية والسياسية.

 

وتتعارض هذه الإعاقة مع المواثيق والعهود الدولية الماسة بحقوق الإنسان،التي صادق ووقع عليها الأردن، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من المواثيق.

 

ورغم عديد مشاريع كبرى بدأ تنفيذها منذ سنوات خلت، إلا أن مشكلة النقل العام في قلب العاصمة، تبدو وكأنها ما تزال مستعصية على الحل، حتى في شوارع توصف بأنها "شريان" المدينة وعصبها الرئيسي، من جهة خدمتها لمراكز حكومية وخاصة رئيسية كبرى، فيما يبدو الحال أكثر تعقيدا في مناطق تحيط عمان كـ"الحزام"، وتخضع إداريا لسلطة أمانتها.

 

في صالحية العابد، الحي القريب من شارع المطار من جهة، ومن طريق الحزام الدائري الرابط بين جنوب عمان ومحافظة الزرقاء من جهة أخرى، تتنوع صور معاناة السكان، الذين يزيد عددهم عن 20 ألفا، وتختلف حكاياهم، على أن مشكلتهم مع النقل العام تجمع بين قصصهم.

 

تتحدث واحدة من المقيمات في الحي، رمز طلاس حول معاناتها بسبب المواصلات، وتقول "نواجه مشكلات عديدة لها علاقة في المواصلات، أولها أنها غير كافية لعدد سكان المنطقة، حيث لا وجود إلا لحافلة واحدة كبيرة لجميع أجزاء المنطقة، وهي غير كافية بسبب إتساع المسار المحدد لها، وعدد السكان الكبير، الأمر الذي ينتج عنه مشكلة التأخر، فعلينا انتظار الحافلةإلى ما يقارب الساعة وأكثر حتى تأتي، ثم انتظار امتلائها بالركاببشكل كامل لنصف ساعة قبل مغادرتها لمجمع رغدان، ثم بعد كل ذلك العناء علينا البدء بالرحلة الطويلة، التي قدتدوم لخمس وأربعين دقيقة قبل الوصول لمنطقة صالحية العابد مع العلم أن المسافة الزمنية التي تحتاجها السيارات الخاصة للوصول إلى المنطقة، هي ربع ساعة فقط!".

 

وفي ظل استمرار المعاناة مع النقل، وما يبدو أنه استعصاء في حل المشكلة لسنوات طويلة، لا يتردد بعض السكان مثل حنان صافي دعوة الناس إلى مغادرة المنطقة، بقولها "غادروا تلك المنطقة، فإنها صحراء ومنفية والخدمات فيها معدومة".

 

بينما تتعرض الطالبة الجامعية أمل علي إلى انتهاك إضافي كونها فتاة. وتشرح ذلك "الحافلة تحمل أعدادا كبيرة من الركاب ليس لهم مقاعد، الأمر الذي يجعل ممراتها، أماكن مناسبة للتحرش ومضايقة الذكور للإناث".

 

وفي سير حياة عدد من سكان المنطقة لا يوجد تطابق مع  المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن "لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية".

 

وتحت ضغط الأمر الواقع، يقول حسين العليوي "اضطررت لشراء سيارة بالتقسيط، على الرغم من راتبي الشهري القليل، الأمر الذي يؤثر سلبا على دخل أسرتي ومصروفها، لكن لا يمكنني الاستمرار بوظيفتي بدون سيارة خاصة، حيث الارتباط بمواصلات المنطقة يجعلني كثير التأخير والمعاناة".

وعلى صعيد حقوقي متصل،يلفت الناشط الحقوقي كمال المشرقي إلى أن "مواصلات النقل العام غير مهيئة بتاتا  للأشخاص ذوي الإعاقة، سواء في داخل المركبات أو في مواقف الإنتظار،وزيادة على ذلك فإن السائقين غير مؤهلين للتعامل معهم".

 

وهذا ما يتفق معه ركاب حافلة صالحية العابد، فمحمد جابر مواطن يستخدم كرسيا متحركا، يقول "من المستحيل أن أعرض نفسي لاستخدام الباص، أنتظر سيارة أحد من أفراد أسرتي لإيصالي للأماكن البعيدة عن المنزل!".

 

لكن المشرقي يأمل بتحسن الأحوال، خصوصا وأن "هيئة النقل العام وعدت بتوفير مواصلات مهيئة للأشخاص ذوي وأبدت اهتماما بهم في الفترة الأخيرة".

 

وبحسب ما ذكرته بلدية منطقة النصر في سجلاتها فإن مساحة الحي تبلغ (5)كم2، يشمل ذلك جزء من الإسكان والتطوير الحضري، ومنطقة المغيرات، والعديد من الأجزاء الممتدة جديدا و المأهولة بالسكان، بالإضافة لمعامل الطوب والمناطق غير المستغلة.

 

ومع تطبيق قانون اللامركزيةالجديد في آب الماضي الذي يهدف كما جاء فيه إلى"إيجاد مجالس في المحافظات تعنى بتوفير المناخ الملائم لتشجيع الاستثمار، والمحافظة على ممتلكات الدولة وتطويرها في المحافظات، والعمل على توفير أفضل الخدمات للمواطنين، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة والبيئة والتنسيق في حالات الطوارئ"،أصبح هناك من هو أكثر قربا من احتياجات المواطنين، ومن هو ملزم بتحديد تلك الاحتياجات ونقلها من خلال "دليل الاحتيجات" للجهات المسؤولة عن المشاريع التنموية المختلفة.

 

وعلى ذات الصعيد، صرّحت عضو مجلس اللامركزية في منطقة النصر سهام شديفات بأن "مشاريع هذا العام كانت جاهزة قبل إنعقاد مجالس اللامركزية، لذلك لم يكن للمجلس دور إلا في الموافقة على تلك المشاريع"، مشيرة إلى أن "التركيز الأكبر كان على تنمية قطاع التعليم، بينما قطاع المواصلات لم يشار إليه في الدليل، إلا من ناحية تحسين البنية التحتية ومواقف الباصات".

 

وتضيف شديفات "المجلس الآن يعد دليل الاحتيجات الخاص بالعام 2018". وتؤكد على أن الدليل سيهتم بتحسين وضع المواصلات في المنطقة"، لافتة إلى أن "إعداد الدليل يكون بالتشارك مع المواطنين سكان المنطقة، وتتم مقابلتهم بشكل مباشر والنزول إلى الميدان من أجلس تلمس احتياجاتهم الحقيقية".

 

وتؤكد أن "المجلس سيكون على تواصل مع كافة الجهات المسؤولة، من أجل تحسين وضع المواصلات في الحي، بما فيها هيئة النقل العام في أمانة عمّان".

 

من جانبه، صرح مدير هيئة النقل العام عبد الرحيم وريكات بأنه "خلال أشهر سيتم ردف مناطق مختلفة من عمان بـ100 ألف حافلة جديدة، بما في ذلك  صالحية العابد"، مؤكدا على تعاونه مع مجالس اللامركزية المختلفة من أجل تحسين الأوضاع في كافة أطراف محافظة العاصمة.

 

سكان ذلك الحي الآن في حالة ترقب مسكون بشيء من الأمل، على الرغم من الملل الذي في داخلهم بسبب انتظارهم الطويل لحل يوقف معاناتهم، لكن مع وجود اللامركزية وخطط هيئة النقل العام الجديدة، تهيأت نفوسهم لحلول مختلفة تنهي المشكلة التي يعيشونها يوميا، فهل ستنتهي؟.

أضف تعليقك