فتوى وتعزية

فتوى وتعزية
الرابط المختصر

كان لوفاة الشاب شادي أبو جابر، وما تبعها من تعليقات  عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لحقتها فتوى مفتي المملكة، حول جواز تعزية المسلمين لغيرهم، تداعيات بين أعمدة الرأي في الصحف اليومية بقراءات عن مدى التعايش الذي يتمتع به الأردن ، ودور الفضاء الالكتروني بالتكوين الفكري للمجتمع.

 

الكاتبة رنا الصباغ، تعرب عن شكرها للمفتي عبد الكريم الخصاونة لإصداره الفتوى، ووضعه حدا رسميا لحمم ما تصفه بـ"الحقد الأعمى والكراهية والجهل التي تفجّرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ذبول شاب في عمر الورود".

 

وتضيف الصباغ بأن "هذه الفئة التحريضية الإقصائية تقيم بيننا في وطن بني أساسا لاحتضان الأردنيين كافة، وتقديم أنموذج فريد للانصهار المجتمعي، مقابل ظلال التطرف الديني والفكري والاجتماعي".

 

فـ"لجوء الحكومة إلى الإفتاء لقطع الطريق على مدّعين من الجهلاء والحاقدين أثار مشاعر حزن وأسى لدى غالبية الأردنيين، المؤمنين بالهوية الجامعة التي تحمي كرامة الإنسان على أساس "كلنا أردنيون" وقوتنا في تنوعنا".

 

وترجع الكاتبة نشوء مثل هذا الفكر إلى "مناهج التجهيل المحشوة بالفكر الإقصائي والتطرف ورفض الآخر؛ مفاهيم مرعبة دُست كالسم في الكتب المدرسية، بحيث تنغرس في عقول صغارنا وتعشعش في المجتمع، في تناقض مع قيمه المبنية على الوسطية والاعتدال والانفتاح".

 

وتخلص الصباغ إلى أن ما نعيشه اليوم من انغلاق فكري وتخلف قيمي وتراجع في مناسيب الإنسانية والمنظومة القيمية، يقلق كل مواطن لا يريد العيش في مجتمع بدائي منغلق شبيه بمعايير "داعش" أو "القاعدة"، فيما هي تدّعي حراسة التقوى والإيمان والقيم الدينية المفصلة على مقاسها.

 

أما الكاتب فهد الخيطان، فيرى في حادثة أبو جابر وما تبعها، مثالا حيا على قوة تأثير "السوشال ميديا" على الرأي العام، والتحكم باتجاهات التفكير.

 

ويشير الخيطان إلى التغيير الجوهري الذي أصاب منظومة القيم والأفكار مع شيوع مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقترب من أن تكون المصدر الأول لتشكيل وعي الجمهور.

 

ويوضح الكاتب بأن أغلب الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحظى بمتابعة مليونية هي لدعاة، وأن الأفكار الأكثر اهتماما لمفكرين طائفيين من شتى الأديان، ولا ينافسهم على حب الجمهور سوى مشاهير الغناء والرقص.

 

فـ"الجماهير العربية غرقت في ثقافة الشارع تماما، وباتت أسيرة لمنتجاتها الرديئة؛ فائض من ثقافة الكراهية، وتمجيد الموت، والانتقاص من قيمة الحياة، والإصرار على احتكار الحقيقة المطلقة، وعدم احترام الآخر، واجترار الماضي، يقابله انحلال أخلاقي وانحدار فكري"، يقول الخيطان.

 

ويؤكد الخيطان ما للتعليم والإعلام والثقافة السائدة من أثر في وصولنا إلى ما نحن فيه؟ مشيرا في الوقت نفسه إلى التأثير الأكبر للأفكار التي اجتاحت حدود العقل وعبرت إلى خلاياه عبر الشبكات العنكبوتية.

 

فيما يستذكر الكاتب رشاد أبو داود، أيام دراسته القديمة، وما كان يحيط بها من حالة تعايش حقيقي بين أبناء الوطن من مختلف الأديان والأصول.

 

ويتساءل أبو داود "هل تذكرون تلك السنوات كم كنا أخوة لا يفرق بيننا طائفية ولا عنصرية ولا جهوية.. كم كانت هويتنا واحدة وقلبنا واحد.. أتحدى أن يكون أحد منا كان ينظر إلى زميله سوى نظرة الأخ لأخيه، ولوطننا سوى نظرة الحرص على ترابه من عدو واحد هو «إسرائيل»".