نظاما إدارة الموارد البشرية والخدمة المدنية: بين الإصلاح الإداري والانتقادات الواسعة

الرابط المختصر

بعد سنوات طويلة من الحديث عن إصلاح القطاع العام، أقرت الحكومة مؤخرا نظامي إدارة الموارد البشرية في القطاع العام والنظام المعدل لنظام الخدمة المدنية، يتضمنان العديد من النصوص القانونية التي تهدف إلى تطوير بيئة العمل وتحسين أداء الموظفين في القطاع العام، وفقا للحكومة.

ومع ذلك، منذ دخولهما حيز التنفيذ، واجه هذان النظامان انتقادات عديدة لبعض بنودهما، إذ ينظر إليهما على أنهما يقيدان الموظف العام، في الوقت نفسه، يؤكد المختصون في تطوير القطاع العام على أن هذه الأنظمة لا يمكن مقارنتها بالنصوص القديمة، في وقت تسعى فيه الدولة إلى تطوير أداء القطاع العام.

الدراسات السابقة تشير إلى أن تحديات القطاع العام لا تقتصر فقط على العدد الكبير للموظفين، الذي يقدر بنحو 218 ألف موظف وفقاً لديوان الخدمة المدنية، بل تشمل أيضا ضرورة تعزيز النهج المؤسسي للاستجابة بكفاءة للتحديات المحلية والعالمية، والمساهمة بفاعلية في تحقيق التعافي الاقتصادي من خلال مبادئ التميز والشفافية والمساءلة، وربط الأداء بالنتائج، وتعزيز التكامل والتنسيق المؤسسي.

أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا الدكتور عبدالله القضاة يشير إلى ضرورة النظر إلى النظامين كجزء من منظومة متكاملة لتحديث الإدارة الحكومية، معبترا أن الأنظمة الحديثة، وخاصة نظام الموارد ينطلق من فكر الموارد البشرية الحديثة ولا يمكن مقارنته بالنصوص القديمة بل تمثل مرحلة جديدة وفكرا اداريا متطورا تم تطبيقه في العديد من  الدول واثبت نجاحه.

ويعبر القضاة عن استغرابه من الهجمة على الأنظمة الجديدة، مشيرا إلى أنها تم إقرارها بجهود وخبرات متخصصين في الإدارة والموارد البشرية، وإذا دعت الحاجة إلى تعديلها بسبب وجود خلل في التطبيق، يمكن معالجة ذلك لتحقيق الأهداف المرجوة.

 

انتقادات طالت النظامين

الانتقادات التي طالت نظامي إدارة الموارد البشرية في القطاع العام والنظام المعدل لنظام الخدمة المدنية، هو أن القوانين أصبحت تمنع الموظفين الحكوميين من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.

أثار هذا التعديل استياء شريحة واسعة من الموظفين الحكوميين، نظرا لتداعياته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لبعضهم، حيث يعتمد العديد منهم على وظائف إضافية لتحسين ظروفهم الاقتصادية في ظل تضخم الأسعار وغلاء المعيشة.

ويرى القضاة ذلك أن هذا النظام يصب في مصلحة الكفاءات، مشيرا إلى أن بعض موظفي القطاع العام اعتادوا على العمل دون كفاءة أو حافز ودون مساءلة، مضيفا أنه لا توجد دولة تجيز للموظف العمل في وظيفتين في آن واحد.

ويوضح القضاة أن النظام السابق لم يكن يجيز للموظف العمل في وظيفتين خارج أوقات الدوام الرسمي دون موافقة المرجع المختص، بشرط عدم تضارب المصالح أو تعارض العمل مع المؤسسة.، و أن النظام الجديد يسمح للموظف بالعمل في شغله الخاص لتحسين دخله، ولكن لا يجوز له العمل لدى صاحب عمل آخر بوظيفة ثابتة براتب شهري.

كما يشير القضاة إلى أن الأنظمة الجديدة أخذت بنظرية تسعير الوظيفة وليس بالشهادة، على سبيل المثال، إذا كان الموظف يعمل في وظيفة تتطلب شهادة ثانوية عامة براتب 300 دينار، فإنه إذا حصل على شهادة البكالوريوس لن يتم تعديل راتبه، بل يمكنه التقدم لوظيفة جديدة براتب أعلى ويستقيل من وظيفته الحالية، معتبرا أن هذا النظام يمثل نقطة تحول إيجابية لخدمة الكفاءات.

من ضمن تعديلات نظام الخدمة المدنية فإن أي موظف سيلتحق بالدراسة للحصول على مؤهل علمي منذ نفاذ هذا النظام، فما بعد لن يتم تعديل وضعه بعد حصوله على المؤهل الأعلى.

دور الحكومة في تحسين ظروف العاملين

المحلل الاقتصادي والأكاديمي الدكتور قاسم الحموري يشير إلى أن إقرار هذين  النظامين  يجب ان ينظر اليه من جانب التطوير والإصلاح الإداري والاقتصادي الذي بدأت به الحكومة، الى جانب الإصلاح السياسي، معتبرا أن أي عملية  إصلاح ستواجه  متضررين، خاصة وان  العديد من الأشخاص معتادين في القطاع العام على أنه يستطيع العمل بوظيفة إضافية إلى جانب وظيفتهم الحكومية.

ولكن يرى الحموري أن تحسين الأوضاع الاقتصادية لكافة العاملين في المملكة، يجب أن يتم معالجته  من خلال سياسات حكومية تهدف الى تحسين الرواتب للحد من معدلات البطالة وارتفاع الفقر المتزايد.

من جانبه، ينتقد مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" حمادة  أبو نجمة  حرمان الموظفين من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، دون الأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم وظروفهم المعيشية، أن ذلك لا يخدم بأي شكل من الأشكال عملية التطوير الإداري، في وقت يعيق فرصهم في تحسين دخلهم ومعيشة أسرهم خاصة أصحاب الدخول المتدنية.

أبو نجمة، يحذر من أن نظام إدارة الموارد البشرية الجديد في الأردن لن يحقق أهدافه في تحفيز الموظفين وتحسين الخدمات الحكومية، وذلك لافتقاره إلى الدراسة والتوافق مع متطلبات الواقع، وقد تم إصداره دون إخضاعه لدراسة معمقة أو تشاور مع الخبراء والمختصين، مما أدى إلى وجود ثغرات كبيرة تعيق تطبيقه الفعال.

ويشير إلى أن النظام الجديد لا يضع ضوابط فعالة للحد من تأثير الواسطة والمحسوبية في تعيين الموظفين وترقيتهم، مما يعيق تحقيق العدالة والمساواة في العمل، مضيفا إلى أن التعديلات الجديدة فرضت قيودًا غير مبررة على الموظفين، مثل وقف الإجازة بدون راتب، في الوقت الذي تشير المعلومات إلى وجود ما يقرب من 12 ألف موظف مجازون بدون راتب يعملون خارج الأردن ويدرون على الأردن دخلا ماليا جيدا ليس من مبرر لحرمان البلد منه، أو لحرمانهم من تحسين ظروف معيشتهم من خلاله.

هذا وينطبق النظام المعدل لنظام الخدمة المدنية على الموظفين المعينين قبل نفاذ نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، وبحسب الحكومة سيحافظ النظام المعدل على الحقوق والمزايا المالية المتعلقة بسلم الدرجات والمستويات الوظيفية، والرواتب والعلاوات، والزيادات السنوية، والترفيع الوجوبي، والمكافآت والحوافز المرتبطة بتقييم الأداء.