كاتب الاستدعاءات.. طاولة ومظلة و"الرزق على الله"

كاتب الاستدعاءات.. طاولة ومظلة و"الرزق على الله"
الرابط المختصر

يتلقّفون كل من يقترب من مبنى المديرية الذي يتحلقون حوله منذ الصباح الباكر باعتباره زبونا محتملا، ولا تلبث أصواتهم أن تتداخل وهي تنطلق منادية عليه: "تفضل يا استاذ.. تجديد هوية.. جواز سفر. شهادة ميلاد.. هون يا أخ".

 

هم هنا بطاولاتهم ومظلاتهم العتيقة منذ ما قبل بدء الدوام وتوافد الموظفين والمراجعين، وهم أيضا آخر من يغادر.

 

إنهم كتبة الاستدعاءات في الزرقاء، والذين قد يراهم البعض مجرد أشخاص هامشيين يحترفون مهنة تعود إلى أيام الدولة العثمانية، لكن حقيقة الأمر أن عمل الدوائر ومصالح الناس ستكون محكومة بالشلل من دونهم.

 

في ما مضى، كان عملهم حكرا على المتقاعدين الذين يتقنون الخط وفن المخاطبات ولديهم دراية بالمعاملات الرسمية، لكن السنوات الأخيرة شهدت كسرا لهذه القاعدة مع اقتحام العنصر الشبابي والنسائي عالم كتابة الاستدعاءات.

 

وبذلك، أثبتت هذه المهنة قدرة على استيعاب العصر وتغيراته الاجتماعية، كما هي الحال مع أدواته التكنولوجية والرقمية، مثل الكمبيوتر والإنترنت وأدوات النسخ والتصوير المتطورة.

 

تقاليد ثابتة 

 

برغم كل شئ، فإن هذا العمل ليس مطمعا كما يؤكد خلف الحجوج الذي يبلغ من العمر 55 عاما، وهو عسكري متقاعد ويعمل كاتب استدعاءات أمام مديرية احوال الزرقاء منذ 15 عاما.

 

وأوضح الحجوج أن الدخل المتواضع من العمل يتفاوت من يوم إلى آخر، أو هو على حد وصفه "مثل المطر، قد يهطل أو لا يهطل"، مبينا أنه قد ياتيه الشخص المراجع أو يذهب لغيره من كتبة الاستدعاءات في ظل وجود عدد كبير منهم أمام المديرية.

 

وقال أنه لا يشترط مبلغا ماليا محددا لقاء خدماته، ويترك الأمر لـ"كرم" المُراجع وقدرته المالية، لافتا إلى أنه يحصل أحيانا أن يرفض المراجع دفع أي مبلغ بحجة عدم قدرته على ذلك.

 

على أنه يبدو منشرحا هذه الأيام بسبب حالة الإزدهار التي تشهدها أعمال الكتبة أمام مديرية الأحوال منذ صدور قرار امتيازات وتسهيلات لإبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين.

 

وقال الحجوج أنه اختار هذه المهنة بعد تقاعده؛ لحاجته إلى العمل من أجل الايفاء بمتطلبات الحياة المتزايدة، خاصة تكاليف الدراسة الجامعية للأبناء.

 

وأضاف أنه طالما كان ميالا إلى مهنة كاتب الاستداعاءات، ويرى في نفسه قدرة على اتقانها بفضل مهاراته في اللغة العربية، إضافةً إلى اللغة الإنجليزية التي أشار إلى أنه يتفرد بها عن بقية زملائه من الكتبة أمام مديرية الأحوال.

 

وأكد أن تقاليد المهنة ثابتة لا يغير فيها الزمن شيئا، وأنه منذ 15 عاما وهو يعمل على نفس المنوال، ودون أن يتغير عليه سوى الأنظمة والقوانين التابعة للدوائر الرسمية وما يستجد فيها من قرارات، والتي يجب أن يواكبها الكاتب باستمرار.

 

ويعاني الحجوج من اضطراره للعمل ضمن ظروف الطقس المختلفة شتاء وصيفا، حال معظم زملائه الذين هم غالبيتهم من المتقاعدين أو لديهم عجز طبي أو أمراض، ولذا فهو يطالب مديرية الاحوال والمحافظة والبلدية بتامين أكشاك لهم، باعتبار ذلك مسؤولية مشتركة بين هذه الدوائر، على حد قوله.

 

ولا يشترط القانون في كاتب الاستدعاءات سوى أن يكون أردنيا أتم الثامنة عشرة، وغير محكوم بجناية مخلة بالأخلاق، حيث يجري ترخيصه بعد تقديمه طلبا إلى المحافظة التي تقوم بتحديد مكان عمل الكاتب.

 

مهارات بسيطة

 

أسعد المشاقبة الذي يبلغ من العمر 54 عاما متقاعد من وزارة التربية، ويعمل منذ 10 سنوات كاتب استدعاءات أمام مديرية تسجيل أراضي الزرقاء، قال أنه حاز على تقرير من الصحة يفيد بإصابته بعجز نسبته 75 %، وهو ما ساعده في الحصول على الرخصة من المحافظة.

 

وأضاف المشاقبة أنه يقوم بتجديد رخصته سنويا مقابل مبلغ رمزي، وهو لا يعاني من اية مشكلات متعلقة بالمهنة، ويصف تعامل المراجعين معه بأنه غاية في اللطف والاحترام.

 

من جهته أيضا، يعاني محمد هاشم الحلبي، وهو في أواخر عقده الرابع، عجزا طبيا منعه من الحصول على وظيفة في مجال المحاسبة التي يحمل فيها درجة الدبلوم، الأمر الذي جعله يتجه إلى امتهان كتابة الاستدعاءات التي مضى له فيها 25 عاما.

 

وقال الحلبي الذي يتخذ لنفسه موقعا أمام مديرية الأراضي، أن ما شجعه على هذه المهنة هو أنها لا تتطلب إلّا أبسط المهارات في اللغة العربية، إضافة إلى معرفة قليلة بكيفية تعبئة الطلبات.

 

وتقوم والدة الحلبي برغم مرضها وتقدمها في السن، بمرافقة ابنها يوميا من حي النزهة إلى مكان عمله في جبل طارق من أجل الاعتناء به، و مساعدته في عمله بحكم خبرتها، حيث سبق لها العمل كاتبة استدعاءات ولديها خبرة جيدة في تعبئة الطلبات وصيغ المخاطبات الرسمية.

 

وأمام المحكمة الشرعية، انكب الشاب محمد فرعون الذي لم يجاوز عقده الثاني، على كتابة الاستدعاءات للمراجعين، وذلك في مشهد يشذ عن المشهد العام لجيرانه من كتبة الاستدعاءات الذين هم في غالبيتهم من المسنين.

 

ولفرعون مع المهنة قصة يرويها قائلا أنه كان ترك وظيفته الرسمية لأسباب خاصة قبل عدة سنوات، وافتتح محلا لتصوير الوثائق أمام المحكمة الشرعية، راح يترزق منه وفي نفس الوقت يسمح لكتبة الاستدعاءات بوضع طاولاتهم ومستلزماتهم فيه عند مغادرتهم مع انتهاء الدوام، وذلك لقاء دينارين شهريا لكل منهم.

 

وقد تبدو كلمة "مستلزماتهم" خادعة بعض الشئ وتشير إلى أمور كثيرة، لكنها في الحقيقة لا تعدو بضعة طوابع واردات ونماذج معاملات وأوراقا بيضاء واسفنجة مبلولة وورق كربون.

 

ومن مرافقته ومراقبته لهم، تعلّم فرعون الصنعة، الأمر الذي جعله يتقدم إلى المحافظة بطلب رخصة، ولمّا حصل عليها، بدأ مزاولة العمل الذي لم يكن يخلو من أخطاء في البداية، وهو ما كان يتسبب لأصحاب الطلبات بغرامات مالية أحيانا.

 

وأكّد فرعون أن مهنة كاتب الاستداعاءات مجدية ماليا، وإن كان يرى أن الأجدر والأحق بالعمل فيها هم المتقاعدون وليس الشباب، كونها لا تتطلب جهدا كبيرا.

 

والشكوى الوحيدة لكاتب الاستدعاءات الشاب هي من عدم تخصيص المحكمة مكانا لكتبة الاستدعاءات سواء ضمن حرمها أو أمام بوابتها، الأمر الذي يضطرهم إلى الجلوس في الشارع لاستقبال طلبات المراجعين.