صمت رسمي حول حادث السفارة يقود الإعلام للخطأ أو للرواية الإسرائيلية

صمت رسمي حول حادث السفارة يقود الإعلام للخطأ أو للرواية الإسرائيلية
الرابط المختصر

فتح الصمت الرسمي الباب مشرعاً أمام بورصة التكهنات والأخبار غير الدقيقة التي حفلت بها معالجات صحافية لما جرى في محيط السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان عصر الأحد الماضي.

وغابت الرواية الرسمية الأردنية عن الحدث الذي لقي متابعة في أوساط صحافية محلية وعالمية، إضافة إلى حضور مكثف على منصات التفاعل الاجتماعي.

وبسبب غياب الرواية الأردنية فقد تبوأت الرواية الرسمية الإسرائيلية للحادث مكان الصدارة على صفحات وسائل الإعلام عالمياً وحتى محلياً.

ولقي مواطنان أردنيان حتفهما الأحد 23 تموز (يوليو)، عندما أطلق رجل أمن إسرائيلي النار عليهما خلال وجودهما في مبنى ملحق بالسفارة الإسرائيلية في عمان.

ولم يصدر أي تصريح لمسؤول حكومي خلال الـ 48 ساعة التي تلت الحادثة، في حين صدرالبيان الأول لمديرية الأمن العام بعد ساعات (مساء الأحد) من وقوع الحادث، ثم تبعه إعلان وفاة المواطن الاردني الثاني. وفي مساء اليوم التالي صدر البيان الأمني الثاني الذي تحدث عن "مواصلة" التحقيقات، قبل أن يصدر البيان الأمني الثالث الذي أعلن انتهاء التحقيقات وإحالة البيانات إلى النيابة العامة.

وعلى الرغم من طبيعة الحادث الجنائية، إلا أن مكان الحادث وجنسية مطلق النار والظرف السياسي المتوتر بسبب الأزمة في القدس والإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، أعطى حادث السفارة بعداً سياسياً وإعلامياً متسارعاً، لم تواكب خطاه ماكينة الإعلام الرسمي.

 

ارتباك إعلامي محلي

منذ اللحظة الأولى لتسرب الخبر إلى الصحافيين، ظهر التخبط جلياً في المعالجات الصحافية. ففي ظل التكتم الرسمي، بادرت وسائل إعلام ومنصات إلى نقل معلومات مغلوطة عن مصادر مجهولة تحدثت عن محاولة إغتيال السفير الإسرائيلي في عمان، ثم أعلنت مقتل إسرائيلي، بل إن بعضها بالغ في عدد القتلى المزعومين فوصل به إلى سبعة.

كذلك فقد حدث تخبط في اسم عائلة القتيل الأردني الأول وعمره وجنسيته، وما إذا كان قد استخدم أداة في شجاره مع الموظف الإسرائيلي، وماهية الأداة أهي سكين أم مفك، وما إذا كان الشجار بين الطرفين اندلع في بداية اللقاء أم في نهايته، وأسباب ذلك الشجار، ودرجةخطورة إصابة الإسرائيلي، وهوية القتيل الثاني، إضافة إلى التضارب في مكان الحادث أكان داخل مبنى السفارة أم في مبنى سكني ملحق بها أو في محيطها.

ولم تركز وسائل الإعلام في تغطياتها الأولية على أن القتيل محمد الجواودة طفلاً بحسب المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989، وصادق عليها الأردن عام 1991، إلا أن بعضها استخدم لاحقاً مصطلح "حدث" عند معالجته الصحافية لتبعات القضية.

ولإشباع تعطشها للمعلومة، لجأت وسائل إعلام إلى الحصول على معلومات من مصادر أمنية وحكومية مجهولة، فضلاً عن تصريحات من والد القتيل الأول وعمه على الرغم من عدم تواجدهما لحظة الحادث، وتغطية ردود فعل ذوي القتيلين، في حين لجأت وسائل إعلام أخرىإلى المسؤولين الإسرائيليين والإعلام الإسرائيلي لنقل تفاصيل عن الحادث، وذلك بعد رفع حظر النشر الذي فرضته الرقابة العسكرية هناك.

الإعلام المحسوب على الحكومة اكتفى بما أصدرته مديرية الأمن العام من بيانات، ولم يواكب الحدث كما ينبغي، وهو ما أثار سخطاً ظهر واضحاً في مقالات وما نشره مرتادو المنصات التفاعلية على صفحاتهم الشخصية.

 

تدفق المعلومات أردنياً وإسرائيلياً

على الجانب الآخر من الحدود، كان الوضع مختلفاً. فقد فرضت الرقابة العسكرية الإسرائيلية حظراً على تداول أية معلومات حول ما جرى في السفارة بعمان، وهو ما التزمت به جميع وسائل الإعلام؛ ليس التقليدية فحسب بل حتى منصات التفاعل الاجتماعي، بحسب ما لاحظه مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) وأكده الصحافي أيمن الحنيطي الخبير والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية.

واستمر الحظر طيلة الليل قبل أن يرفع في السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، لتصدر وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً باللغات العربية والإنجليزية والعبرية روت فيه تفاصيل الحادث، من وجهة نظرها، وجهود حكومة نتنياهو في تجاوز آثاره.

وأجاب بيان الخارجية، الذي تداولته وسائل إعلام إسرائيلية وعالمية ومحلية ومنصات تفاعل اجتماعي، عن جميع الأسئلة التي يطرحها الإعلام، على الرغم من احتوائها على ما يخدم الدعاية الإسرائيلية.

ولاحظ مرصد (أكيد) أن التزام وسائل إعلام إسرائيلية بالحظر الذي فرضته "الرقابة العسكرية" لم يمنعها -فور رفعه- من نشر بيان الخارجية، مسبوقاً أو مذيلاً بانتقادات لسياسات رئيس الوزراء "المرتمية في أحضان اليمين"، فضلاً عن انتقاد قرار حظر النشر "الذي حرم الإسرائيليين من معرفة ما يجري في السفارة" عبر منصات التفاعل الاجتماعي وفي برامج تلفزيونية وإذاعية، وهو ما أكده الحنيطي.

كما لاحظ المرصد أن وسائل إعلام إسرائيلية أضافت تفاصيل تعارض جزئيات في بيان الخارجية ظاهرياً، لكنها تخدم الدعاية الإسرائيلية مثل الزعم بأن القتيل الثاني بشار حمارنة قضى بسبب طعنه من قبل القتيل الأول وليس برصاص الموظف الإسرائيلي.

عقب ذلك، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الجورجي جيورجي كفيريكاشفيلي عن جهوده في متابعة حادث السفارة، والتواصل مع الجانب الأردني لهذا الشأن.

وبالتزامن مع إصدار البيان الصحافي الأخير للأمن العام الأردني، وبعد ما تناقلت وسائل إعلام خبراً يزعم "رفض" الأردن تسليم القاتل الإسرائيلي، أعلن عوفير جنلدمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي عودة طاقم السفارة الإسرائيلية كاملاً ومن بينهم رجل الأمن، ودعم كلامه بنشر تسجيل لمكالمة هاتفية بين نتنياهو والسفيرة عينات شلاين ورجل الأمن الذي أشار إليه باسم زيف، قبل أن يلتقيهما في اليوم التالي في القدس.

ويتجنب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الصحافي أيمن الحنيطي المقارنة بين الإعلام في كلا من الأردن وإسرائيل. فالكفة تميل لصالح الأخيرة في وجود "ترسانة إعلامية ملتزمة بضوابط صحافية ومهنية ووطنية"، ويستند الإعلام الإسرائيلي إلى جهات رسمية مواكبة لكل ما من شأنه دعم السياسة العامة في إسرائيل، وهو ما تضطلع بمسؤوليته الرقابة العسكرية التي أضافت منصات التفاعل الاجتماعي إلى مهامها.

وأكد الحنيطي لـ (أكيد) أن حظر النشر منح المسؤولين الإسرائيليين "الوقت الكافي لتنسيق مواقفهم ورسم سيناريو للحادث"، بدليل تزامن إصدار بيان الخارجية مع هجوم لفظي شنه إسرائيليون على الأردن.

وتحدث الحنيطي عن إصرار الإعلام الإسرائيلي على ربط حادث السفارة بالأزمة في المسجد الأقصى، بين مؤيد للتصعيد ومطالب بالتهدئة مع الأردن.

ووفقاً للحنيطي، فإن نتنياهو استثمر عودة طاقم السفارة الإسرائيلية بمن فيهم رجل الأمن في تعزيز مكانته في أنواء السياسة الإسرائيلية الداخلية.

وعلى الرغم من جنوح معالجات صحافية إلى وجود صفقات تربط الإفراج عن طاقم السفارة بتخفيف التوتر في المسجد الأقصى، نفى كلا من الأردن وإسرائيل وجود أية صفقات بين البلدين.

 

انتقادات للصمت الرسمي

خلال الحدث وبعده، لم تكن وسائل إعلام محلية راضية عن غياب الرواية الرسمية للحدث، فقد انتقد بعضها "التقصير الرسمي في التعامل مع تلك القضايا"، وهو ما لقي صدى لدىقيادات تشريعية أدلت بدلوها في انتقاد الموقف الحكومي باعتبار أنه "لم يكن بمستوى الحدث وتأثيراته الكبيرة".

كما طاف تصريح وزير الداخلية غالب الزعبي خلال جلسة مجلس النواب التي انعقدت صباح الثلاثاء على مختلف المواقع الإخبارية ومنصات التفاعل الاجتماعي، وسط انتقادات لتوصيفه ما فعله الجواودة بـ"الفعل الجرمي"، لتتوسع دائرة الانتقادات وتشمل الموقف الرسمي برمته.

ودافع الدكتور محمد المومني وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة في أول ظهور له بعد 48 ساعة على حادث السفارة عن غياب وجهة النظر الرسمية بقوله إن "الدقة مفضلة على السرعة"، وهو ما لم يحظ بقبول لدى صحافيين.

وقدم المومني في مؤتمر صحافي مشترك إلى جانب وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي ووزير الدولة للشؤون القانونية بشر الخصاونة رأي الأردن الرسمي تجاه ما حدث في السفارة الإسرائيلية، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحفظ حقوق القتيلين الأردنيين.

وفي تعليق بث عبر قناة (سي إن إن) مساء الثلاثاء، شدد الصفدي على أن حادثة السفارة منفصلة تماماً عن الأزمة في المسجد الأقصى، سارداً أن ما حدث هو "هجوم جنائي"، بحسب ما توصلت إليه التحقيقات.

وأضاف الصفدي لـ (سي إن إن) إن شجاراً، لا تعرف أسبابه بعد، وقع في شقة تابعة للسفارة الإسرائيلية بين الإسرائيلي وشابين أردنيين بوجود صاحب الشقة الأردني، وأطلق الإسرائيلي النار، ما أدى إلى وفاة أردنيين، أحدهما فتى يبلغ من العمر 17 عاماً.

وأوضح الصفدي أن مطلق النار يتمتع بالصفة الدبلوماسية، "وعند بدء التحقيقات والتزاماً بالقانون الدولي، اتصلنا بالإسرائيليين، الذين وافقوا على أن نأخذ إفادته ثم عاد بعد ذلك إلى بلاده".

وأكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين أن "الأردن فعل ما يجب أن يفعله بما يتفق مع القانون الدولي، والآن على إسرائيل فعل ما يجب عليها فعله".

وانتقد الصفدي ردة الفعل الإسرائيلية على حادث السفارة، ووصفها بـ "السخيفة"، قائلاً إن إسرائيل "حاولت إظهار الأمر وكأن السفيرة والمشتبه به تحت الحصار، وأنه جرى تحريرهم والاحتفاء بهم كأبطال عند عودتهم إلى إسرائيل.. القضية جنائية، والأردن تصرف بشكل قانوني وأخلاقي، ويفترض بإسرائيل التصرف بشكل مماثل، ووقف سلوكها الاستفزازي وتشويه الحقائق"، وهو انتقاد وجد مكاناً في صحف إسرائيلية باعتباره غضباً أردنياً.

مرصد (أكيد) تواصل مع صحافيين لمعرفة حقيقة غياب وجهة نظر الأردن الرسمية عن التغطيات الإعلامية لحادث السفارة، حيث قال سليمان الخالدي مدير مكتب وكالة أنباء رويترز في عمان إنه علم بالحادث عبر مكتب الوكالة في القدس، إلا أنه لم يستطع الحصول على "موقف رسمي أردني"، متابعاً "لم يكن في أيدينا سوى بيانات الشرطة".

وأضاف الخالدي أنه حاول الحصول على رأي الحكومة إزاء "رفض" الأردن تسليم الموظف الإسرائيلي، إلا أنه لم يستطع الوصول إلى مصدر رسمي.

 

وقال إن مكتب الوكالة في القدس تابع الحادث عقب رفع حظر النشر الإسرائيلي، لتخلو القصة الإخبارية التي نشرتها الوكالة من وجهة النظر الأردنية.

وقال الصحافي محمد العرسان رئيس تحرير راديو البلد ومراسل لصحيفة عربي 21، إنه لم يستطع الحصول على تصريحات رسمية.

 

وأضاف أن غياب الرواية الرسمية فتح الباب أمام تحليلات لا تستند إلى مصادر موثوقة، خصوصاً أن طبيعة الحادث تحتم على الصحافي التريث بانتظار المعلومة الرسمية، "لأن الجهات الرسمية هي الوحيدة التي تملك المعلومة الصحيحة في حوادث كهذه"، وفي ضوء حجبها، اضطر صحافيون إلى الاعتماد على مصادر مجهولة لا يمكن التأكد من صدق تصريحاتهم.

 

واستذكر العرسان اللغط الذي رافق أحداثاً سابقة مثل هجوم الكرك، عندما كرس غياب المصدر الرسمي الإشاعات، مستدركاً أن حادث السفارة أجبر المواطن على اللجوء إلى الإعلام الإسرائيلي.

 

كذلك أكد عبد الله الكفاوين مراسل قناة فرانس 24 ومحمد السكر مراسل راديو سوا أنهما حاولا التواصل مراراً مع مصادر حكومية دون فائدة، مشيرين إلى أن شح المعلومة الرسمية تسبب في إرباك في مؤسستيهما.

 

وقال السكر إن رد الفعل الرسمي الأردني كان مهماً، لكنه لم يصدر، ما اضطرني إلى إرسال خبر عام دون تفاصيل.

 

وثيقة فيينا

لم تتطرق وسائل إعلام محلية لوثيقة فيينا قبل أن تضمنها وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيانها الذي أصدرته صبيحة اليوم التالي للحادث. ورغم ذلك، لم تحظ الوثيقة بالتركيز وبقي ورودها في النصوص الإخبارية المحلية مجرداً دون متابعة، باستثناء موقع واحد أدرج بنود الوثيقة مترجمة إلى اللغة العربية.

 

وبحسب ويكيبيديا، تنظم وثيقة فيينا العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتحدد امتيازات البعثات الدبلوماسية، بما يمكن الدبلوماسيين من أداء وظائفهم دون خوف، وقد صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالعلاقات الدبلوماسية والحصانات الذي عقد في فيينا بالنمسا في 18 نيسان (أبريل) عام 1961.

 

وقال الأستاذ الدكتور غسان الجندي أستاذ القانون الدولي العام في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية إن وثيقة فيينا قد لا تنطبق على حارس السفارة الإسرائيلي كونه رجل أمن وليس دبلوماسياً، إلا إذا كان قد أبلغ إدارة المراسم في وزارة الخارجية بوجوده ضمن طاقم الدبلوماسيين في السفارة، وهو ما تحقق (أكيد) منه واتضح له أن رجل الأمن الإسرائيلي مسجل كدبلوماسي ضمن طاقم السفارة.

وأضاف أن الحصانة الدبلوماسية الممنوحة لطاقم السفارات تمكنهم من أداء أعمالهم وليس ارتكاب أعمال غير شرعية.

 

ورداً على سؤال إن كانت جريمة القتل ضمن الأفعال التي لا تغطيها الحصانة الدبلوماسية بحسب البند 31 من الوثيقة، نفى الجندي ذلك بقوله إن تلك الأفعال المقصودة تتعلق بشراء عقارات أو كتابة وصية وما إلى ذلك.

 

وعلى الرغم مما ذهب إليه الجندي في تحليله، فإن قانون العقوبات الأردني وتعديلاته كان واضحاً في "عدم سريان أحكامه على موظفي السلك الخارجي والقناضي الأجانب ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي العام"، بحسب المادة 11.

 

كما أن مرصد (أكيد) اطلع على دراسة قانونية بخصوص الحصانة القضائية للدبلوماسيين تؤكد على مبدأ الحصانة الدبلوماسية المطلقة، مشيرة إلى سوابق مثل حادثة القتل العرضي التي ارتكبها السفير النمساوي في بلغراد بحق نظيره الفرنسي في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1976، حيث اكتفت المحاكم اليوغسلافية آنذاك بإدانة دولة النمسا. كما أوردت الدراسة حادثة قتل ارتكبها قائم بأعمال سفارة أجنبية في بلجيكا عام 1906، ولم تستطع السلطات البلجيكية توقيفه إلا بعد الحصول على إذن الدولة المعتمدة.

 

أضف تعليقك