عودة العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

عودة العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل
الرابط المختصر

 في حديث مع "المونيتور"، وضع مسؤول أردني سابق مخضرم العلاقة بين الأردن وإسرائيل في إطار "الصداقة المريرة والعداوة الجيدة". فبعد الاضطراب الذي شهده عام 2017، قدمت الحكومة الإسرائيلية في 18 كانون الثاني / يناير إلى الأردن "اعتذارا" رسميا عن مقتل الأردنيين الاثنين في 23 يوليو / تموز على يد حارس أمن في السفارة الإسرائيلية في عمان، وعن مقتل قاضي أردني لدى عبوره إلى الضفة الغربية في 10 آذار / مارس 2014، ليكون الاعتذار قد طوى، وإن ظاهريا، صفحة أسوأ أزمة تعصف بعلاقات البلدين منذ توقيعهما معاهدة سلام في عام 1994.

في بيان صدر في 18 كانون الثاني / يناير، قال محمد المومني، المتحدث باسم الحكومة الأردنية ووزير الدولة لشؤون الإعلام، إن وزارة الخارجية تلقت مذكرة رسمية من نظيرتها الاسرائيلية، مضيفا: "أعربت الحكومة الاسرائيلية عن اعتذارها وأسفها العميق إزاء حادث مقتل القاضي رائد زعيتر وحادث السفارة الإسرائيلية في تموز / يوليو من العام الماضي الذي أسفر عن استشهاد مواطنَين أردنيَين".

وأردف قائلا إن الحكومة الإسرائيلية كانت قد قبلت، كما هو مبين في رسالتها، كافة الشروط التي وضعها الأردن للسماح بعودة سفير إسرائيل إلى عمان.

وسرعان ما بدأ يشكك الأردنيون في مدى صحة استيفاء إسرائيل كافة شروط عمان لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية، التي أغلقت منذ يوليو / تموز. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد طالب في 27 تموز / يوليو الماضي إسرائيل بمحاكمة الحرس الإسرائيلي الذي اتهمه الأردن بقتل الأردنيَين قبل السماح بإعادة فتح السفارة، إذ قال الملك: "نطالب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الالتزام بتعهده واتخاذ كافة الإجراءات لضمان محاكمة القاتل وعدم التعامل مع الحادثة وكأنها عرض سياسي يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية شخصية".

وفي حين لم تنشر الحكومة نص الرسالة الإسرائيلية التي يُزعم أنها تتضمن اعتذارا والتزاما باتخاذ إجراء قانوني في ما يتعلق بحادث السفارة وعرض التعويض لأسر الضحايا، صدر بيان موجز على الموقع الإلكتروني لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يفلح في تقديم أي تفاصيل في هذا الإطار، وجاء فيه ما يلي: "ستواصل السلطات الإسرائيلية مراجعة المواد المتعلقة بحادث تموز / يوليو 2017 وتتوقع اتخاذ قرار في هذا الشأن في الأسابيع المقبلة"، ليضيف إن السفارة في عمان ستعاود نشاطها الكامل فورا.

وعلق الأردنيون على وسائل الإعلام الاجتماعية فأعربوا عن عدم اقتناعهم بأن إسرائيل اعتذرت عن الحادثين وأنها ملتزمة باتخاذ إجراءات قانونية ضد الحرس الإسرائيلي، فطالبوا الحكومة بنشر النص الكامل للمذكرة الإسرائيلية التي سلمت إلى عمان.

وفي حين لم يدل ممثلو الحكومة الاسرائيلية أو وزارة الخارجية بأي تصريح في هذا الشأن، قال نتانياهو للصحفيين في 19 كانون الثاني / يناير إن إسرائيل "أعربت عن أسفها وحزنها" للأردن بسبب مقتل اثنين من مواطنيها. وأضاف إن إسرائيل ستدفع تعويضات تبلغ 5 ملايين دولار للحكومة الأردنية وليس لأسر الضحايا، وهو ما يعطي مسألة الاعتذار بعض المصداقية، إلا أن مسألة محاكمة حارس الأمن الإسرائيلي لم تثبت بعد. ففي 21 كانون الثاني / يناير، قالت مصادر إسرائيلية لرويترز إن إسرائيل لن تحاكم الحرس وإنها ستدرس الحادث وتشارك النتائج مع الأردنيين"، في حين صرح مصدر آخر إنه من "غير المعقول" لإسرائيل أن "توجه اتهامات جنائية ضد الحارس".

لم تعلق الحكومة الأردنية على هذه التصريحات ولم يصدر أي رد فعل أردني، ما حث بعض النقاد على الاعتقاد أن الحكومة قررت أن تتخلى عن القضية، علما أن البعض يعتقد أن المملكة قد خضعت للضغط الأمريكي لإنهاء المأزق الدبلوماسي الذي دام ستة أشهر، وقد شكر نتانياهو الولايات المتحدة في 20 كانون الثاني / يناير على "جهودها المبذولة وراء الكواليس" لحل الأزمة الدبلوماسية الاسرائيلية مع الأردن. وأصدر مكتبه بيانا جاء فيه إن رئيس الوزراء "أعرب عن تقديره لـ [المستشار الرئاسي جاريد] كوشنر والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات لجهودهما التي ساعدت في حل الأزمة"، ما زاد لائحة التصريحات التي لم تعلق الحكومة الأردنية عليها.

قد يكون الأردن قد اختار إنهاء النزاع في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ حول القدس في 6 ديسمبر / كانون الأول، ففي أعقاب حملة دبلوماسية مكثفة قادها عبد الله شخصيا ضد القرار الأمريكي، بدأت القيادة الأردنية تراجع تداعيات أفعالها مراجعة شاملة. وفي حين واصل الملك بوضوح تحديد موقفه من القدس وحل الدولتين، وبدا ذلك واضحا في خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس للمملكة في 20 يناير / كانون الثاني، يبدو أنه اختار الانخراط الدبلوماسي الهادئ مع إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية بدلا من المواجهة المباشرة.

وما قد يفسر ذلك هي الظروف التي أدت إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل والأردن. ففي حين تتعارض فيه الدولتان بشكل تام إزاء حلول نهائية تتعلق بالفلسطينيين، يبقى لدى الأردن وإسرائيل بعض المصالح المشتركة، منها التنسيق الأمني، لا سيما في ما يتعلق بالحالة في جنوب سوريا، وبناء مشروع متعدد الأطراف لنقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهو مشروع يبلغ ملايين الدولارات. بالنسبة للأردن، تتضمن هذه المصالح قبل كل شيء حماية حضانة المملكة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية بعد قرار ترامب المثير للجدل.

إلا أن عبد الله لم يعلق على الاتفاق مع إسرائيل. وذكرت مصادر إسرائيلية إن هناك جهود يتم بذلها لترتيب مكالمة هاتفية بين الملك ورئيس الوزراء، وفي حين لا يبدو أن هذا الاتصال قد تم، لم يلتق الرجلان في دافوس في سويسرا علما أنهما كانا هناك يوم 25 كانون الثاني / يناير لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي صرح عبد الله في خلاله إنه لا يمكن أن تكون هناك عملية سلام بدون الولايات المتحدة، وإنه لا يزال منفتحا لإمكانية إجراء محادثات سلام في المنطقة رغم قرار ترامب بشأن القدس، والذي يمثل "تعقيدا للأردن".

يبدو الآن أن الوئام السياسي قد سهل عملية إعادة ترتيب العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وإن كانت العلاقة متجمدة بين الملك ورئيس الوزراء، وهي علاقة قد تؤدي إلى اندلاع التوترات في حال استمرار الهجمات التي يقوم بها المتعصبون اليهود في موقع المسجد الأقصى وفي حال عدم اتخاذ إسرائيل إجراءات قانونية ضد الحارس المتورط في حادث السفارة، ما قد يعيد العلاقات إلى الحافة.

 

أضف تعليقك