قراءة في المواقف الأردنية والعربية من العدوان الإسرائيلي على غزة
ثمانية أيام متواصلة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خلفت حتى فجر الثلاثاء 189 شهيدا وحوالي 1400 جريحا فلسطينيا، يقابله رد من فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع بإطلاق الصواريخ على مختلف المدن الإسرائيلية، مشهد اتخذ أمامه الأردن والدول العربية مواقف متباينة على مختلف الأصعدة، الأمر الذي كان مجالا لقراءة كتاب الرأي والمقالات في الصحف اليومية.
فالكاتب فهد الخيطان، يشير إلى تباري دول خليجية في تقديم الدعم المادي للقطاع في مواجهة العدوان، فيما لا يملك الأردن إمكانات تلك الدول، ليسارع إلى تقديم ما يقدر عليه، حيث رفد المستشفى الميداني في غزة بالكوادر الطبية والمواد اللازمة، ونقل جرحى العدوان إلى مدينة الحسين الطبية لتلقي العلاج.
أما سياسيا، فقد صدر أكثر من تصريح رسمي أردني يطالب بوقف "الهجوم" على غزة، ويحذر من تداعيات التصعيد العسكري، كما نشطت الدبلوماسية الأردنية في مجلس الأمن من أجل قرار أممي يحمل إسرائيل على وقف عملياتها العسكرية فورا، لكن ميزان القوى لم يسمح بأكثر من بيان صحفي بنفس المضمون.
ومع تقدير الخيطان لتلك الجهود، إلا أنه يؤكد أن باستطاعة الدبلوماسية الأردنية التي "تكتفي حتى الآن بالحد الأدنى من النشاط الروتيني"، أن تفعل أكثر من ذلك، فـ"الأردن، وبحكم موقعه ودوره في الصراع العربي الإسرائيلي، معني قبل غيره بملء الفراغ الذي خلفه غياب الدور المصري".
وتمتلك الدبلوماسية الأردنية، بحسب الخيطان، ميزات لا تتوفر لكل دول الجوار الفلسطيني؛ من الاستقرار الداخلي، والعلاقات الممتازة مع مختلف القوى الدولية المؤثرة، إضافة إلى خطوط الاتصال مع إسرائيل، والعلاقات التي لا بأس بها مع طرفي المعادلة الفلسطينية؛ السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
ويؤكد الكاتب على ضرورة تدخل الدبلوماسية الأردنية على خط الاتصالات الدبلوماسية فورا وعلنا، مشيرا إلى إمكانية أن تبلور سلسلة أفكار ومقترحات تدير بشأنها حملة اتصالات مع كل الأطراف؛ الفلسطينية والعربية والدولية، بما يساهم في وقف العدوان بأسرع ما يمكن.
ويطرح الكاتب باتر وردم، بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها أردنيا في مواجهة العدوان الإسرائيلي على القطاع، ومنها:
تنفيذ مجلس النواب لسياسة مقاطعة مجلس الشيوخ الأمريكي باستثناء النواب المؤيدين للحق العربي والفلسطيني، وتنفيذ سياسة تنسيق مع مجالس النواب في العالم ضد إسرائيل.
أن تقوم نقابة المحامين برفع دعاوى دولية ضد الجرائم الإسرائيلية في المحافل القضائية العالمية وخاصة محكمة جرائم الحرب الدولية فهذا أهم بكثير من الدفاع عن صدام حسين وإلباس العباءة لبشار الأسد!
مقاطعة نقابة الصحافيين لأية نشاطات إعلامية تشارك فيها إسرائيل حتى لو تضمنت “دورات تدريبية مجانية”، إضافة إلى تخصيص الصحف الأردنية صفحات خاصة في الصحف اليومية موجهة لكشف حقيقة الإنحياز الإعلامي والسياسي لإسرائيل من خلال متابعة دقيقة للإعلام الغربي وتحديد الجهات الأكثر إنحيازا لإسرائيل والجهات التي تتعاطف معنا وتقدر الحقوق العربية لتطوير وسائل التنسيق والتعاون معها.
كما يطرح وردم أفكارمخصصة لمؤسسات المجتمع المدني من منظمات غير حكومية ومراكز دراسات ومنتديات وروابط ثقافية، كالمقاطعة التامة لكل المشاركات والنشاطات الإقليمية والدولية التي يشارك فيها إسرائيليون، وتوثيق كل الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ومقاطعة كل مراكز الأبحاث والدراسات التي تدعم السياسة الإسرائيلية في أوروبا والولايات المتحدة، والامتناع التام عن تلقي مساعدات مالية من الجهات المانحة التي يثبت دعمها لإسرائيل، والمشاركة الفعالة في كل حملات الدعم المالي والفني والمعنوي للشعب الفلسطيني.
"حياد" عربي:
أما الكاتب حسين الرواشدة، فيشير إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي يقف فيها النظام العربي علنا على "الحياد".
ويضيف الرواشدة إلى أن الطرف العربي بعد التحولات التي شهدناها في السنوات الماضية "استقال" تماما من القضية الفلسطينية، وسواء أكانت الدوافع متعلقة "بالانشغال" الداخلي أو بمحاولة كسب الرضا "الغربي" و الاسرائيلي تحديدا، أو بمحاولة "التغطية" على الشرعية التي حصل عليها بدعم خارجي... فإن النتيجة هي اعتبار أي فعل شعبي، سواء أكان احتجاجا أو ردّا للعدوان، عمل عدائي يستوجب الرفض أو المواجهة أو الحياد في أحسن الأحوال.
كما أن موقفالنخب التي خرجت من "الربيع" العربي مجروحة في مصداقيتها، من العدوان على غزة، ينسجم تماما من موقفها اتجاه "المجتمع" ومطالبه، والثورات واستحقاقاتها، فتحت عنوان ( الكراهية) والتحريض على "الإسلاميين" انساقت إلى المربع "الرسمي"، وأصبحت جزءا منه.
إعلام يحرض على العدوان:
ويلفت الرواشدة إلى أنها "المرة الأولى التي تخرج فيها أصوات من داخل بعض المجتمعات العربية للتحريض ضد الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب بشعة، لدرجة أن بعض هؤلاء دعا علانية إلى "التخلص من حماس"، فيما حمل آخرون مسؤولية العدوان على "المقاومة" أو اتهموها بأنها انجرت إلى "الفخ" الإسرائيلي، ووصل التحريض الى درجة الابتهاج بأن هذا العدوان فرصة "للتخلص من الطرفين" حماس واسرائيل معا.
ويخلص الكاتب إلى القول بأنه "كان يمكن لبعض الأنظمة العربية التي تسعى إلى تثبيت "شرعيتها" أن تتصالح مع شعوبها من خلال "الانحياز" ضد العدوان الإسرائيلي ودعم غزة ومقاومتها الباسلة، على حد تعبيره.
فيما يذهب الكاتب محمد أبو رمان، بعد استعراض ما تشهده المنطقة من حالة التوتر ومشاهد التفجيرات والقتل والمجازر، إلى أن الجديد في ذلك، أن يبلغ ما وصفه بـ"التعري الأخلاقي والثقافي" مما نراه اليوم من موقف نخب سياسية وإعلامية عربية، وتحديداً مصرية، من العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، بذريعة الموقف من حركة حماس، والتفكير في إفشالها والقضاء عليها، عبر الجيش الإسرائيلي.
فرغم أنّ المواقف الرسمية العربية لم تكن في يوم من الأيام على درجة واحدة ولا نوايا موحدة في الموقف من إسرائيل، إضافة إلى التناقض بين تصريحات ومواقف بعض الأنظمة المعلنة وخطابها الحقيقي، إلا أن الأمر لم يصل سابقا إلى أن يأخذ طابعا مكشوفاً في تأييد العدوان الإسرائيلي أو عدم إدانته في الحدّ الأدنى.
ويشير أبو رمان إلى "الحالة الفجة التي تظهر حاليا في بعض أبواق الإعلام المصري الذين يؤيدون، صراحةً أو ضمناً، العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، أو يبررونه"، مؤكدا أنها عملية "لا يمكن أن تلقى أي درجة من النجاح الشعبي، لأنّها تتناقض مع وجدان المواطنين البسطاء، وأبسط البديهيات الدينية والقومية، بل وحتى الإنسانية لديهم".
إلا أن الكاتب يشدد على ضرورة عدم تعتيم المشهد تماما، فـ"ثمّة حركات ومبادرات مجتمعية ومواقف شعبية تسير على الخط الآخر، وتخلق مساراً مضاداً للانهيار الذي نراه في مختلف الدول العربية".